لا مصلحة لحزب الله في حرب داخلية؟

يحتفل اللبنانيون غداً بعيد الاستقلال وسط أجواء ملبدة بمشاعر القلق والتوتر، نتيجة استفحال الانقسامات الداخلية من جهة، والحذر من تداعيات الأحداث السورية على الوضع اللبناني، من جهة ثانية·
وتفاقمت موجة الخوف عند اللبنانيين في الأسبوعين الماضيين، بعد سماعهم تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه برّي المنذرة بحرب داخلية في لبنان، في حال تصاعد الأزمة السورية، وحصول تدخل أجنبي في سوريا، وذلك من دون أن يوضح رئيس حركة <أمل> حيثيات العلاقة بين عودة الحرب إلى لبنان، واستمرار الأزمة في سوريا!·

فهل يقف لبنان على عتبة حرب جديدة عشية عيد الاستقلال الثامن والستين؟·

على الرغم من تميّز وطن الأرز بنظامه السياسي القائم على الديمقراطية والحرية، وإفساح المجال للتعددية السياسية والثقافية، واحترام مبدأ تداول السلطة، وسط منظومة عربية من الأنظمة الشمولية والوراثية، إلا أن لبنان بقي أقل الدول استقراراً في المنطقة، بسبب التناحرات الطائفية الداخلية، التي استدرجت تدخلات خارجية، من كل حدب وصوب، من الشقيق كما من الصديق، والتي نجحت في تحويل الوطن الصغير إلى ساحة لتصفية حساباتها، إن لم نقل إنها جعلت منه الجبهة المفتوحة دائماً، لخوض معاركها، على حساب أمن واستقرار وازدهار هذا الشعب المسكين·

وفي إطلالة سريعة على تجارب عهود الاستقلال، منذ الرئيس بشارة الخوري حتى عهد الرئيس ميشال سليمان، يتبين للقاصي والداني بكل وضوح، أن الانقسام كان سمة المجتمع السياسي اللبناني منذ ما قبل الاستقلال، خاصة عندما تكون المسألة ذات طابع عربي، أو لها علاقة بدولة عربية كبرى·

والشواهد التاريخية كثيرة، لعل أبرزها المحطات التالية:

 الانقسام اللبناني في أواسط الخمسينات حول حلف بغداد، وتصدّي المعارضة اللبنانية، التي جمعت يومها كل الأطياف الوطنية والطائفية، لمحاولة الرئيس كميل شمعون ربط لبنان بحلف بغداد، والوقوف في الصف المعادي للمدّ الناصري الذي أطلقه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر·

بروز الانقسام اللبناني مرّة أخرى حول دولة الوحدة التي جمعت مصر وسوريا في عام 1958، واتخذ ذلك الانقسام طابعاً طائفياً حيث وقف المسلمون وبعض القيادات المسيحية التقدمية إلى جانب الوحدة، التي عارضتها القيادات المسيحية المحافظة·

 وتجدّد الانقسام اللبناني في الستينات بعد ظهور المقاومة الفلسطينية اثر هزيمة حزيران 67، وأيضاً على قاعدة الفرز الطائفي:

المسلمون ناصروا المقاومة الفلسطينية وتحمسوا لفتح الحدود اللبنانية أمامها، في حين عارض المسيحيون الوجود المسلح الفلسطيني، واعتبروه انتهاكاً لسلطة الدولة وسيادتها·

 
 وكذلك كان الحال بالنسبة للدخول السوري إلى لبنان، الذي مرّ بعدة فترات، تبادل خلالها اللبنانيون مواقع التأييد والاعتراض على إيقاع الاختلافات اللبنانية الطارئة مع القيادة السورية·

بدأ التدخل السوري العسكري عام 1976 بتأييد وبطلب من القيادات المسيحية، وسط معارضة القيادات الإسلامية والفلسطينية، ثم سرعان ما حصل تبدّل في المواقع حتى عشية الخروج السوري من لبنان عام 2005·

مشهدية الانقسام ما زالت تتحكم بحركة المسرح السياسي اللبناني اليوم، على خلفية مَن مِن الأطراف السياسية اللبنانية مع النظام السوري، ومع إبقاء السلاح بيد <حزب الله> من جهة، ومَن هو مع الانتفاضة الشعبية في سوريا، وضد بقاء السلاح خارج سلطة الدولة·

هذا الانقسام الذي يمكن اختصاره بين فريقي 8 و14 آذار، هل يُهدّد بعودة الحرب الداخلية إلى لبنان؟·

اللافت أن الحديث عن الحرب، والتهديد بالويل والثبور، يصدر عن أطراف في 8 آذار، وهي التي تمتلك من السلاح والتنظيم والإمكانات، ما يمكنها من السيطرة على الوضع السياسي من دون الاضطرار للجوء إلى <الحرب الداخلية>، على اعتبار أن الأطراف الأخرى في جبهة 14 آذار، لا تملك السلاح ولا التنظيم العسكري، ولا حتى الإمكانات المالية، التي تمكنها من مجرّد التفكير باللجوء إلى الحرب في الداخل·

الأمر الذي يقودنا إلى نتيجة منطقية، لا لبس فيها ولا غموض: الحرب الداخلية مسألة مستبعدة لانتفاء وجود <الطرف الآخر> في حال قرّر <حزب الله> استخدام سلاحه، كردة فعل لإحكام سيطرته على الوضع الداخلي، إذا سقط النظام في سوريا·

يضاف إلى ذلك، أن <حزب الله> هو الذي يدير في هذه المرحلة، الحركة السياسية في لبنان، سواء عبر الحكومة الحالية، أو من خلال نفوذه على الحلفاء وبعض مراكز القرار في السلطة، وبالتالي لا مصلحة له، أو هكذا يُفترض منطقياً على الأقل، بالانزلاق إلى حرب داخلية قد تؤدي إلى فقدان مكاسبه السياسية الحالية، فضلاً عن خسارة مواقع مؤثرة في صناعة القرار اللبناني·

طبعاً، هذا الكلام لا يعني وجود ضمانات لبقاء لبنان بعيداً عن ارتدادات الزلزال السوري، ولكن ثمة فرق شاسع بين التهويل بالحرب الداخلية، والاستعداد لاستيعاب تداعيات الأحداث السورية، بما يؤدي إلى تخفيف الخسائر اللبنانية، الوطنية والسياسية، وحتى الاقتصادية، من انعكاسات الأزمة السورية، التي يبدو أن فترة مخاضها ستطول أكثر مما يتوقع كثيرون·

وعملية الاستيعاب مسؤولية وطنية بامتياز، وعلى <حزب الله> أن يكون المبادر الأوّل في طرح خطوات تخفف من الانقسام الحالي، وتساعد على تنفيس الاحتقان الداخلي، وتعتمد خطاباً أكثر هدوءاً وأكثر تواضعاً وانفتاحاً تجاه الشركاء الآخرين في الوطن· 

السابق
اللواء: الأسد: لن نرضخ وسنقاتل والمعلِّم: بروتوكول الجامعة إذعان ويمهّد لتدخّل دولي
التالي
استقلال الطوائف لا استقلال لبنان