الانتصار الثاني للثورة المصرية

نجحت مليونية ميدان التحرير التي دعا اليها شباب الثورة امس في دفع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر الى التجاوب مع معظم مطالب المحتجين، حيث اعلن المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس في كلمته التي ادلى بها امس عن قبول استقالة حكومة عصام شرف، وتحديد موعد لانتخابات رئاسية قبل شهر حزيران (يونيو) المقبل، واعادة هيكلة جهاز الشرطة، وتشكيل حكومة انقاذ وطني تتمتع بصلاحيات.

هذه التنازلات ما كان لها ان تأتي لولا نزول ما يقرب من مليون مواطن في ميدان التحرير يرفعون شعارات تطالب برحيل المجلس العسكري فورا، واستلام سلطة وطنية لادارة البلاد دون ابطاء.
التيار الاسلامي الذي قاطع هذه المظاهرات المليونية اخطأ في الحسابات مرة اخرى، عندما اعتقد ان شباب الثورة لن يكون قادرا على حشد هذا العدد الكبير بالقياس الى مظاهرات مليونية دعا اليها سابقا وكانت اعداد المشاركين فيها بضعة آلاف.
اهمية هذه التنازلات التي ردت الاعتبار الى الثورة المصرية وشبابها انها جاءت قبل حوالي اسبوع من الانتخابات البرلمانية التي اكد المشير طنطاوي انها ستعقد في موعدها، ولذلك اعطت، اي التنازلات والمظاهرات المليونية، دفعا كبيرا للتيارات الليبرالية، من خلال توفير دعاية انتخابية مجانية عالية التأثير، وفي الوقت المناسب تماما. ولا بد من التأكيد ان التيار الاسلامي، بشقيه الاخواني والسلفي، كان هو صاحب المبادرة، مثلما كان صاحب الفضل في ممارسة الضغوط على المجلس العسكري، وارغامه على اعادة النظر في مواقفه عندما اطلق شرارة الصدام معه بمظاهرة مليونية ضخمة يوم الجمعة الماضي، احتجاجا على وثيقة الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء التي اعطت المجلس صلاحيات كبيرة في تحديد ميزانيته، واستمراره في الحكم حتى بعد الانتخابات البرلمانية بطريقة غير مباشرة، باعتباره مرجعية اساسية، وبقائه دولة فوق الدولة وليس قول الكلمة الفصل حول كيفية ادارة شؤونها.
بيان المشير طنطاوي على اهميته، والتنازلات التي وردت فيه لم يكن مقنعا للغالبية من المتظاهرين في ميدان التحرير، فالبيان في رأيهم جاء متأخرا، ولم يقدم اعتذارا صريحا للشهداء الذين سقطوا برصاص الجيش والامن وجرى رمي جثثهم قرب صفائح القمامة، والاهم من ذلك ان المجلس اشتراط تسليمه للسلطة والعودة الى الثكنات باجراء استفتاء عام للشعب.

وتظل صلاحيات حكومة الانقاذ الجديدة التي من المفترض ان تتولى قيادة المرحلة الانتقالية موضع العديد من علامات الاستفهام، فالسؤال الذي يتردد بقوة حاليا هو حول مدى حجم هذه الصلاحيات، ومدى حرية رئيسها في اتخاذ القرارات واختيار الوزراء دون اي تدخلات من المجلس العسكري.
حكومة الدكتور شرف المقالة عانت من غياب الحرية والقرار المستقل في ادارة شؤون البلاد، ولهذا يتخوف الكثيرون من ان يتكرر المشهد في حال تعيين حكومة الانقاذ المرتقبة خاصة ان المشاورات حولها جرت مع قيادات سياسية وحزبية نخبوية لها تمثيل محدود في اوساط شباب ميدان التحرير.

المجلس العسكري الحاكم في مصر لم ينجح بادارة الفترة الانتقالية بالصورة التي تتمناها غالبية الشعب المصري، وارتكب الجريمة الكبرى عندما سمح باطلاق النار على المعتصمين في ميدان التحرير مكررا الخطيئة الكبرى التي ادت الى اشعال نار الثورة وانتهت بانهاء حكم الرئيس حسني مبارك. فسفك دماء المصريين خط احمر في جميع الاوقات والاحوال محرم اختراقه من اي نظام حكم عسكريا كان او مدنيا.
ما قاله المشير طنطاوي عن تعرض القوات المسلحة لحملات تخوين وتشويه صحيح، ولكن الصحيح ايضا ان المجلس العسكري ساهم بتوفير الذخيرة لهذه الحملات عندما تمسك بالسلطة، وتمسك بالغموض حول موعد تخليه عنها، بل اوحى ان هذا التخلي لن يكون نهائيا.
الشعب المصري قال كلمته بصوت عال عندما طالب برحيل المجلس العسكري وتسليم السلطة الى هيئة مدنية، وسيكون من الصعب عليه ان يتوقف عن الاعتصامات طالما ان هذا المطلب لم يتحقق بالكامل، خاصة بعد مجزرة ميدان التحرير الاخيرة. 

السابق
في ضرب المخابرات السورية تفكيك للنظام؟
التالي
عاصمة الجنوب احتضنت شبابه للاحتفال بعيد الاستقلال