بعد عقد على إنطلاقتها: كيف يراها الباحثان محمد شمس الدين وليال أبو رحال؟

لمزيد من التقييم والتصحيح والتعديل والتغيير والتطوير والتنمية الإعلامية، إلتقينا كل من الباحث في مؤسسة (الدولية للمعلومات) المعنيّة بشؤون الدراسات والإحصاء محمد شمس الدين، والباحثة والصحفيّة ليال أبو رحال، معدّة بحث أكاديمي في الجامعة اللبنانية تحت عنوان(الصحافة المناطقية في جنوب لبنان-الإشكالية وأفق التطوير)، والذي نشرته شؤون جنوبية في العدد 107– نيسان 2011- في لقاء حول المجلة لمناسبة مرور عقد من الزمن على إنطلاقتها.

الباحث محمد شمس الدين اعتبر:"ان الإعلام المناطقي، وتحديدا الصحافة المكتوبة بدأت تأخذ حيّزا مهّما على مستوى كل منطقة لأنها هي الأقرب الى هموم وقضايا الناس، والتي لديها القدرة على تصوير حياة الناس بحيث أن كل مواطن يرى نفسه فيها".
هذه المجلة المناطقيّة تعبّرعن هموم المواطن، لذا جاء الإعلام المسموع ليخصص ساعات وفقرات للبث المناطقي. نجد مثلا المحطة الثالثة الفرنسية تخصص برامج خاصة للمناطق. ورغم صغر مساحة لبنان أرى أنه لابد للبنان من إعلام وصحافة مناطقية، والتي تُعد الأقدرعلى التعبيرعن هموم الناس لأنها على تماسّ يوميّ معهم، وهي لا تستطيع الإستمرار اذا لم تكن كذلك. وهي بذلك تختلف عن الصحافة الوطنية. وهذه الصحافة المناطقية انتشرت منذ 20 سنة، وبشكل واسع، والتي تندرج تحت 3 جهات:

– صحف مناطقيّة تصدر عن البلديات.
– صحف تصدر عن أفراد.
– صحف ومجلات تصدر عن روابط وأندية ومؤسسات المجتمع المدني.
مع الاسف، إن تلك الصادرة عن البلديات تروّج للجهة التي تدعمها، وكذلك الأمر بالنسبة للتي تصدر عن أندية وجمعيات تبحث عن تمويل.
لذا، الفكرة الأساس وراء الصحف المناطقية هي أنها تنتمي الى هذه النماذج الثلاث، وهي تغيّب وجهة النظر المختلفة. فالصحيفة تصدر لتتبنى ادوارا ليست لها كتلك التي تصدر عن البلديات.

للأسف الصحافة المناطقيّة تحولت عن الدور التغييري الذي نشأت لأجله الى الدور الترويجي لجهة معينة أو للإرتزاق. لذا، فان تقييمي للصحافة المناطقية تقييم سلبي، لانه عندما يتوقف التمويل تتوقف هذه المجلات كونها لا تملك زخما شعبيا. ونلاحظ ان ثمة صحف ومجلات تصدر لمدة سنة او سنتين ومن ثم تتوقف. فالواقع سيئ وغير مشرّف.

"ودورها هو ابراز صورة المجتمع الذي تصدر من خلاله، وتحاول تغييرالمجتمع نحو الأفضل. لكن مع الأسف، بمعظمها، انحرفت وتحولت الى وسائل ترويجية، وأيضا لا يهّم القيميين على هذه الصحافة سوى التمويل والبحث عن دعم اواشتراكات. ورأيي ان الناس في المناطق مستعدة للدعم حيث ان هذا الجمهور يهمه ان يوصل صوته فقط". ويضيف:" فقد عرف الجنوب على مرّ العصور العديد من المجلات المناطقية المحدودة الإنتشار نظرا للظروف والاوضاع السابقة".

ويستدرك قائلا:" لكن شؤون جنوبية هي الأولى التي تحاول أن تحاكي هموم الناس. وتعالج الجانب الحياتي والإجتماعي واليومي والثقافي، فهي رغم أنها تحكي عن قضايا ثقافية، فإنها لا تغفل عن مشاكل المياه والكهرباء والطرقات وغيرها من المشاكل. وهذا برأييّ سبب وجودها واستمراريتها طيلة عشر سنوات".

