50 الف تنكة محسوبيات: مجزرة الخوابي… ليلة القبض على زيت الجنوب

ثمة من ألقى القبض على مليوني دولار، أي ثلاثة مليارات ليرة، من أموال مزارعي الجنوب، ومزارعي الزيتون تحديدا. هذا أقلّ ما يمكن أن يقال عما يحضّر خلال ساعات للجنوب، الذي حصل على 40 في المئة من تنكات الزيت الـ50 ألفا، بعدما قرّرت وزارتا الزراعة والشؤون الإجتماعية شراءها مما يعرف بـ"التعاونيات الزراعية".

القصة معقدة، لكنّ المهمّ فيها أنّ الوزارتين نشرتا في الجرائد اليومية آلية تنفيذ قرار مجلس الوزراء الرقم 54 بتاريخ 13 كانون الأول 2011، ونشرت معه أسماء التعاونيات التي ستجمع الزيت وتسلّمه إلى الجيش اللبناني (الشاري) وأسماء رؤساء هذه التعاونيات وأرقام هواتفهم من أجل الإتصال بهم.
في جوجلة سريعة، لكن متأنّية ودقيقة، لأسماء الجمعيات في محافظتي النبطية والجنوب، وأسماء رؤسائها، تبيّن أنّها في معظمها تتبع لحزب الله، قلبا وقالبا. ففي قضاء النبطية هناك "الجمعية التعاونية الزراعية العامة في عربصاليم" ورئيسها قاسم حسن، وهو المسؤول الأول عن الملف الزراعي في "حزب الله" بمنطقة النبطية. وفي "يحمر وجوارها" كلّفت "الجمعية التعاونية الزراعية العامة" والمسؤول عنها ناصر عليق، المسؤول في "حزب الله" أيضا، والجمعيتان تابعتان لـ"جهاد البناء". كذلك الأمر في قضاء مرجعيون، حيث كلّفت "الجمعية التعاونية الزراعية" في الخيام برئاسة نايف خريس، العضو في "حزب الله" أيضا، إلى جانب عماد خشمان، رئيس "التعاونية الزراعية العامة" في الزرارية بقضاء صيدا، ورئيس "التعاونية الزراعية العامة" في كونين بقضاء بنت جبيل، ورئيس "الإتحاد التعاوني الإقليمية في الجنوب" بقضاء صور علي دبوق، والأمثلة أكثر من أن تحصى بحسب شهادات مزارعين من الدوير والعديسة وسير الغربية وغيرها.

كما أنّ البقية هم من حصة حركة "أمل"، ومنهم محمد مصطفى موسى رئيس "التعاونية الزراعية العامة" في البيسارية بقضاء صيدا ورئيس "إتحاد التعاون للإنماء في الجنوب" بقضاء صور سمير أيوب وغيرهم.
هذا غيض من فيض، لكنّ المسألة لا تنتهي عند هذا الحدود. فإذا كانت وزارة الزراعة بيد "حزب الله"، ممثلة بالوزير حسين الحاج حسن، لا بأس إذا كلّفت مسؤوليه الحزبيين ومسؤولي "أمل" الحليفة، وهو أمر يبدو عاديا في لبنان… الأسوأ هو أنّ "الكثير من الجمعيات التعاونية ليست إلا أدوات وهمية"، بحسب جميل القزي، المكلف بجمع الزيت في دير ميماس بقضاء مرجعيون كونه يرأس "الجمعية التعاونية الزراعية العامة" في ديرميماس. وهو يؤكّد أنّه لا يعلم لماذا اختيرت جمعيته: "من الممكن أن يكون سبب الاختيار ناجما عن حصول جمعيتنا، خلال التصنيف الذي أجرته الوزارة في معرض بيروت للتموين، على المرتبة الأولى في المنطقة بجودة زيت الزيتون".

