الراي: الاضطراب السياسي يفاقم الإرباك المالي للحكومة

تداوي الحكومة اللبنانية مأزقها الناجم عن وقوفها «الاضطراري» إلى جانب النظام السوري وادارة ظهرها للاجماع العربي، وعن «الحرب الباردة» بين مكوناتها حيال تمويل المحكمة الدولية، بالهروب إلى ملفات من النوع الذي يضمن «تقطيع الوقت» ليس إلا.
وبدا نافراً انعقاد جلستين لمجلس الوزراء خلال هذا الاسبوع، الاهم على جدول اعمالهما مناقشة قانون الانتخاب ومد شبكة التوتر العالي في احدى المناطق، في الوقت الذي تنشغل المنطقة ومعها العالم بمصير الازمة اللاهبة في سورية، والتي سيكون لبنان «المختبر» الاكثر حساسية لنتائجها.
والثابت في حمأة التحولات الكبرى ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحاول «شراء الوقت» عبر تجنب مقاربة «شظايا» الازمة السورية من جهة وتأجيل مناقشة القضايا الخلافية كتمويل المحكمة الدولية من جهة اخرى، في محاولة لإبعاد شبح تصدعها وتطويل عمرها.
وأعربت مصادر سياسية واسعة الاطلاع امس لـ «الراي» عن اعتقادها ان الوضع الحكومي في لبنان ليس مقبلاً على استحقاق جدي وشيك من شأنه ان يضع مصير الحكومة على محك الاستمرار ولكن ذلك لا يعني ان وضع الحكومة سيبقى في منأى عن اضطرابات متوالية يجعلها اقرب إلى المرحلة التي سادت وضع حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة في الاشهر الاخيرة من عمرها.
وكانت المصادر تشير بذلك إلى حالة تفكك ظاهرة بدأت تتصاعد على السطح مع المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل يومين وزير الاشغال العامة غازي العريضي (من فريق النائب وليد جنبلاط) وحمل فيه بشدة على وزارة المال بسبب تجميد تحويل سلفات مالية إلى وزارته لتنفيذ مشاريع، في حين ان المصادر رأت في تعليق العريضي حضوره لجلسات مجلس الوزراء منذ اسابيع نذر انكشاف لحالة الشح المالي التي تعاني منها الحكومة.
وأشارت المصادر إلى ان الازمة تعود اصلاً إلى تعثر اتجاه الحكومة إلى اقرار مشروع الانفاق المالي من خارج القاعدة الاثني عشرية الذي لم يقر بعد والبالغة قيمته 8700 مليار ليرة، اي نحو 6 مليارات دولار، في حين ان مشروع الموازنة لسنة 2012 لم يناقش ولم يقر بدوره، وهما امران يسمحان بالاعتقاد ان الحكومة مقبلة على استحقاق مالي اضافي من شأنه ان يضاعف المتاعب التي تواجهها إلى الاستحقاقات السياسية والامنية الاخرى.
ولفتت المصادر نفسها في هذا المجال إلى ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدا صارماً في اتباع سياسة الاكتفاء بالاتفاق الضروري من دون توسعته وحصره بالنفقات التشغيلية الضرورية، الامر الذي يعني ان القوى السياسية المختلفة ستجد صعوبة في فرض اولويات تعنى بها كل منها في اطار الوزارات التي تتولاها، علماً ان هذا الامر يكتسب اهميته مع طموحات هذه القوى إلى توظيف وجودها في الحكومة للتهيئة للانتخابات النيابية المقبلة سنة 2013. واذا كان بعض التقارير شبّه هذا الواقع الناشئ عن ازمة وزارة الاشغال بالازمة التي افتعلها زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون حول خطة الكهرباء قبل اكثر من شهرين، فان المصادر تلفت إلى ان الحكومة بلغت الآن مرحلة لم تعد قادرة معها على التسامح في الانفاق بما يعني ان الفترة المقبلة ستحفل بهذا النوع من المشاكل الوزارية على طريقة «القلّة تولّد النقار».
ويضاف إلى ذلك ان المناخ السياسي العام لاسيما في ظل ما تتعرض له الحكومة من انتقادات واسعة لجهة موقفها من قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سورية في الجامعة، كشف مدى هشاشة التماسك الحكومي وضعفه، كما ان مسألة تمويل المحكمة الدولية ستبقى السيف المصلت إلى هذا التماسك وسط التناقضات الواسعة التي تسود الوضع الحكومي وتدفع بالرئيس ميقاتي إلى التأجيل المتواصل لهذا الاستحقاق كسبيل وحيد إلى تجنب وضع حكومته على محك حاسم خطير يتهدد استمراره واستمرار الحكومة.
وتضيف المصادر ان ليس هناك اوهاماً حيال استمرار الحكومة في هذه الآونة ما دام الوضع قابلاً لتمرير معالجات ظرفية وتسويات معينة، ولكن ربما تكون الفترة التي تعقب نهاية السنة وبداية السنة الجديدة محفوفة بالكثير من الاستحقاقات الداهمة التي تراكمت تباعاً وعندها تبدأ المرحلة الحاسمة لتقرير مصير الحكومة وطبيعة المسار الذي سيضع لبنان برمته امام منقلب مختلف.
في موازاة ذلك، وفي حين يتحضّر رئيس الحكومة لزيارة الفاتيكان في 28 الجاري حيث سيلتقي البابا بينيديكيتوس السادس عشر، تتجه الانظار إلى المهرجان الذي يقيمه «تيار المستقبل» عشية هذه المحطة اي في 27 نوفمبر في طرابلس، مسقط ميقاتي و«الخزان» الشعبي للرئيس سعد الحريري.
ويقيم «المستقبل» مهرجانه لمناسبة عيد الاستقلال (موعده في 22 الجاري) في معرض رشيد كرامي الدولي الذي كان احتضن في مارس الماضي مهرجاناً حاشداً شارك فيه الحريري شخصياً، قبل ان يغادر لبنان.
وفي 28 الجاري، سيطلّ زعيم «المستقبل» على مناصريه عبر شاشة عملاقة، من مكان إقامته في السعودية على أن تتخلل المهرجان الطرابلسي كلمات اخرى تَردد ان بينها واحدة لرئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة، والنائب سمير الجسر وممثل للأمانة العامة لقوى 14 آذار.
ويذكر ان الحريري كان اكتفى ليل اول من امس بالاطلالة على مناصريه عبر موقع «تويتر» معلناً في «تغريدات» معدودة «نعم نحن منقسمون في لبنان ليس على عدونا المشترك ولكن على طريقتنا في الحياة وأنا لن اتقبل رأيا ان لم اكن مقتنعاً»، لافتاً إلى انه «يقال ان العماد عون يكره «تويتر» بسبب لونه الازرق» (في اشارة غير مباشرة إلى الشعار الأزرق لتيار المستقبل).  

السابق
نقابة المحامين: التفجير في صور محاولة للاساءة إلى صورة العيش المشترك
التالي
دخول دورية إسرائيلية إلى الشطر اللبناني من الغجر