الشيخ النائيني والاستبداد الديني

إنّ الإستبداد الدّيني كما يقول الشيخ النّائيني(محمد حسين بن عبد الرحيم النائيني توفي في النجف عام 1355ه) في كتابه (تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة) هو أخطر أشكال الإستبداد ويصعُب علاجه إلى حدّ الإمتناع..بل إنّ الإستبداد السياسيّ مُتولّد من الإستبداد الدّيني حيث إنّ الأول يفتقر إلى المُقوّمات الكفيلة بالحفاظ عليه..فهو مُهدّد دائماً بالإنهيار لأدنى سبب..في حين أنّ الأمّة تكون في الثّاني مُضلّلة ومخدوعة وتحسب أنّ ما يصدر عن رجل الدّين المُستبدّ من لوازم الدّين..بينما هي نزعة فرديّة يتظاهر بها المُتلبّسون بزيّ الرئاسة الرّوحية بعنوان الدّين..والأمّة الجاهلة تُطيعهم بإندفاع وثقة لشدّة جهلها وعدم خبرتها بمقتضيات الدّين وحقيقة هؤلاء..(إنتهى)
إنّ العقل الأصولي الذي يُحرّم حرّية البحث عن الحقيقة كتحريم الإطّلاع على الفكر الآخر تحت عنوان تحريم كتب الضّلال..هذا الأسلوب هو دعوى بأنّهم يملكون الحقيقة المُطلقة والدُغمائيّة الضيّقة التي تمنع الحوار وتبادل الأفكارلذلك يبقي الإنسان محصوراً في فكر ضيّق ويعيش تحت إيديولوجيّة تُؤطّر حياته بقالب مذهبيّ بحيث يفقد عقلانيّة التحرّك ونزعة فوقيّة بأنّه قد وصل إلى الحقيقة وهذا يخالف مذهبّ أهل البيت عليهم السلام القائم على العقل والإجتهاد..لأنّه بعد غياب المعصوم(ع)الذي يملك الحقيقة بحسب ما نعتقده ..فمن يجرؤ أنّه يملكها من بعده..فيكون في نهاية المطاف من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا ويحسبون أنّهم يُحسنُون صُنعاً..هذا حال جميع الأديان والمذاهب في عالم البشرّية فلا يدّعي أحدٌ أنّه أصاب الحقيقة وخصوصاً بعد إنقضاء أكثر من أربعة عشر قرناً على عصر النّص وما رافق المسيرة التّاريخيّة للفكر الدّيني من إجتهادات المجتهدين وتفاسير المُفسّرين ووضع الوضّاعين طيلة هذه المُدّة.. فهل يُمكن لأحد أن يدّعي أنّه أخذ دينه من عين صافية وأخذ مذهبه من روافدّ نقيّة..فهذا النّوع هو من أنواع الإستبداد الدّيني الذي يُطلق الإتهامات والأحكام والتفسيق لكلّ من يُحاول أن يُناقش ويُبدي رأيه خلافاً لما توصّل إليه الفقيه والمجتهد المُستبدّ.فهذا النّوع يُولّد نوعاً آخراً من الإستبداد وهو الإستبداد السّياسيّ الذي أضفى المعذوريّة والوصول إلى أنّه يملك الحقيقة تحت عناوين وشعارات دينيّة كالحفاظ على المذهبّ والطّائفة والدّين والعقيدة..فلا ينبغي هنا الغفلة عن هذه الحقيقة وهي أنّ أكثر العقائد والمفاهيم الدّينيّة والسّياسيّة ليست وليدة المنطقّ العقلانيّ والنّص الدّينيّ وإنّما هي وليدة الصّراعات السّياسيّة التي أضفى عليها الزمان فضاءاً من القداسة الموهومة الذي وضعها أصحاب الفكر والعقل الأصولي فوق مستوى النّقد…وبالتالي فهي ليست عقائدّ دينيّة حتى يسعى إليها رجال الدّين التّقليديّن إلى الدّفاع عنها وكبت كل محاولة للتشكيك فيه أو التّخلي عنها…ومن هنا فإنّ نقد الأفكار الدّينية والسيّاسيّة لا يعني نفيها بالضرورة بل بلورتها وإضفاء واقعيّة أكثر عليها ممّا يجعل الإنسان المؤمن في فضاء واسع وحيويّة في معتقداته…

السابق
أحمد بن حلي: الجامعة العربية ستستند إلى تقرير رئيس المراقبين الذي سيكون حاسما
التالي
أ.ف.ب: صالحي يؤكد ان ايران لم تحاول يوما في تاريخها اغلاق مضيق هرمز