كيف ينظر الشباب اللبناني إلى الإستقلال في ذكراه؟

 محمد جابر قبل 68 عاماً من اليوم، بدأ تاريخ 22 تشرين الثاني يشكّل محطة أساسية وعيد وطني لكل مواطن لبناني، عايش الجيل القديم من هذا التاريخ معان كثيرة، اختصرتها معاناة سبقت الولادة العسيرة، لذلك الذي سُمي يومها <استقلال>·
مرت السنوات، تطورت الأحداث، شهدت البلاد حروبا طائفية، وتغيّرات ديمغرافية، وظل هذا التاريخ محطة لا تنسى ومدخلا للشعور بالإنتماء الوطني، وبالنسبة الى الجيل الجديد والذي ولد من رحم حروب الكبار اختلفت المعادلة كليا، فما عرفوه عن الإستقلال هو تلك الأحداث التي توالت، وأثمرت عن مغادرة الفرنسي أرض الوطن·

اللحظة التاريخية التي ولد فيها استقلالنا، لم تدم طويلا إذ ان كل شيء قد تغيّر، وبسحر ساحر انتقلنا من وطن يعيش استقلال، الى وطن تكثر فيه الأحداث، فبدا وكأن الزمن فرط بكل ما حصل من انجازات·

قلة من الشباب تعترف انها تعيش معاني الإستقلال، البعض يعشق يوم 22 تشرين الثاني، لأنه يوم الراحة من المدرسة والجامعة، والبعض الآخر يستمتع بذاك العرض العسكري الذي يعطي صورة عن قدرات جيش الوطن، البعض يناقش ويحلل وينظّر، ليصل الى خلاصة بأن لا استقلال لدينا، وبأن ما نعيشه هو <وهم وطني>، وقلة من الشباب تعيش معاني الإستقلال في يوم الإستقلال·

فالشباب المختبئون دوما، وراء متاريس الطوائف والنزعات المذهبية والمناطقية والفئوية، يحاولون الإطلال باتجاه رحاب الوطن الحقيقي، في 22 تشرين الثاني، ولكن يبقى السؤال ماذا يعني يوم الإستقلال بالنسبة لشباب اليوم، هل تستهويهم هذه الكلمة، هل يعيشونه، وما الذي ينقصنا لنعيش معانيه؟! الأسئلة كثيرة ولكن الواقع واحد: شباب ضائع في البحث عن استقلال ضائع·

بكل براءة أجابت ستيفاني أبي انطون عن رأيها بلإستقلال، بأنه <عيد حلو وما بو شي، فرصة لإلنا حتى نعطل>، وتابعت كل اللبنانيين لا يعترفون بالإستقلال ولا يعيشونه، ويراهنون على الخارج وتابعون له، وحتى المنتخب اللبناني الذي هزم كوريا الجنوبية يدربه أجنبي، مؤكدة ان الإستقلال هو مجرد كلمة نعيشها، وحينما يكون ولاء المواطن لوطنه وليس للخارج نصبح مستقلين· وإذا ظلينا على نفس الحالة، فإن الإستقلال سيبقى مجرد فرصة ومهرجان واحتفال·

وشدد بلال صفا على ان المقاومة عنصر من عناصر تكريس الإستقلال من خلال نشرها للسيادة ومساعدتها في تحرير الوطن، والتحدي الكبير الذي يواجه الجيش والشعب والمقاومة، هو في مواجهة التحديات وتقديم التضحيات والدماء لأجل الحرية والإستقلال، مشيرا الى ان وجود وطن محكوم بوحدة أهلية، وذي سيادة على أرضه ومؤسساته هو احدى مقومات الإستقلال·

ولفت بلال الى انه في ظل وجود سياسات هدفها اضطهاد شعوبها وسلب حرياتها تجعل الوطن عرضة للإستعمار على شتى أنواعه المباشر وغير المباشر، كما نرى في العديد من الدول التي تخوض ثورات ضد انظمتها، مؤكدا ان المطالب الشعبية والثورات تؤكد وجود انظمة غير مستقلة·

واعتبرت شيرين رمضان، اننا استقلينا عن الدول الخارجية، ولكن داخليا الحكم الموجود والحياة السياسية جعلت هذا اليوم مثله مثل أي يوم آخر، مشيرة الى انه حينما يصبح عندنا دولة تحترم شعبها وتحافظ على سيادتها يصبح لدينا وطن حقيقي ومستقل، أما اليوم فلا نشعر بوجود الإستقلال ولا نعيش معانيه·

وأشارت رشا حامد الى ان الإستقلال تاريخ مميّز حفر في أذهان اللبنانيين، انه يوم جلاء القوات الفرنسية عنا ولكن الحقيقة لا تلامس الواقع لأننا لم نبلغ مرحلة الإستقلال بشكل جدي، مؤكدة ان الإستقلال الحقيقي يكون أولا عندما يحظى لبنان بفرصة لاتخاذ قراراته، والتعبير عن حقوقه وتحقيق أهدافه وطموحاته، بعيدا عن الإملاءات الخارجية التي تأتي من هنا وهناك·

