ممثلو واقعة الطف متطوعون

أصبحت بلدة مجدل سلم محجة أهالي قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون في يوم العاشر من محرم، بعد سنوات طويلة على بدء بعض شبان البلدة من الهواة والمهتمين بالمناسبة بتمثيل مسرحية واقعة مصرع الحسين وأصحابه من قبل أتباع يزيد بن معاوية. ويتحول أهالي البلدة الى متطوعين ومتبرعين كل حسب ما يستطيع تقديمه، من مأكل أو طبخ " الهريسة" أو القهوة والشاي و"البسكوت ولراحة" وغير ذلك. الى كل الغرباء من خارج البلدة. هناك في واد في البلدة شيد المسرح من طبيعة المكان، الوافدون يجلسون على صخور وأتربة التلال المطلة على الوادي، والممثلون يرتدون ثياب التمثيل المستوحاة من أيام الشهيد الحسين. الدروع القديمة المصنوعة يدوياُ، والسراويل والعمامات الخضراء والسوداء..

يحملون السيوف وبعض الرماح الحديدية ويتوجهون الى الوادي المجهز بالخيم والنخيل الطبيعي الذي أصبح من طبيعة أرض الوادي بعد أن تم زراعته منذ عدة سنوات. الفكرة كانت في العام 1983، كما يقول الممثل ابن البلدة أبو مصطفى ياسين،" بدأنا بالتمثيل الارتجالي في وسط البلدة بأساليب ارتجالية مستفيدين من قصة مقتل الحسين وأصحابه، حيث كان الشيخ عبد الحسين ياسين يشرف على التمثيل المقدم بأبسط الامكانيات معتمدين على بعض الألبسة والدشاديش ومسجلات الصوت، فلقي العمل وقتها استحساناً من الأهالي، فتشجع الشباب المتطوعون وأكملوا عملهم هذا في كل عام، يضيفون بعض النواقص التي يجدونها في العام السابق، فأصبح لنا شهرة خاصة في القرى والبلدات المحيطة توسعت فيما بعد الى جميع البلدات الجنوبية التي يطلب منا زيارة العديد منها للقيام بالدور التمثيلي". في العام 1987 أخذ العمل التمثيلي لواقعة الطف يأخذ بعداً فنياً متطوراً بعد أن قام الشابين وقتها موسى ياسين والشهيد خضر وهب ، الذي استشهد أثناء مقاومته للاحتلال في العام 1993، بالتدريب اللازم للتمثيل، وأخذ العمل يتطور بسرعة فائقة حتى أصبح الشباب الممثلون يطلبون الى بعلبك والبقاع.

يشارك اليوم في تمثيل واقعة الطف أكثر من مئتي شخص، من الشباب والصبايا والأطفال والشيوخ، بعض هؤلاء المتطوعين أصبحوا من البلدات المجاورة. أما المشاهدون فهم بعشرات الآلاف من جميع المناطق الجنوبية، الذين يتوافدون منذ ساعات الصباح الأولى فتضيق البلدة بالزائرين، الذين يصفّون سياراتهم على جانبي الطريق العام الوعرة ويسيرون مئات الأمتار لوصول الى الحقل ، مكان المسرح الحسيني في الوادي المذكور. بعض الشباب من المشاهدين يحضرون معهم عدتهم الخاصة من الأركيلة وبعض المشروبات والأطعمة، التي يوزع بعضها من قبل أهالي مجدل سلم. أم جمعية الزهراء التي يشرف عليها الشيخ علي ياسين، فهي التي أصبحت تنظم العمل المسرحي الحديث هذا، وهي التي ينظم اليها أغلب ممثلي الواقعة الحسينية من سنوات عدة. وهي التي تجمع التبرعات والمساعدات وتنفق المال على انجاز العمل بدقة واتقان. وتوزع الأطعمة على الحضور. التبرع من الميسورين والمغتربين، رغم أن أغلب أبناء مجدل سلم أصبحوا متطوعون ومتبرعون ، كل حسب امكانياته في هذا اليوم السنوي المنتظر كل عام. وكل الممثلون الذين يبدأون بالتمرين قبل أيام من اليوم العاشر هم من المتطوعون أيضاً.

يقول أبو مصطفى ياسين " نحاول الأن نقل صورة الواقعة بدقة وموضوعية، مستندين الى الروايات المتعددة، ومحاولة ارتداء الأزياء المناسبة حسب ما كان يرتديه الناس في الحروب آنذاك، وتدرب الممثلون على دورات خاصة بالتمثيل والاخراج، وهم أصبحوا أساتذة بذلك، أما الصوتيات فتستلمها شركة خاصة بذلك، وتجمع الخيول من المتبرعين من الأهالي، ليقدموا الواقعة الحسينية لأكثر من 50 ألف مشاهد في السنوات الأخيرة. وأهم ما يميز هذا العمل هو أن التمثيل يصبح أكثر واقعية وأقرب الى الحدث المأساة خاصة أنه في مكان مكشوف في الطبيعة مع تأمين الصوت الى الجميع ما يؤثر في المشاهدين تأثيراً بالغاً". 

السابق
ذاكرة البقرة خارقة!
التالي
أسماك صغيرة في بحر العرب تحمل في رؤوسها مصابيح تساعدها في البحث عن زوج