القزّي سمح بنشر اسمه، خلافا لعشرات المزارعين الذين رفضوا نشر أسمائهم، متحدثين عن "محسوبيات في اختيار تعاونيات معيّنة من بين عشرات التعاونيات المنسية والمتروكة، رغم أنّ معظم التعاونيات التي اختيرت وهمية ولا تمثّل إلا الحزب الذي يديرها، ويسهر على أن يستفيد من عملية الجمع المحازبين والمناصرين قبل الأبعدين".

كذلك أكّد أكثر من مطّلع وعارف ومزارع من أبناء الخيام على أنّ "التعاونية" التي يرأسها خريس "وهمية"، ومعدّة للإستفادة من الخدمات الحزبية ليس أكثر، ولا تقدّم خدمات خارج هذا السياق.
أيضا تقول إحدى المزارعات، وهي تملك 20 تنكة، إنّ من يتولّون عملية تسَلم الزيت محسوبين على جهة حزبية: وبالتالي الأولوية ستكون لأتباع هذا الحزب، وبالتالي سيخرج زيتنا "ناقص جودة"، وزيت مناصريهم، وإن كان أقل جودة، سيكون "فائق الجودة" في "التصفيات".
وبحسب أحد رؤساء الجمعيات، وهو رفض نشر اسمه خوفا من "الكيدية"، فإنّ هناك "عددا كبيرا من الجمعيات التعاونية الزراعية المرخّصة، وفي كل قرية أو بلدة هناك جمعية أو أكثر، لكنّ العدد الأكبر منها يستخدم لأغراض شخصية، فكثيرون ممن يديرون هذه الجمعيات يعمدون الى الحفاظ على مناصبهم بطرق ملتوية مثل حصر عدد الأعضاء بالمعارف الشخصية والعائلية لضمان إعادة انتخابهم على رؤوسها، وللحفاظ على دورة توزيع المنافع والمساعدات، التي يحصلون عليها من جمعيات وجهات متعددة، على بعضهم البعض".

ويضيف رئيس جمعية أخرى لم تشملها العناية "الإلهية" أنّ هناك "جمعيات تعاونية زراعية ناشطة في الجنوب وغير الجنوب، ولها حضور إجتماعي وتقدّم خدمات واضحة للأهالي، كما في بلدات عيترون وبنت جبيل وحولا وغيرها لكن لا علم لها بما أعلنته الوزارة عن تحضيرها لشراء زيت الزيتون"، ويضيف: "لا يوجد حتى الآن تعميم على مزارعي الزيتون لإعلامهم بوجود مراكز خاصة مكلّفة بإستلام الزيت، وكثيرون لا علم لهم بأن وزارة الزراعة تهتم بهذا الأمر هي والجيش"، ويختم: "معظم المزارعين لا يقرأون الصحف اليومية، لذا المجتمع الزراعي يحتاج إلى تعميم من نوع آخر يسمح باطلاع الجميع عليه كي يتاح لهم الاستفادة منه، وإلاّ فإن المعنيين موضع شبهة تتعلق بجعل الخاصّة فقط تستفيد من بيع منتجاتها إلى الجيش، وتحديدا التعاونيات التي كلّفت، إذ أنّ الكمية التي سيشتريها الجيش محدودة".

لكنّ المحظيين من الذين سيبيعون، والمتروكين على الهامش لتشتري الجمعيات الوهمية منهم إذا "قصّر" محازبوها على تلبية رقم الـ20 ألف تنكة، كلّهم يشكون من أنّ السعر المعروض، وهو 85 دولارا للتنكة (بعد حسم سعر التنكة)، يقلّ عن "التعب" الذي "صرفوه"، ويجاهر كثيرون بأنّهم لن يبيعون بأقلّ من 100 دولار، وهو رقم ليس "عاليا" بل "عاديا" وربما "متدنيا" في بعض المواسم، إذ قد يصل ثمن التنكة إلى 200 دولار في بعض السنوات العجاف.

