خطاب دفاعي إلى جمهور مرتبك

خلع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عباءته الامنية لدقائق، واطل على العالم وجمهوره في ذكرى عاشوراء بعد ثلاث سنوات هجرية من آخر ظهور علني له. واذا كانت هذه الخطوة اثارت قلق بعض جمهوره، فإنها شكلت في توقيتها وشروطها الامنية المدروسة دفعا من الثقة لجمهور السيد نصرالله الواسع،ورسالة تحدّ الى المتربصين به على المستوى السياسي والشخصي، وفّرت شروطها المناسبة والحشدالشعبي الكبيرالمعهود في مناسبة العاشر من محرم من كل عام.

وهذا الظهور العلني المدروس ادى الاهداف المتوخاة منه على هذا الصعيد، وهو نجح الى حد كبير في تأكيد زعامته الحزبية والشعبية، اذ يكتسب هذا الظهور الحسيّ لشخصية كالسيد نصرالله، لدى جمهوره العقائدي والايديولوجي، تعويضا نفسيا ودعما معنويا تحتاجه، ويساهم في كبت اسئلة لدى هذه القاعدة حيال ما يجري. وهو ظهور يحد من الارباك الذي تعيشه اليوم. ويكفي ان يخرج القائد ليقول: "وضعنا جيد"، لتطمئن الجماهير نفسيا من دون ان تبحث عن مسوّغ عقليّ لهذا القول.

لكنّ هذا لم يقلّل من أنّ خطاب السيد نصرالله العاشورائي كان يعاني من ازمة اخلاقية . فهو اذ تجنب الحديث عن اشكالية نظام يقمع شعبه ويقتل الآلاف منه في سورية، حاول ان يسقط المشهد العشورائي على ما يقوم به النظام، مع علمه ان مثل هذا الخطاب لا يصرف في هذا السياق. فالمؤكّد أنّه ثمة شعب يذبح يوميا من قبل نظام ظالم. لذا كان السيد يحاول ان يقلب الاولوية الداخلية للشعوب العربية التي يعبر عنها الربيع العربي، الى اولوية خارجية عنوانها اميركا واسرائيل والغرب.
والى جانب ما تقدمه الشعوب العربية من اولوية الاصلاح الداخلي، فان اشكالية ثورة الحسين وسيرة ائمة اهل البيت عموما هي اشكالية داخلية، وعاشوراء قضية ضد الظلم الداخلي بكل ابعاده، من قمع والغاء للآخر. اذ لم يكن الامام الشهيد يولي السياسة الخارجية للسلطة الاموية وتحدياتها اولوية، بل كان رفضه هو ردّ على الظلم الداخلي، ومواجهة تعسّف السلطة كان هو اساس مشروعه الاصلاحي. ويمكن ادراج سيرة ائمة اهل البيت دون استثناء في هذا السياق.

في الخطاب الأخير بدا السيد نصرالله متوجها الى الجمهور الحاضر امامه، لا كعادته في مثل هذه المناسبة حين كان يخاطب العرب عموما او المسلمين، ويوجه إنذارات إلى إسرائيل بقرب زوالها، ويعطي بعض النصائح للزعماء العرب. كما غاب عن خطابه الربيع العربي الذي يلهب خيال وواقع الشعوب العربية وهو لديها اولوية تتقدم على ما عداها من عناوين، مثل تحرير فلسطين او الموقف من التحديات الخارجية. خطاب السيد كان يستبطن انّ المتلقّين في العالم العربي ينتظرون منه الموقف الاخلاقي اتجاه سورية، لذا لم يكن امامه من خيار سوى اخذهم الى ملعب آخر يحسن اللعب فيه هو اسرائيل واميركا. لكنّ الشارع العربي اليوم، من مصر الى تونس الى ليبيا والخليج العربي. يريد التخلص من الاستبداد الداخلي اولا.
بدا خطاب السيد نصرالله دفاعيا لا هجوميا كما جرت العادة طويلا. إنكفأت مفردة "محور الممانعة والمقاومة" التي كانت تضم تركيا احيانا الى جانب سورية والعراق وايران في وقت سابق، بالاضافة الى بعض قوى المقاومة الفلسطينية. وحاول أن يملأ هذا الفراغ بتصوير الانسحاب الاميركي من العراق على انه انتصار للمقاومة وهزيمة لاميركا. وفي وقت كان السيد نصرالله، قبل اشهر وربما عام، يحرص على تظهير مشروع المقاومة والممانعة المقتحِم، بدا في خطابه الاخير مهدّدا ومحذّرا ممن سيقترب من سلاح المقاومة في الداخل، من دون ان يستخدم في خطابه صدى هذه الترسانة الصاروخية الى العدو بأقوال الفها جمهوره ويثق بها.

طمأن السيد نصرالله جمهوره بإطلالته الحسّية، وشعرت القاعدة الحزبية بتعويض نفسي حيال الاسئلة المكبوتة، فيما برزت الازمة الاخلاقية في الخطاب اتجاه الثورة السورية وشعبها، إذ أنّ إسقاط المشهد العاشورائي على سورية لا يمكن ان يكون الا انتصارا للمظلوم على الظالم، ولا يمكن ان يكون النظام السوري حسينيا في استبداده وقتله المستمرّ لشعبه منذ اكثر من اربعين عاما… حاشا لمدرسة كربلاء والحسين ذلك. بدا المشهد العاشورائي هذا العام اكثر من اي وقت مضى ..مسوغا لفكرة انغلاق الجماعة على نفسها.

  

السابق
اللواء: نحاس يحمل على رئيس الحكومة ·· وغصن يلوّح بالإضراب وتحرك لهيئة التنسيق النقابية
التالي
الراي: فيلتمان حضّ لبنان على عدم مواجهة العالم على وقع العصف السياسي لمواقف نصرالله