 ويؤكد شمس الدين ردا على سؤال:"طبعا لها حاجة كونها تعبّرعن صوت الناس الذين لا صوت لهم، وخاصة عندما تقوم بدورها، وبما هو مطلوب منها. وعندما لا تعبّرعنهم تزول بزوال الحاجة اليها. وبالرغم من الأزمة الماليّة التي تمرّ بها الصحافة الوطنية، لا تزال الصحافة المناطقية قادرة على الاستمرار دون تمويل، فقط بدعم من القراء لأن كلفتها أقل، وحضورها مرتبط بالناس الذين يدعمونها".

ويرى أنه:" كونها مناطقية، ليس من اللازم أن ترّكز على الإخراج والناحية الفنيّة لأنها تصدر من أجل قارئ بحاجة لها وتنتمي له، ولأنها لا تعيش منافسة. وبالتالي ما يجذب لها موضوعها وليس شكلها لأنها صحيفة مضمون وليست صحيفة شكل. وما يهم القارئ هو أن تنقل له أخباره كافة، كخبر توقيع كتاب لأحد أبناء المنطقة، في الوقت الذي لا تُعنى الوطنية بهذا الخبر". ويقترح شمس الدين:"إصدار مجلات ذات حيّز أصغر خاص على صعيد صيدا، أو صور، أو النبطية".
وحول السؤال عن مدى حاجتنا الى صحافة مناطقية بعد انتشار المواقع الإلكترونية الجنوبية؟. يرى الباحث محمد شمس الدين:"ان التلفزيون لم يلغ الراديو. لذا اليوم المواقع الإلكترونية تأخذ حيّزا من الصحافة الورقيّة، لكنها لا تحلّ محلها ولا تلغها. لا بد أن تبقى الورقيّة، خاصة انه لحد الآن لا يزال الكمبيوتر والإنترنت غير معممّين عند مختلف الشرائح. فالجيل الشاب فقط يستعمل الإنترنت، أما الجيل السابق فلا زال بعيد عن ذلك".
علما أن:"الموقع ليس له الكلفة نفسها التي للصحف والمجلات على صعيديّ الورق والطباعة، فالموقع الالكتروني كلفته لا تتعدى 10% فقط من كلفة الصحافة الورقيّة. مع الإشارة الى أن المستقبل للصحافة الإلكترونية". مؤكدا أنه:"على المدى البعيد المستقبل للصحافة الإلكترونية، وسيكون عدد قراء الصحافة الورقيّة الى تراجع".

وعن مراحل تطوّر شؤون خلال الفترة الفائتة:"هناك تطور كبير من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث تغطيتها لأكبر مساحة من الجنوب. وكمحاولة وكتجربة مناطقيّة أرى أنها ناضجة وضرورة. كما أنها سدّت حاجة ضمن الظروف والأوضاع التي نعيشها في لبنان حيث أنها قدّمت أقصى ما يمكن".
بوكس:المجلة المناطقية مجلة ثقافيّة إجتماعيّة تنمويّة، تنجح كلما اقتربت من هذه القضايا، وتفشل كلما ابتعدت عنها. تنجح كلما إلتزمت بهموم الناس، وتفشل كلما تخلت عن همومهم.
بوكس:أصدرت "الدولية للمعلومات" بالتعاون مع منظمة اليونسكو عام 2006 كُتيبا عبارة عن دليل حول المجلات المناطقية .

