لبنان يقهر العملاق الكوريّ (2-1) ويصبح على مشارف الدور الحاسم

يحاكي لبنان في مسيرة منتخبه «المونديالية» القمة، فهو ما انفك يغطس في مطب اللقاءات، ويبلل نفسه بهذا الكم من الاحراج، والمزاحمة، حتى يخرج منها «مثل الشعرة من العجين»، واستمر «واثق الخطوة يمشي ملكا»، وذهب في خطوته الى فك الحصار عن قانونية مستواه التي بات يمتلك منها شهد الانتصارات، ويغرد بها خارج السرب كما يقولون.

ولا شك بان ثمرة جهود هذا المنتخب لم تذهب هدرا فهو على الاقل ظل يسير على طريقة السلحفاة، ويدأب في مسيرته على ان يكون بطلا، بسجل حافل، لم تؤثر فيه الخسارة الكبيرة التي شوهت وجهه في سيول، ولم تبعثر مساعيه أي هفوة او زلة قدم، او تطيح باحلامه، فهو خرج من موقعة المدينة الرياضية امام الكوريين فائزا، وبات مثل الفتى الطائر الذي تنقل بين ثلاث محطات امتلك فيها قلوب الكثيرين، واصبح مفاجأة الكرة الآسيوية.  

على ان هذه البلاغة التي أجاد المنتخب التحدث بها أمس، صححت المعنى وجرحه، اذ كيف بالفريق الذي يمتلك القليل من الحداثة والابداع ويفتقر الى الكثير من الملايين والامكانيات والى اصول الكرة ان يحني «لاعبي التايغوك» ويدوس على جرحه السابق، لدقائق طويلة امتدت حتى لامست الامنيات؟ كيف يمكن لهذه الكرة المبتدئة ان تغير وجه التاريخ الكروي، وتدخل الجميع في اتون المنافسة؟ فكان انجاز الامس حافزا للتغيير والتعبير وجاء الفرج على يد اصحاب الفرج، واصبح اللاعبون يزنون ثقلهم ذهبا، فقد خطف المنتخب النقاط الثلاث، في لحظة لحق بها بصفارة النهاية، وابدع، وانقذ الجهاز الفني من مغبة التعادل، ومن غضب كاد يكون عارما ونقمة على كل شيء ورد بالتالي على استبعاده الدائم من حسابات، المتابعين والمحللين والمراقبين.
تحولت مباراة «منتخب الارز» امام كوريا الى واقعة تاريخية، وتحول يوم 15 تشرين الثاني الى يوم مشهود تقلبت فيه المجريات بعد ان اعتقد الجميع اننا ذاهبون في الدقائق الاخيرة الى تعادل يشبه ما اصابنا امام المنتخب الكويتي عندما خطف منا التعادل في لحظة كان يلملم فيها المنتخب نفسه للاحتفال، لكن ذكاء اللاعبين اللبنانيين هذه المرة واستبسالهم كانا بمثابة ضربة معلم، قلبت النتيجة رأسا على عقب، فخرج الفريقان (2ـ1)، في وقت دارت فيه التساؤلات هل يعقل ان يلبس الفقراء جاه القادرين والنافذين كرويا واصحاب الملايين؟ وهل يمكن ان يكون هذا المارد الصغير سببا في اقصاء الكوريين الذين لعبوا في كأس العالم ثماني مرات؟


40 الفا غصت بهم مدرجات ملعب المدينة الرياضية، أمس وهم اعادوا الحياة الى كرة القدم التي كانت تشارف على الاحتضار، كلهم اجتمعوا من جميع المذاهب على مائدة الوطن فشجعوا بطريقة حضارية خالية من العيوب، فلا مذهبية او طائفــية او حزب او تيار.. هتفوا باسم لبنــان وساعدوا المنتخب ليكون قريبا من ولوج الدور الحاسم وهي سابقة لم تتكرر من قبل.
ورفع لبنان رصيده الى 10 نقاط وتساوى مع المنتخب الكوري (10 لكل منتخب)، وبقي ثانيا بفارق الاهداف.

