الجمهورية : برّي يلوّح للحكومة بسيف المسا ءلة وجعجع يدعو الى اسقاطها

 قالت "الجمهورية " :
في غمرة انتظار تبلور معالم خريطة المنطقة بعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية الشهر الجاري، تردّ سوريا اليوم على البرتوكول العربي المتعلق بإرسال مراقبين الى أراضيها، فيما تصدّر التوتر الأميركي ـ الإيراني واجهة الأحداث بعد تهديد طهران الغرب بأن يقفز السعر العالمي للنفط إلى أكثر من 250 دولارا للبرميل، في حال فكّر جدّيا بفرض حظر على صادرات النفط الإيرانية، وكذلك تهديدها واشنطن من أنّ الردّ على إسقاطها طائرة أميركية من دون طيار في أجوائها أمس "سيتعدّى الحدود الإيرانية".
في الموازاة، تتّجه الأزمة السوريّة إلى مزيد من التعقيد بعد إعلان واشنطن وأنقرة أنّهما بدأتا تفقدان صبرهما حيالها، والترحيب الغربي بقرار مجلس حقوق الإنسان إحالة الملف السوري إلى المنظمة الأممية، والتخوّف القطري من خروج الوضع من السيطرة العربية، وتسلم روسيا رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، في حين انقضت المهلة التي حدّدتها الجامعة العربية للنظام السوري لتوقيع بروتوكول إرسال بعثة المراقبين الى سوريا، من دون أيّ جواب.
لكنّ التلفزيون السوري بثّ مساء أمس أنّ وزارة الخارجية السورية ستعقد مؤتمراً صحافياً اليوم لإعلان موقف سوريا من البروتوكول العربي.
وعشيّة زيارته لبنان، أوضح مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان من الأردن، أنّ الرئيس السوري بشار الأسد "يقود البلاد الى حالة من الفوضى والفتنة الطائفية من خلال استخدام مجموعة من الأمن والأطراف المحسوبة على النظام لقمع الاحتجاجات السلمية بطريقة مروعة". وأعلن "أنّ إحدى الطرق السلمية التي طالب المجتمع الدولي النظام السوري بقبولها هي السماح لمجموعات من المراقبين والإعلاميين بالدخول إلى البلاد لينقلوا ما يدور من أحداث على ارض الواقع، ومن شأن هذا الأمر التخفيف من حدّة وحجم القتل اليومي الدائر ويضع العالم في صورة ما يحصل هناك".
وعلى وقع الأزمة السورية، بقيت الأجواء اللبنانية مكهربة بعد تعتيم شامل غرق به لبنان عشيّة تعليق عمّال معمل الزهراني للإنتاج الكهربائي إضرابهم بعد اجتماع في مكتب رئيس مجلس النواب نبيه برّي في المصيلح، في حين تكرّر مشهد الإطارات المشتعلة في اكثر من منطقة احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي.
وقال برّي لـ"الجمهورية" إنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تعهّد له أن يتمّ تركيب محوّل بقوة 50 ميغاوات صباح اليوم الإثنين في هذه المحطة، ما أدّى إلى توقف حركة الاحتجاج الشعبية وتمّت إعادة تشغيلها "وإنّنا ننتظر تنفيذ هذا التعهّد غداً (اليوم)".
وقد عكست المواقف الأخيرة للأطراف حدّة التجاذب السياسي في البلاد مع جولة جديدة من المواجهة السياسية الساخنة داخل الصف الحكومي الواحد يتوقع أن تكون أولى ترجماتها بعد غد في جلسة مجلس الوزراء ببنودها الـ123 من بينها البند 72 والمتعلق بعرض وزير العمل شربل نحاس مشروع إقرار سياسة عامة للأجور والضمان الاجتماعي والاستخدام. حيث ستشكل الجلسة الاختبار الأول للحكومة وللتضامن الوزاري بعد قرار رئيسها نجيب ميقاتي الذي قضى بدفع حصّة لبنان من تمويل المحكمة الدولية، وذلك لدى ملامستها عددا من الاستحقاقات المعيشية والاجتماعية.
وأكّدت مصادر "التيار الوطني الحرّ" لـ"الجمهورية" أنّ وزراء "تكتل التغيير والإصلاح" لن يشاركوا في جلسة مجلس الوزراء لأنّ لا شيء جديدا في ما يتعلق بمطالب التكتل. وقالت "إنّ القضية ليست قضية جدول أعمال إنّما طريقة تعامل لم يتّضح حتى الساعة أنّها ستسلك مسلكا آخر".
غير أنّ مصادر وزارية قالت لـ"الجمهورية" إنّ اتصالات تُجرى مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لتأمين حضور وزرائه جلسة مجلس الوزراء لأن لم يعد هناك من مبرّر للمقاطعة، وإذا لم يحضروا فإنّ الجلسة ستعقد بمن حضر لأنّ النصاب متوافر.