لكنّ المهندس حسن عطوي، مستشار وزير الزراعة والمسؤول عن ملف شراء الزيت في الوزارة، يرى أنّ "السعر مناسب جدا لأنّ سعر التنكة حاليا يتراوح بين 60 و70 دولارا"، مشيرا إلى أنّ "السعر حدّده مجلس الوزراء وليس وزارة الزراعة".
وهو يردّ على القائلين إنّ التعاونيات المختارة محسوبة على "الحزب والحركة" بالقول إنّه تم اختيارها "بحسب الخبرة والباع الطويل والقدرة المالية والتقنية على استيعاب آلاف التنكات من مئات المزارعين"، ويضيف: "لا يوجد استبعاد سياسي لأن التعاونيات في كل المناطق تمثل مختلف الاتجاهات السياسية لكن أخذنا التعاونيات التي تتمتع بالخبرة أكثر من غيرها، أضف أنّ هناك تعاونيات لا تعمل وأخرى بحكم المحلولة وأخرى محلولة ونحن راعينا التعاونيات التي وضعها قانوني 100 في المئة".
وعن الجنوب تحديدا يستطرد: "إذا خيرتني في الجنوب بين تعاونية عربصاليم أو تعاونية غيرها في القضاء سأختارها هي مرة أخرى بغضّ النظرعن تاريخها أو ميولها السياسية، لأنها ناشطة وقائمة ولها خبرة"، لافتا إلى أنّ "هناك تعاونيات وهمية كثيرة، وهناك تعاونيات غير قادرة تقنيا (!!) وهناك سبب ثالث هو أنّنا لا يمكن أن نختار أكثر من تعاونية أو اثنتين في كلّ قضاء، ما سيجعل العدالة التامة مستحيلة، لكنّنا جهدنا لنؤمن عدالة بنسبة 80 في المئة على الأقلّ".

ولأنّ عشرات المزارعين، ممن طلبوا عدم نشر أسمائهم، رفضوا "فحص الوزارة" لأنّهم اعتبروا أنّه "سيخضع للمحسوبيات"، فقد ردّ عطوي بأنّ "فحص الوزارة مجاني وقد اقتصر الأمر على مختبرات الوزارة توفيرا للمصاريف".
ولماذا اختيار "مناطق زيتونية" جديدة، مثل كسروان التي سيجمع منها 300 تنكة، يجيب عطوي: "عملنا بناء على أساس إحصاءات العامين 2008 و2010 التي أجرت مسحا على زراعة الزيتون في لبنان بالتعاون بين وزارة الزراعة ومنظمة الفاو، وهناك بين 5 أو 10 % من الزيادات ولم نضف أي منطقة من خارج الدراسة".
كما يقول عطوي إنّ "مكاتب الوزارة مفتوحة للجميع للإعتراض على أيّ أمر"، لافتا إلى أنّه طلب من "كلّ رؤساء التعاونيات التأكّد من اطلاع كل مزارعي لبنان في كلّ الاقضية بمختلف الوسائل أنّه بات باستطاعتهم التقدم بتعبئة طلبات بيع الزيت".
لكنّ نفي عطوي متروك للرأي العام أمام عشرات الشهادات التي تمّ جمعها خلال الساعات الـ48 الماضية، والتي أكّدت أنّ هناك "مجزرة زيت" ستنفذّها وزارة الزراعة من خلال ثلاثة مليارات ليرة، جرحاها سيكونون "المحظيين" من بائعي الزيت (بسبب السعر الزهيد)، وقتلاها هم "غير المحظيين" (بسبب استبعادهم)، وقد تُخلّفُ مفقودين ممن ستكسد مئات تنكات الزيت في خوابيهم (بسبب غياب سياسة عامة لتصريف الإنتاج)، أو لأنّهم "لم يسمعوا كلمة" مسؤول الجمعية هذه أو التعاونية تلك، أو كلمة هذا الحزب أو تلك الحركة.  

السابق
وزير النفط الايراني: نواجه في الوقت الراهن حال حرب اقتصادية
التالي
مصرع الشاب محمد الجمل بطلقة نارية في صور