خطر حقيقي على الديمقراطية

الديمقراطية الليبرالية في اسرائيل على شفا هاوية. ان الازمة الاقتصادية العالمية تضعضع الديمقراطيات الغربية وتؤدي الى قوة احزاب اليمين القومانية والغوغائية. وبإزاء سيطرة وبهلوانية زعماء يتخذون قرارات على أساس صوت الجمهور لا صوت المنطق – يجب علينا أن نهب. هذه هي الطريقة التي سلك بحسبها القياصرة الرومان حينما كسبوا تأييد الجمهور بالخبز والملاهي، وبهذا نجحوا في البقاء في الحكم الى أن احترقت روما. ليس عمل الزعيم أن يلبي احتياجات الجمهور الفورية فقط للبقاء في الحكم بل ان ينظر للأمد البعيد وأن يفكر في معنى قراراته بالنسبة لأبنائنا وأحفادنا. وكان بن غوريون على حق حينما فضل ما يحتاجه الشعب على ما يريده الشعب.
ان الاجراءات الاخيرة في الكنيست التي تسيطر معها مجموعات تستعمل القوة من اليمين على الخطاب بإجازة قوانين قومانية وغوغائية، خطر على وجود الديمقراطية. واعضاء الكنيست اولئك من اليمين لا يفهمون ان الديمقراطية الحقيقية ليست سلطة الأكثرية بل الدفاع عن حرية التعبير، واحترام حقوق الأقلية والنضال الدائم للحفاظ على مبدأ فصل السلطات.

يجب على نتنياهو، رئيس حكومة اسرائيل وزعيم الشعب اليهودي ان يتحمل مسؤولية كما تحمل آيزنهاور في حينه. وهو بصفته انسانا قارئا يعرف التاريخ، يعلم ان النظم الديمقراطية الليبرالية التي لم تستطع ان تقوم كسد في وجه مبادرات فاشية، حمست الجمهور – انتهت الى السقوط.
 إن أمواج التشريع المعادي للديمقراطية التي تكتسح الكنيست في هذه الايام تضعف اسرائيل في الداخل والخارج. وهذه القوانين تضر بمبدأ فصل السلطات باخضاع السلطة القضائية للسلطة التشريعية، وتريد أن تمنع نشاط جمعيات رأيها يخالف آراء اولئك الذين في الحكم وأن تمس بالحقوق الأساسية للأقليات التي تعيش في اسرائيل.

افتخرنا دائما بأننا مختلفون، وبأنه برغم الشقاقات الكثيرة بنينا ديمقراطية صلبة وليبرالية هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. وانشأ بن غوريون دولة طمحت الى مجتمع مثالي بهدي الأنبياء، مجتمع تكون فيه قيم الديمقراطية وحرية التعبير مبدأ أعلى. ينبغي ألا نعاود أخطاء التطرف والسطحية في فترة الهيكل الثاني التي أفضت بشعب اسرائيل الى جلاء دام ألفي سنة. كان بيغن، وهو من كبار زعمائنا، ومن يطمح كثيرون من اعضاء الكنيست الذين يقدمون هذه القوانين الى الأمام الى أن يكونوا متابعي نهجه، يتقلب في قبره لو سمع كيف يرفعون اسمه عبثا. فقد قدس بيغن كرامة المحكمة العليا وآمن من أعماق قلبه بحرية التعبير والديمقراطية حيث يمكن تغيير السلطة في صناديق الاقتراع فقط.

لا يمكن الامتناع من مقارنة اسرائيل اليوم بأيام المكارثية في الولايات المتحدة في الخمسينيات، واليوم كما كانت الحال آنذاك ايضا، فإن جوهر تسويغ تلك المبادرات التشريعية هو النضال باسم نفس الشعور الوطني. ومن حسن حظ الولايات المتحدة أنه كان لها في تلك الفترة رئيس حكيم عرف ثقل المسؤولية التي أُعطيت له. فالرئيس دوايت آيزنهاور، برغم انه كان عضوا في حزب مكارثي نفسه وعرف ان مكارثي جلب الى حزبه اصواتا كثيرة، كان حكيما بقدر كاف ليوقفه في مكانه وضاءل رويدا رويدا تأثيره الخطير. 

السابق
حي المصرارة العربي في القدس يخشى زحفا استيطانيا صامتا
التالي
الكتب التعليمية تربي على الابرتهايد