المباراة

المدينة الرياضية ـ علي مصطفى
أرسى منتخب لبنان معادلة كروية جديدة على الساحة الآسيوية، وشهد أمس قيامة الكرة اللبنانية، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على تشبث اللاعب اللبناني بهويته الوطنية التي تجلت بأبهى مظاهرها، ليؤكد أن التاريخ لن يعود إلى الوراء مهما جار الزمن، لأن الروح القتالية التي تحلى بها زادت من جمالية الصورة ومشهدية المدينـــة الرياضية التي تحولت إلى عـــرس وطني بامتياز.
إذاً اشرأبت أمس أعناق اللاعبين اللبنانيين وتشابكت السواعد وصنعت مجدا للوطن سيبقى ماثلا في أذهان اللبنانيين لسنوات طويلة، لأن الفوز على أحد عمالقة القارة الآسيوية المنتخب الكوري الجنوبي (2ـ 1)، سيدون في تاريخ الكرة اللبنانية خاصة والآسيوية عامة.
وكم استحق منتخب لبنان الفوز ازاء ما قدمه من مستوى جيد يعكس مدى التطور الكبير الذي بلغه في غضون أربعة أشهر، بإمكانات متواضعة قياسا إلى بقية فرق المجموعة، التي تملك كل مقومات المنافسة على اثبات وجودها في المونديال.
ولعل أبرز من ساهم في هذا الانتصار الكبير خط الدفاع بأكمله، فبدا كأنه من كوكب آخر، حتى يكاد من الصعوبة تفضيل لاعب على آخر، لأن كل فرد كان في خدمة الكل والكل في خدمـــة الفــرد في أوقات الشدة التي نــدرت في المباراة إلا في الدقائق الأخيرة التي أجهد خلالها منتخب لبنان لصون الفوز.

ويمكن القول ان الخطة التي اعتمدها الجهاز الفني القدير بقيادة الألماني ثيو بوكير، أدت مفاعيلها على أفضل ما يرام، فبرع خط الوسط في الشوط الأول بفضل القيادة الثاقبة لرضا عنتر والمؤازرة الفاعلة لزملائه عباس عطوي وأحمد زريق على الجهة اليمنى وحسن شعيتو على الجهة اليسرى، فيما شكل محمود العلي جبهة بمفرده وأقلق الكوريين وظل ينبض حتى الثواني الأخيرة، كما كان زياد الصمد بطلا لا يتزحزح عن عرينه، فضرب ضربته الأولى بهدف تكتيكي نفذه رضا عنتر بالتناغم مع عطوي وختمها علي السعدي بتسديدة قوية في سقف الشباك (4)، ما أنبأ بتبدل المعطيات قبل أن يحتسب الحكم السعودي ركلة جزاء على رضا عنتر سددها كوجا شيول الى يمين زياد الصمد (21)، وهذا جل ما فعله المنتخب الكوري. غير أن الرد اللبناني أشرق مع قوس قزح، عندما توغل «المكوك» محمود العلي وصنع ركلة جزاء نفذها عباس عطوي بذكاء الى يمين الحارس (75).

وظن المنتخب الكوري أن مضيفه اللبناني لم يصمد في الشوط الثاني، خصوصا أن مدربه أجرى تبديلاته الثلاثة في محاولة لفرض أسلوبه السريع عبر الاختراقات الأرضية، إلا أن منتخب لبنان فرض ايقاعه وسيّر المباراة كما يحلو له، بدون أن يرف جفن بوكير في اللجوء الى التغيير، إلا في الدقائق الأخيرة لامتصاص ردود فعل المنتخب الكوري الذي عجز عن اختراق السد العالي الذي جرف كل السيول ببراعة فائقة ألهب بعدها مشاعر الجماهير في المدرجات.
[ مثل لبنان: زياد الصمد، علي السعدي، رامز ديوب، بلال نجارين، رضا عنتر، هيثم فاعور، وليد إسماعيل، عباس عطوي (محمد شمص)، احمد زريق، حسن شعيتو (أكرم مغربي)، محمود العلي (محمد حيدر). 

السابق
لمصلحة وزير !!
التالي
نقولا:سنكون اوزارا لتغيرات جنبلاط