ولفتت رشا الى انه حينما يتم تحرير كل أراضي لبنان وترسيم كل حدوده عندها يكون هناك دولة قوية ومستقلة سياسيا وماليا تصون المجتمع وتسهر على تقدمه، وعندما لا يقع فريسة دولة تتخبط بإنقساماتها، خاتمة إذا لم تتوفر كل هذه النقاط يصبح استقلالا وهميا·

وتحدثت سارة الشامي عن انه يعود الإستقلال في وقت يعيش وطننا أزمات تتفاقم يوما بعد يوم، وإذا كانت معاني الإستقلال الحقيقي يبدأ بإنتزاع حرية الإرادة الوطنية من براثن السيطرة الأجنبية، والتسلط الخارجي، فإن الواقع يشير الى عكس ذلك، بيد انه بعد أكثر من ستة عقود انقضت على الإستقلال عجزت القوى الحاكمة التي توالت على السلطة في لبنان، من تحقيق جوهر الإستقلال، كما أهدرت تضحيات الشعب، وفرطت بالإستقلال والسيادة·

وشددت على ضرورة وجود عدة ركائز للإستقلال ليكون ناجزا وغير منقوص، سيادة الدولة وقرارها الحر، والوقوف سدا منيعا بوجه الفتن والمؤامرات والتعالي عن الحسابات الطائفية والمصالح الضيقة والتمسك بالوحدة الوطنية لأن هذه الوحدة تشكل خلاصا للوطن·

شربل صايغ يعتمد في تحليله للإستقلال عن ما يسمعه من أجداده وآبائه، وما قرأه في كتب التاريخ، فوجد ان الإستقلال في لحظته كان انجازا للبنانيين ولكننا لم نتمكن من المحافظة عليه بسبب ولائنا لطوائفنا، وعدم إيماننا بفكرة الدولة والوطن·

وأكثر ما يلفت شربل في عيد الإستقلال، قصة قلعة راشيا والتضحيات التي قدّمها اللبنانيون في سبيل تكريس استقلاله، حيث ظلت فرنسا تحاول فرض إرادتها ولولا تماسك اللبنانيون لكانت فرنسا استمرت حتى اليوم في لبنان ولما عشنا استقلال تلك اللحظة·

ينطلق فادي رومانوس من الإستقلال السابق، ليدعو كل اللبنانيين الى صياغة استقلال جديد، من خلال وضع ميثاق يعالج كل الأحداث والإشكاليات التي عشناها في الماضي اللبناني الصعب، مشددا عن ان الإستقلال لا يعني خروج دولة من أرض دولة، وخصوصا ان مفهوم الإنتداب والإستعمار تغيّر اليوم، وبات غزو دولة معينة مرتبط بالمفاهيم الثقافية وبوسائل الإعلام والتقنيات الحديثة التي تستطيع اجتياح اي دولة عبر الفضائيات والأقمار الصناعية·

ويدعو رومانوس اللبنانيين الى تحصين استقلالهم، والعمل على جعله ناجزا وكاملا من خلال التوحد حول مفهوم الدولة، التي يمكن لها أن تحاكي أوجاع الفئات المختلفة، مؤكدا ان اللبنانيين موحدون وينقصهم وضع الهدف أمامهم، مذكرا كيف كانو في الأمس ملتفين حول منتخبهم الوطني الذي فاز على كوريا الجنوبية وكيف اثبتنا اننا شعب واحد·

لا تجد نهى عطية ان لبنان بلد مستقل، بل ان كل ما نعيشه سببه اننا تابعون في السياسة الى المحاور الخارجية التي تجعل وطننا عرضة دائما للإزمات المختلفة، وكي نستقل فإننا بحاجة الى صياغة واقع جديد، مشددة على ان ما يجري في مناسبة الإستقلال في لبنان بات أشبه بإستعراض لشيء غير موجود، وعلينا أن نتعاطى مع الأمر بطريقة مختلفة، فالإستقلال لم يعد خروجا للجيوش بل هو شعور بعدم الإنتماء لأي دولة خارجية·

وتنتقل نهى الى الإطار الثقافي لتلفت الى ان غزو المسلسلات التركية والمكسيكية والبرازيلية المدبلجة، هو نوع من الغزو الثقافي الذي يؤكد ان الإستقلال يمكن أن ينتهك من خلال شاشة التلفاز، لافتة الى ان الكثير من العادات الغربية والأفكار الغريبة بدأت تدخل مجتمعنا بشكل كبير ومنها مثلا انتشار عبدة الشيطان بين شبابنا·

