الراي: رسالة صاروخية من جنوب لبنان تردّ عليها إسرائيل موْضعياً

مع ان حادث اطلاق صاروخ من جنوب لبنان على شمال اسرائيل فجر امس والرد الاسرائيلي «الموْضعي» طغى على مجريات الازمة السياسية الداخلية التي بات معها مصير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على محكٍ حاسم، فان هذا الحادث لم يثر مخاوف جدية وكبيرة من امكان تدهور الوضع على الحدود اللبنانية الاسرائيلية وأُدرج في اطار رسائل اقليمية عادة ما يكون لبنان ساحتها ومسرحها.
وبغض النظر عن التضارب الذي ساد حول عدد الصواريخ الذي اطلق والذي تفاوت بين رواية لبنانية حصرته بصاروخ واحد ورواية اسرائيلية تحدثت عن اربعة صواريخ، اعتبرت مصادر واسعة الاطلاع ان البعد الاقليمي للحادث بدا اكبر بكثير من اي بعد داخلي مفترض خلافاً لما ذهبت اليه بعض التقديرات التي تحدثت عن ارتباط محتمل للحادث بملامح الازمة الحكومية التي يحاول افرقاء الاكثرية ولا سيما منهم قوى 8 آذار معالجتها قبل اقدام الرئيس نجيب ميقاتي على ترجمة تعهده بالاستقالة في حال تم رفض تمويل المحكمة الدولية.

ولفتت المصادر لـ «الراي» الى ان «تبرئة» «حزب الله» من اطلاق الصواريخ هو من باب تحصيل الحاصل، اذ يستبعد تماماً اي تورط له في الحادث نظراً الى اختلاف تكتيكات الحزب تماماً عن هذا الاسلوب الذي عرفه الجنوب مرات عدة في لحظات ومواقيت غالباً ما تكون مشحونة بغيوم متقلبة. ولكن اللحظة الراهنة في رأي المصادر تسبغ على الحادث «شبهة» تلقائية في ارتباطها بمجموعات فلسطينية او اصولية لا تزال ترسم علامات استفهام واسعة حول ارتباطاتها الاقليمية ومهماتها ووظائفها وتحركاتها في المرحلة المقبلة المطلة على تداعيات الازمة السورية اكثر من اي عامل آخر.
وتشبّه المصادر حادث اطلاق الصواريخ بالاختراقات الامنية التي عرفها لبنان في الاشهر الاولى المواكبة لاندلاع الازمة السورية مثل خطف الرهائن الاستونيين (في مارس الماضي) الذي لم تنجل وقائعه وحقيقته الكاملة حتى الان رغم اعتقال عدد من المتورطين فيه اضافة الى الاعتداء على الوحدتين الايطالية ثم الفرنسية العاملتين في اطار قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان.
ومع انه لا يزال مبكراً الحديث عن امكان تحريك الوضع اللبناني على الحدود مع اسرائيل او في الداخل كاحدى «الاوراق» الاخيرة التي يمتلكها النظام السوري، تقول المصادر ان هذا الحادث بتوقيته الملتبس اثار خشية ومخاوف من احتمالٍ كهذا، وهو امر لا يمكن اسقاطه من الحسابات وخصوصاً ان توقيت الحادث مثير للشبهة كونه يأتي وسط احتدام المواجهة بين النظام السوري والجامعة العربية من جهة والنظام والمجتمع الدولي من جهة اخرى.
واقل ما يوحيه الحادث هو ابراز المخاوف على الاستقرار اللبناني وتفلته من «الضوابط» الذي لا يزال يمسك بتنظيمات فلسطينية وسواها. اما في الحال المعاكسة، اي ان تكون هناك جهات قادرة على اللعب على هامش المواجهة فان شيئاً لا يمنع ان يكون اطلاق الصواريخ محاولة لجسّ نبض القدرة اللبنانية بعامليها الرسمي الذي يمثله الجيش، وقوات «اليونيفيل»، وغير الرسمي الذي يمثلة «حزب الله» على التعامل مع اي «طارئ» محتمل قد يواكب تدهوراً اكبر في مراحل لاحقة. وهو الامر الذي يجعل من هذه الرسالة بمثابة انذار مبكر لزجّ ساحة الجنوب في التداعيات المحتملة للازمة السورية على لبنان عموماً في الاشهر المقبلة.
وكان جنوب لبنان شهد بعيد منتصف ليل الاثنين الثلاثاء إطلاق صاروخ على الاقلّ من خراج بلدة رميش على شمال اسرائيل التي ردّت بقصف مدفعي حيث سقطت اربع قذائف بين رميش وحانين لم تؤد الى اي اصابات في الارواح.
وبعد استنفار الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل»، ووسط الحذر الذي خيّم على غالبية مناطق الجنوب، تم العثور على المنصة التي أُطلق منها الصاروخ في مثلث حنين عين ابل ورميش وقربها بطارية وساعة توقيت، علماً ان تقارير لم تتأكد تحدثت عن منصة ثانية جرى اكتشافها في منطقة غير بعيدة.
وعلى وقع الادانات اللبنانية للعملية، تبنّت كتائب عبدالله عزام قاعدة الجهاد عملية «إطلاق الصواريخ» من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل»، وقالت «ان هذه الصواريخ أصابت أهدافها».

