الحكم على جاك شيراك

سيدخل جاك شيراك تاريخ فرنسا كالرئيس الذي تجرأ على معارضة القرار الأميركي بإدخال جنود فرنسا في حرب العراق. هو الرئيس الذي جنب بلده سقوط قتلى من جيشه في حرب أدرك أنها ستكون كلفتها باهظة على بلده. رحم الله الكاتب والأديب الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد الذي كان قبل شهر من وفاته يراهن أن فرنسا لن تستخدم الفيتو وستدخل الحرب مع حلفائها الأميركيين والبريطانيين في العراق. وكان إدوارد يردد في اتصال هاتفي من نيويورك مع «الحياة» أنه من المستحيل أن تقف فرنسا ضد الولايات المتحدة. وللأسف لم يتسنَّ لإدوارد أن يرى أن شيراك قال لا لحرب أدرك أن كلفتها باهظة على بلده والمنطقة. جاك شيراك هو الرئيس الذي مع صديقه الشهيد الراحل رفيق الحريري حرر لبنان من جيش النظام السوري الذي بقي فيه ثلاثين عاماً. وهو الرئيس الذي بعد تفكير طويل وعميق قرر إرسال ألفي جندي فرنسي لينضموا إلى «يونيفيل» لحماية الجنوب اللبناني بعد الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل عليه. وهو الرئيس الذي نظم مؤتمرات باريس 1 و2 و3 لمساعدة لبنان. «الدكتور شيراك» كما كان يناديه رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات كان دائماً يدافع عن القضية الفلسطينية. شيراك هو الرئيس الذي وقف في القدس القديمة ضد الشرطة الإسرائيلية التي كانت تحاول منعه من التقدم في الحي العربي للمدينة، ورفض أن يواكبه رئيس بلديتها الإسرائيلي، لأن فرنسا تعتبر أن القدس هي عاصمة للدولة الفلسطينية أيضاً. شيراك هو الرئيس الفرنسي الذي أسرع لاستقبال الرئيس الراحل ياسر عرفات في أفضل مستشفيات فرنسا وودّعه كما يودّع رئيس دولة، حين كان العالم الغربي بأسره ينبذ عرفات. شيراك هو الذي جال في شوارع الجزائر العاصمة ممسكاً بيد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يشجعه للمرة الأولى على النزول إلى القصبة بعد زلزال كارثي، بعد أن انتظر الرئيس الجزائري فترة قبل زيارة المنطقة المنكوبة مع رئيس فرنسا الكبير.هذا هو تاريخ هذا الرئيس الكبير الذي أراد القضاء الفرنسي معاقبته كي يظهر أنه قضاء مستقل، فأصدر حكماً عليه بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ في قضية قديمة عمرها عشرون سنة وتتعلق بوظائف وهمية في بلدية باريس عندما كان شيراك رئيساً لها في 1995 وقد دفع ثمناً باهظاً بسببها وزير الخارجية الحالي ألان جوبيه في السابق. فغريب هذا القاضي الذي أراد الوقوف ضد النيابة العامة التي رأت أنه ينبغي إخلاء سبيل شيراك وعدم الحكم على رئيس عمل من أجل عزة وعظمة فرنسا على الساحة الدولية. ورأى البعض في هذا القرار حملة على الديغولية. لكنها ليست كذلك فهي مجرد قرار من قاض أراد إظهار استقلاليته عن النيابة العامة وتطبيق القانون في قضية عمرها 20 سنة.

إن هذا الحكم محزن لتاريخ هذا الرجل الكبير الذي أتعب العمر صحته. ولكنه وعلى رغم الحكم الذي صدر بحقه يبقى الرجل السياسي المفضل لدى الفرنسيين. لكن القاضي الفرنسي لا يبالي باستطلاعات الرأي، فهو مهتم أولاً بسمعته وخصوصاً بشهرته إذ أنه استطاع أن يحكم على الرجل الأكثر شعبية في فرنسا ولو أن حالته الصحية لا تسمح له بالدفاع عن نفسه، إذ كان ممثلاً بمحاميه في جلسات المحاكمة. لكن كتب التاريخ ستنصف هذا الرئيس الذي عمل الكثير من أجل بلده وأحبه الفرنسيون بوفاء وإخلاص مهما قال هذا القاضي.  

السابق
كلام في حماية المدنيين السوريين
التالي
غرامة على التشرد !؟