وتواجه الانطلاقة الجديدة للحكومة ملفات عديدة وفي مقدّمها ملف الشهود الزور الذي طالب الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله ميقاتي بطرحه وحسمه، إضافة إلى مطالب "التيار الوطني الحرّ" ومسألتي التعيينات القضائية وتصحيح الأجور، وعدد من الملفات الحياتية والمعيشية والاقتصادية.
والى ذلك أكّد برّي لـ"الجمهورية" أمس أنّه بعد أن تمّ تمويل المحكمة الدولية "لم يعد هناك من مناص للجميع من فتح ملف الشهود الزور ومعالجته قضائيا، خصوصاً أنّ المحكمة أكّدت أنّ في إمكان القضاء اللبناني ملاحقة هؤلاء، وإذا كان البعض لا يريد أن يستمع إلى ما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في هذا الصدد، فليستمع إلى المحكمة نفسها".
وإذ قيل له إنّ هذا الملف قد يطاول مسؤولين قضائيين وأمنيين، أكّد برّي أنّ هؤلاء يتمتّعون بحصانات، ولكنّ هناك آخرين ضللوا التحقيق وألحقوا ظلامة بالضباط الأربعة وآخرين، ويجب أن يلاحقوا قضائياً.
لكن برّي شدّد على أنّه قبل فتح ملف الشهود الزور ينبغي الإسراع في تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى حتى يتمّ البتّ بهذا الملف، فإذا تعذّر التوافق على اسم معيّن فلتُطرح كل الأسماء المرشحة لهذا الموقع القضائي على التصويت". ودعا برّي في هذا الصدد "التيار الوطني الحرّ" إلى التشاور مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ليس في شأن هذا الموقع الذي هو من حصّة الطائفة المارونية فقط، وإنّما في غيره من المواقع الإدارية.
وفي هذا السياق تحدّث برّي في ملف التعيينات مشدّدا على وجوب أن تبادر الحكومة إلى إنجازه، وقال: "طالما أنّ هناك آلية وضعت لإجراء التعيينات، وطالما أنّ هناك حفاظا على التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، لم يعد جائزاً للحكومة تأخير هذه التعيينات، وليتمّ التصويت على كلّ اسم مرشح لأيّ موقع إداريّ، وإذا لم ينل هذا المرشح تأييد الأكثرية الوزارية، فليطرح الوزير المعني عندئذ اسما آخر غيره وليس هناك من مشكلة في ذلك". وأشار برّي الى معلومات توافرت لديه عن شغور بآلاف الوظائف في عدد من الوزارات والإدارات العامة ومنها مؤسسة كهرباء لبنان "وينبغي معالجة هذه القضية".
ولوّح برّي للحكومة بسيف المحاسبة، مؤكّدا انه سيبدأ بدعوة مجلس النواب إلى جلسات محاسبة ومساءلة لها، في ضوء جلسة الاستجواب والمساءلة الأخيرة، وقال: "إنّ من أولى أولويّات الحكومة بعد أن تمّ تمويل المحكمة هو ملف النفط، إذ عليها أن تصدر المراسيم التطبيقية لقانون النفط في نهاية الشهر الجاري حسبما تعهّد الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الطاقة جبران باسيل أمام مجلس النواب، ولن اقبل بتأخير يوم واحد، وسنمارس دور المحاسبة والمساءلة في هذا الشأن، وإذا حلّ يوم 1/1/2012 ولم تكن هذه المراسيم قد صدرت سأدعو المجلس الى جلسة لاستجواب الحكومة في هذا الشأن ولن أساير أحدا".
وردّا على سؤال اكّد برّي "أنّ أيّ تلكؤ في إنجاز الملف النفطي سيظهر من يريد إبقاء البلاد غارقة في الديون".
وهل أنّ إقرار تمويل المحكمة سيؤدي إلى تفعيل عمل الحكومة وإنتاجيّتها؟ أجاب برّي: "في الأساس لم يكن لدى الحكومة أيّ عذر لعدم تفعيل عملها وإنتاجيّتها، وسنمارس دورنا الرقابي في هذا المجال، وهناك جلسات أسئلة واستجواب سيعقدها مجلس النواب قريبا ولن نتردّد أبدا في محاسبة الحكومة ورئيسها عن أيّ تقصير".
وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع لـ"الجمهورية" تعليقا على إقفال معمل الزهراني الكهربائي "أن ما حصل جاء ليثبت مجدّدا أن السلطة في لبنان هي خارج الدولة، وأنّ تداعيات هذه المسألة لم تعد تتعلق حصرا بمصادرة القرار اللبناني على المستوى الاستراتيجي وما قد تخلفه هذه المصادرة من أخطار على لبنان، إنما وجود سلطة خارج الدولة بات يعطل حياة المواطنين وينعكس سلبا على معيشتهم واقتصادهم واستقرارهم ويهدد نمط عيشهم، وذلك لسبب بسيط لأن سلطة الأمر الواقع تتصرف تبعا لمصالحها وأهدافها وأولوياتها ومآربها وليس تبعا للدستور والقوانين المرعية الإجراء".
ولاحظ جعجع "أنّ ما حصل في الزهراني يشكل جزءا لا يتجزأ من أحداث متنقلة من لاسا وترشيش إلى العمليات الحربية التي طالت وادي خالد والاختراقات المتكررة للحدود، وصولاً إلى إلغاء الحكومة اللبنانية وجود لبنان على الساحتين العربية والدولية، إذ لا تعير أيّ اهتمام لحدود لبنان الجغرافية السيادية، كما لموقف لبنان السياسي السيادي تبعا لدوره التاريخي ومصالحه، فضلاً عن تحول وزير خارجيتها وزير خارجية سوريا". وأضاف: "أن كل هذه الأحداث تعطي صورة دقيقة جدّا عما آل إليه الواقع اللبناني في ظل هذه الحكومة"، مبديا "استنكاره وأسفه الشديدين للتسوية التي حصلت في معمل الزهراني والتي تمثل خضوعا لشروط أولياء الأمر، أي "حزب الله"، كذلك أسف لـ"تعريض مصالح اللبنانيين لأكثر من 48 ساعة من دون فتح تحقيق أو توقيف أي شخص، بينما إقدام طلاب جامعيين على إطلاق المفرقعات تعبيرا عن فرحتهم بفوزهم في الانتخابات الطالبية وصل إلى حد توقيف اثنين منهم".
ودعا جعجع إلى "إسقاط الحكومة كونها لا تعطي أي اهمية لسيادة لبنان واستقلاله وحرية شعبه، كما لا تعطي أهمية للقمة عيش المواطنين ولا لمستقبلهم الاقتصادي والمعيشي، ومجرد أن تربط مصيرها بمصير "حزب الله" والنظام السوري تكون عنوانا لعدم الاستقرار والثقة، ولذلك دعوت منذ البداية إلى استقالتها، خصوصا أن استمرارها كل لحظة إضافية يشكل خسارة كبرى للبنان وللمواطن اللبناني، وقد أثبتت الأشهر المنصرمة عجزها عن القيام بأيّ عمل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا بل إن أعمالها تضر بلبنان ومصالح اللبنانيين".
وسئل جعجع هل بات إسقاط الحكومة أولوية بعد تحولها "حكومة سوريا ولبنان"؟ فأجاب: "إنّها حكومة سوريا في الأصل والأساس، وحكومة لبنان هامشيّا وثانويّا، لأنّ مصالح لبنان لا تؤخذ في الاعتبار". وتساءل: "أين مصلحة لبنان في مواجهة 19 دولة عربية؟ وأين مصلحة لبنان في أن يتعطل معمل الزهراني وأن يفرض أولياء الأمر خطة على قياس مصالحهم؟". ولفت إلى "أن الشيء الوحيد الذي يعتبر في الاتجاه الصحيح هو تمويل المحكمة الدولية، ولكن بالطريقة التي حصل فيها تمّ إفراغه من مضمونه ومحتواه، لأنه تم تصوير الموافقة على التمويل بأنها نتيجة "العصا التي على رأسهم"، لا قناعة ولا إيمانا بالمحكمة وما تمثله، أي على قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، كما يحاولون مقايضة التمويل بمواضيع جانبية لتفريغ هذا التمويل من أي مضمون". ووصف واقع الأكثرية بأنها "في حال انفصام في الشخصية، أي في حال اعتبارهم التمويل مخالفة كما جاء على لسان أكثر من وزير ومسؤول في هذا الفريق، فلماذا لا يقرنون القول بالفعل ويستقيلون من الحكومة؟"
وتمنى جعجع على رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي "ان لا يرضخا للمقايضة التي وضعها السيد نصرالله وتحديدا في مسألة التعيينات إرضاء لبعض الأطراف، أو في محاولة لإسكاتهم عن "صفقة التمويل"، لأن بذلك تُرتكَب أشنع الجرائم بحق اللبنانيين عبر إجراء تعيينات مخالفة للقوانين وخارج المواصفات والمعايير المطلوبة". 

السابق
الأخبار : توتّر يُهدّد جلسة الأربعاء الحكوميّة
التالي
الحياة : القرارات الاتهامية في اغتيال حاوي ومحاولتي اغتيال حمادة والمر قريبا