أما حلمي حشيشو فأمل أن يتحقق الإستقلال قريبا الا ان الأجواء السياسية حاليا في البلد لا توحي بإمكانية حصول ذلك أما ما نعيشه اليوم فهو مجرد محاولات خجولة لصنع دولة تصطدم دوما بجدار الطائفية الصلب في هذا البلد والذي يمنع إمكانية حصول تقدم·

ولفت حلمي الى ان تحقيق الإستقلال يحتاج الى إرادة صلبة وقوية لدى أبناء الوطن الواحد، من أجل بناء دولة تجمع كل التناقضات، وتجعل المجتمع أكثر انفتاحا وقبولا بالآخر، وما يعيق هذا الأمر في لبنان هو التناقضات الطائفية، التي لا يمكن تخطيها الا بدولة قوية تشكل نموذجا للجميع·

لا تذكر سعاد فروخ من الإستقلال الا ما قرأت عنه في كتب التاريخ أيام المدرسة، أما ما تعيشه اليوم فهو بعيد كليا عن الذي ذكر

· تشيد سعاد بما فعله الأجداد، الا انها تستدرك بأن الذي حصل يومها لم يعد موجودا اليوم، وترفض الدخول بتفاصيل من المسؤول لأن الجميع، وحسب سعاد، مسؤولون عن ما وصلنا إليه اليوم·

وأكثر ما يلفت نظر سعاد في يوم الإستقلال هو العرض العسكري، واجتماع كل الطبقة السياسية كي تهنىء بعضها، في محطة إستراحة قبل الدخول في جولة جديدة من خلافاتها اليومية، وتتمنى سعاد لو أن السياسيين يعتبرون ان كل يوم هو يوم استقلال ويتوقفون عن كل خلافاتهم وعندها ستكون بداية تكريس الإستقلال· يحق للشباب اللبناني في ذكرى الإستقلال أن يتسائل <أين هو؟>، فكل ما يحيط من حوله يوحي بالقلق، الوطن لا زال باحثا عن إستقلال آخر في خضم التجارب العربية، الدولة موجودة وغير موجودة في آن معا، والإنسان اللبناني لا زال يعيش مرحلة اللااستقرار واللاازدهار واللاحوار، ينام على أزمة ويستيقظ على أخرى، كل ما في المشهد العام يوحي بأن المزيد من الأزمات قادمة·
22 تشرين التاني قبل 68 عاما دغدغ مشاعر شبابه حين شعروا انهم خرجوا من قمقم الإستعمار الفرنسي، فطووا صفحة من زمانهم ليستقبلوا صفحات أخرى، صنعوا ميثاقا وطنيا قائما على صنع سلطة جديدة، لوطن أسمه لبنان لم يعرف معاني الإستقرار طيلة سنوات مضت، مرت السنوات فوقع اللبناني بالمحظور حروب وتقاتل وأزمات واندحار لقيم، جعلت استقلالهم في مهب الريح·

واليوم وبعد 68 عاما يجد الشباب أنفسهم بحالة البحث عن إستقلال حقيقي، ولكن ليس على طريقة الآباء والأجداد، الذين تبادلوا المجاملات، والشعارات الفارغة على حساب حقيقة ما يريدونه من وطنهم، كان الإستقلال يومها تعبيرا عن <لحظة زمنية>، لم يدركوا يومها ان الوصول للقمة لا يساوي شيئا، إذا لم نتمكن من البقاء عليها، فوقع المحظور وقضت الحروب الطائفية والزعامات المزيفة، والولاء الأعمى للأجنبي على حساب الوطن·

سنوات مرت ونحن نحتفل بذكرى الإستقلال، نتمتع بمشاهدة العرض العسكري، واستقبال الرؤساء الثلاثة للمهنئين، نخلد للراحة في منازلنا من عناء العمل، ونطرح الإسئلة المشروعة على أنفسنا، نعود بالذاكرة الى كتب التاريخ، حيث انجازات سياسيينا من زمن الماضي واخراجهم الفرنسي، كي نعزي أنفسنا بما نحن عليه اليوم، نقارن بما كانت عليه السياسة بالأمس وبما هي عليه اليوم، فندرك سريعا ما الذي جعل استقلالنا في مهب الريح·

22 تشرين الثاني، أهلا وسهلا نحتاجك في كل يوم وكل لحظة من حياتنا، لنتذكر دوما تاريخ الماضي، ورغم أننا نعيش أزمات ومشاكل وهموم، ولكن يبقى أملنا بأن الوطن سيتخطى كل صعابه ويأتي الإستقلال الحقيقي الذي ينقل الوطن بإتجاه آخر، ومكان آخر، فيكون لشبابه شغف الإحتفال بالإستقلال الحقيقي، لا العيش على أمجاد الماضي وحكايات الأجداد·

السابق
اجتماعات لميقاتي مع “حزب الله” و”أمل” و”التغييروالاصلاح”
التالي
إستعادة السلاح المفقود في عين الحلوة