ومعلوم ان هذا التنظيم سبق ان تبنى عمليات إطلاق صواريخ من الجنوب في الاعوام القليلة الماضية الا انه كان يطلق على نفسه «كتائب عبدالله عزام سرايا زياد الجراح»، وهو اللبناني الذي كان بين 19 شخصاً نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001، علماً ان عزام هو مؤسس «الجهاد» في أفغانستان وكان واعظاً وثيق الصلة باسامة بن لادن الزعيم السابق لـ «القاعدة».
وفي بيان لها، اوضحت قيادة الجيش اللبناني مديرية التوجيه انه «عند منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، اقدمت عناصر مجهولة على اطلاق صاروخ من خراج بلدة رميش باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، وقد تبع ذلك اقدام قوات العدو الاسرائيلي على اطلاق 4 قذائف مدفعية سقطت داخل الاراضي اللبنانية بين بلدتي رميش وحانين الحدوديتين من دون وقوع اصابات في الارواح».
واضاف البيان: «على الفور، وضعت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة في حال استنفار، واتخذت تدابير امنية مشددة بما فيها تسيير دوريات مكثفة، كما تولت لجنة عسكرية التحقيق لكشف الجهة التي اطلقت الصاروخ وتوقيف افرادها، والعمل على سد الثغر التي يمكن ان تستغلها اي جهة للقيام باعمال مماثلة، فيما تجري متابعة الوضع بالتنسيق مع قوات الامم المتحدة الموقتة في لبنان».
من جهتها، اعلنت قوة «اليونيفيل» في بيان لها عن «إطلاق صاروخ واحد على الأقل على إسرائيل بعد وقت قصير من منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء من خراج منطقة رميش في جنوب لبنان. وقد أبلغت السلطات الإسرائيلية اليونيفيل أن عدداً من الصواريخ سقطت داخل شمال إسرائيل. وقد رد الجيش الإسرائيلي بإطلاق نيران المدفعية نحو المكان الذي لنطلقت منه الصواريخ».

وأجرى القائد العام لليونيفيل اللواء ألبيرتو أسارتا اتصالات وثيقة مع الأطراف، داعياً إلى «أقصى درجات ضبط النفس من أجل منع أي تصعيد للوضع». وقال: «هذا حادث خطير وهو انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، ويهدف بوضوح إلى تقويض الاستقرار في المنطقة، من الضروري تحديد مرتكبي هذا الهجوم وإلقاء القبض عليهم، ونحن لن ندخر جهداً لتحقيق هذه الغاية بالتعاون مع القوات المسلحة اللبنانية، وقد تم نشر قوات إضافية على الأرض، وكثفت الدوريات في جميع أنحاء منطقة عملياتنا لمنع أي حوادث أخرى».
وفي موازاة التقارير التي تحدثت عن ان موظفي الـ «يونيفيل» المدنيين في الناقورة توقفوا عن العمل بعدما طلبت قيادة القوة الدولية منهم عدم التوجه الى عملهم بواسطة رسائل قصيرة على الهاتف، اشار نائب وزير الخارجية الاسرائيلي داني أيالون الى أن إسرائيل «تنظر ببالغ الخطورة الى إطلاق صواريخ «كاتيوشا» من الأراضي اللبنانية بإتجاه الجليل الغربي».
واعتبر أيالون «أن هذا الاعتداء يدل على عدم المسؤولية لا سيما وان إطلاق الصواريخ يعرض سكان جنوب لبنان للخطر».

وكان الجيش الاسرائيلي اعلن ان 3 صواريخ تم اطلاقها من جنوب لبنان سقطت في شمال اسرائيل وانفجر اثنان منها في الجليل الغربي فيما لم ينفجر الثالث، معرباً عن اعتقاده ان صاروخاً رابعاً سقط من دون ان ينفجر ايضاً ويجري البحث عن موقعه.
في هذه الاثناء، استنكر لبنان الرسمي اطلاق الصواريخ من الجنوب، اذ اعلن رئيس الجمهورية ميشال سليمان ان الحادث «الذي حصل بشكل فردي لا يصب في خدمة التضامن مع الشعب الفلسطيني، فضلا عن انه يعتبر خرقا لحال الاستقرار السائدة في الجنوب وللقرار 1701 وللقوانين اللبنانية وللالتزامات الدولية التي تشكل ثوابت سياسة لبنان الخارجية وعلاقاته مع المجتمع الدولي وفي الطليعة مع الامم المتحدة».
بدوره، أعرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن اسفه لما حصل في الجنوب، متمنياً أن تكون الحادثة «عابرة»، ومشيراً الى أن «الجيش اللبناني يتابع موضوع اطلاق الصواريخ من الجنوب ونحن على اتصال معه».  

السابق
استقالة ميقاتي ومثلث الأضلع
التالي
العقوبات الاقتصادية على سوريا: أين يربح لبنان وأين يخسر ؟