الأجر ليس نصراً إعلامياً

لا توجد أي جهة معنية بتظهير قرار تصحيح الأجور، وانعكاساته الاقتصادية على المواطنين، أكثر من وسائل الإعلام اللبنانية. فالأجر يطال كل عائلة… ويطال حصرا اللبنانيين، من دون غيرهم من الأجانب الذين يعملون في لبنان.
ومع ذلك تتعامل وسائل الإعلام مع موضوع الأجر من المنطلق نفسه الذي تتعامل فيه مع جميع القضايا. من هو مؤيد لقرار التصحيح يعتبر نفسه منتصرا لأنه موال للفريق الذي أقره، ومن هو معارض له يعتبر نفسه خاسرا، بغض النظر عن التصحيح بحد ذاته، ومترتباته سلبا أو إيجابا.

المثال الأخير، والأبرز على ذلك، الحملة التي قام بها «تلفزيون المستقبل» في وجه الحكومة، بعد الاعتراض على التصحيح السابق. فقد وضع عنوانا رئيسيا للحملة هو «توحد اللبنانيين ضد الحكومة»، وشارك ممثلون من نقابات «تيار المستقبل» في تظاهرة هيئة التنسيق النقابية. ولكن عندما جرى التصويت على مشروع وزير العمل شربل نحاس، استدعى «المستقبل» المواقف السلبية منه، فاستصرح رئيس الهيئات الاقتصادية الذي حذر من إقفال معامل ومؤسسات وتسريح آلاف العمال، ونقل موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نفسه الذي يعارضه «المستقبل» لصحيفة «النهار»، وحذر فيه من التداعيات الاقتصادية للقرار.
وهو نفسه أي «المستقبل»، لم يكن يرى في مطالب المواطنين الاجتماعية والاقتصادية مشكلة عندما كان الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة، ومن ثم سعى إلى تظهير أصغر تحرك عندما أصبح ميقاتي رئيسا لها.وهكذا تمارس أي وسيلة إعلامية مناهضة الطريقة نفسها، لأن الهدف هو البحث عن نصر سياسي للقوى الموالية لها، بينما المطلوب تشريح القرار نفسه وتداعياته، واستغلال الفرصة للممارسة الإعلامية التي تستجيب لواقع اللبنانيين وليس فقط لسياسييهم.
فعندما تقول الهيئات الاقتصادية إن القرار سوف يؤدي إلى إقفال معامل ومؤسسات وتسريح آلاف العمال، يجب سؤالها: إلى ماذا تستند في تحذيرها؟ وهل توجد لديها دراسات فعلية لا شكلية، عن سوق العمل اللبناني؟، وكيف يتم تصنيف المؤسسات،؟ ومن هي القطاعات التي ستسرح عمالا وموظفين؟ هل هي قطاع المصارف الذي يخزن أموال الخزينة اللبنانية، أم قطاع العقارات والبناء الذي يستخدم العمالة الأجنبية الرخيصة، ويربح مئات آلاف الدولارات من بيع الشقق والعقارات، أم قطاع المطاعم والفنادق التي لا نعرف لماذا تتواجد بتلك الكثرة في بلد صغير ما دامت لا تحقق الأرباح، أم تجار الملابس والأحذية الذين يصرحون أنفسهم بأنه إذا لم تتجاوز أرباحهم المئة في المئة، فإنهم لا يتاجرون؟.

في المقابل: كيف تتوزع المعامل والمصانع الصغيرة والمتوسطة، ما هو عدد العمال والأجراء الذين يعملون فيها؟ وما هي نسبة أجورهم من مجمل الاقتصاد؟ وما هي الحلول المقترحة لهم، غير تلك التي تأتي على حساب الموظفين والأجراء؟.
بعد ذلك، من يطبق قانون العمل في لبنان الذي يحتاج بدوره إلى تعديلات كبرى، وهل تدفع مؤسسات كثيرة الأجور كما أقرتها الحكومة أصلا؟ وهل تدفع بدلات نقل؟ لأنه من المعروف أن الكثير من المؤسسات لا تدفع بدلات نقل، أو تدفع بدلات زهيدة. ثم ما هي نسب الضرائب التي تدفعها المؤسسات والشركات إلى خزينة الدولة؟ وجميعنا يعرف أنها تدفع مقطوعة سنوية ولا تطال الضريبة على القيمة المضافة سوى المستهلكين.
تلك عينة من أسئلة كثيرة يرغب جميع اللبنانيين، وإلى أي فريق انتموا بالبحث عن أجوبة لها، ليس فقط من خلال استسهال إجراء المقابلات مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، بل أيضا مع خبراء فعليين في الاقتصاد، لكي يعرف الناس من يربح ومن يخسر من التصحيح، غير الفريق السياسي الذي يقره أو يعارضه. تلك هي مهمة الإعلام الحالية: استغلال المناسبة للتعريف بواقع الاقتصاد، بدل نقل مقتطفات مجتزأة واستنسابية منه، ولديها كامل الوقت لذلك، ما دامت تبث أربعا وعشرين ساعة في اليوم.

السابق
هل تنكسر الصين؟
التالي
قيادي حزبي بارز