 اما الباحثة والصحفيّة ليال أبو رحال، فقد كان لها تساؤلات مختلفة حول المجلات المناطقية. وحول ورؤيتها لـ"شؤون جنوبية" بعد عشر سنوات على صدورها، قالت:"اعتبر ان "شؤون جنوبية" في السنوات الأولى كانت صاحبة مسيرة تصاعدية. والتقدم فيها كان جيدا سواء على صعيد الشكل أو المضمون، وتطورت بشكل صحيح وان بدأت بشكل تقليدي، ولاحقا تطورت إخراجيا فصارت ذات حلة جديدة، وتدّرجت في اهتماماتها على صعيد المضمون الخاص بها. وهي تُعد فريدة من نوعها".
"لكني اشعر أن الموضوعات المميّزة كملفي حرب تموز واليونيفيل، غابت مؤخرا خاصة تلك التي تفتح نقاشا على صفحاتها".
وتتابع:"ولكن الجيد أن كتّابها قد تطوروا في إسلوب كتاباتهم، وتغيّرت أساليبهم الكتابية حيث راكموا خبرة وهم ليسوا في الأصل من المحترفين، إضافة الى مراكمتهم علاقات بمجتمعاتهم المحلية. والمجلة، بغضّ النظر عن شكلها، أجد أن مجرد وجودها واستمراريتها على الرغم من المصاعب المادية وانتشار وسائل الإعلام الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي هو بحد ذاته إنجاز للقيميين عليها".
وتضيف:" ويؤخذ عليها غياب أخبار حاصبيا ومرجعيون، كما انها لم تستطع فرض حضورها في مناطق جنوبية أخرى، على الرغم من ان مشاكل هذه المناطق كثيرة جدا خاصة على صعيدي الإقتصاد والخدمات".

وتكمل:"واليوم يُعتبر وجود الصحافة المناطقية بشكل عام تحدّيا على أكثر من صعيد خصوصا في الجنوب. لماذا؟ لأنها صوت مختلف عن الأصوات الطاغية في المنطقة، حيث تحاول تقديم الجنوب بصورة غير الصورة الرائجة. هي تحدّ على مستوى وسائل الإعلام الاخرى. فالجرائد اليومية تعطينا أخبارا بكل تفاصيلها. ولكن التحدي هو ان تنقلنا الى الخلفية الحقيقية للخبر. والتحدي هو ان اللبنانيين مهووسون بالسياسة، والسياسة محور اهتمامهم. لكن المجلات المناطقية تبرز لنا المشاكل المتنوعة، وتضعنا على تماس مباشر مع مشاكلهم. واليوم اذا أردنا الحديث عن الغريم والمنافس للمجلات المناطقية، فإنها بصراحة المواقع الإلكترونية، و"شؤون جنوبية" تحاول اللحاق بموجة العصر من خلال موقعها الإلكتروني التابع لها، والذي يسدّ عجز المجلة عن تغطية كل أخبار الجنوب".

وهل تستمر المجلة برأيك؟ نسأل. ترى أبو رحال أنه:"في التصميم الذي أجده عند القيميين عليها أي الحاج قاسم قصير والسيد علي الأمين تجعل المراقب يطمئّن لإستمراريتها. وطبعا اذا أرادوا الإبقاء على مكانتها، فإنهم بحاجة لإمكانيات مادية ولأن يزيدوا أبوابها، ولأن يحسّنوا كفاءات العاملين فيها". وأستدركت:" وأود التذكير أن أبرز المجلات الجنوبية كـ(المرج) أقفلت بسبب الأعباء المادية. واعتقد ان وجود موقع تابع للمجلة يمكنه أن يحلّ محلها وأن يكمل رسالتها. والأمل باستمرار الموقع هو أن الشباب يهتمون اليوم للنت(الشبكة العنكبوتية) كثيرا.

"وما يؤخذ على المجلة انه مؤخرا، أي في السنوات الاخيرة، نشعر بغياب التغطية للوجودين المسيحي والدرزي في الجنوب من خلال تغييب أخبار المناطق كمرجعيون وجزين والقليعة وحاصبيا. علما ان ذلك كان متوفرا في السنوات السابقة. ونقطة ضعفها الثانية هي انها لم تستطع الوصول الى، أو مخاطبة من يتبنّى رأيا مغايرا. ولم تستطع كسر الجدار الذي يقف بوجهها في بعض القرى".  

السابق
تظاهرة هيئة التنسيق النقابية
التالي
اميل لحود: المناكفات داخل الحكومة أسقطت عنها صفة اللون الواحد