لبنان: نقص في الإحصاءات

حمل "تقرير التنمية البشرية" لعام 2011، الصادر سنويا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مجموعة تناقضات ناجمة عن أسباب متعددة، إلا أنها تضر بمصداقية نتائجه وبإمكانية البناء عليها. فقد صنف التقرير لبنان في المرتبة الحادية والسبعين بين 178 دولة، بما يؤشّر إلى أنه من الدول التي تتمتع بمعدلات تنمية مرتفعة، الا أن التقرير ذاته سجّل معدلات منخفضة في أبعاد التنمية البشرية بالنسبة لمكونات الصحة، والمعرفة ومستوى العيش اللائق، والتقصير في بناء قدرات المرأة، كما أنه أشار إلى غياب مؤشرات الفقر في البلاد.

ويوضح الخبير ألاقتصادي الدكتور كمال حمدان، أن احتلال لبنان لهذه المرتبة المرتفعة في التقرير الحالي على صعيد التنمية البشرية، يعود إلى اعتماده على إحصاءات ما قبل عام 2011، وبالتحديد إلى معدلات النمو الوسطي التي بلغت ثمانية إلى تسعة في المئة بين العامين 2007 و2010. أما معدو التقرير، فيؤكدون أن لبنان غاب عن تصنيفات عام 2010 لغياب الإحصاءات اللازمة، فلماذا شمل في تقرير العام الحالي فيما الأحصاءات ما زالت غائبة؟
وغاب عن التقرير، الذي أطلق أمس في بيروت بحضور وزير البيئة ناظم الخوري، احتساب مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد في البلاد نتيجة لغياب البيانات ذات الصلة. كما أنه لم يتم التطرق للفئات المهمشة وللفروقات الهائلة في توزيع الدخل والثروة، وذلك أيضاً بسبب غياب الإحصاءات.
ولجأ التقرير الى احتساب معدلات متوسطية جاءت نتائجها مفاجئة، إذ تم تصنيف لبنان من بين الدول ذات الدخل الفردي المرتفع بالنسبة لمتوسط حصة الفرد من الناتج القومي عربياً، حيث يبلغ نصيب الفرد في لبنان 13 ألف دولار مقارنة مع عشرة آلاف عالمياً.  
وبتصنيف لبنان من بين الدول المرتفعة لمؤشر التنمية البشرية، يتساوى مع كل من تونس وليبيا وعُمان والكويت والسعودية في المؤشر العام، في مقابل مواقع مرتفعة جداً لكل من البحرين وقطر والإمارات، وأخرى منخفضة جداً لكل من جيبوتي والسودان واليمن.
ويظهر ترتيب لبنان بالنسبة لمكوّن الصحة اختلالاً كبيراً بين الكلفة الصحية للفرد في لبنان، والتي هي من ألأعلى عالمياً، وبين العمر المتوقع للعيش عند الولادة، حيث احتل لبنان المرتبة 14 عربياً مع 72.6 سنة، ليحل بعد الضفة الغربية وعُمان وسوريا مثلاً، بينما جاءت قطر في أعلى المؤشر، والصومال في أدناه مع 51 سنة فقط للعمر المتوقع للفرد.
أما بالنسبة لمتوسط سنوات التعليم المحققة، فقد بلغت في لبنان 7.9 سنوات، ليصنف الخامس بين الدول العربية بمعدل أعلى بقليل من المتوسط العربي، وأدنى بكثير من الرقم ألأوروبي الذي هو اقرب إلى 12 سنة. ويظهر تناقض آخر في المؤشرات التي تعني لبنان لدى الحديث عن عدد السكان الذين حصّلوا تعليماً ثانوياً، إذ تبين ألأرقام ما يشبه "الفضيحة"، نسبة إلى انخفاض معدل لبنان البالغ حوالى 33 في المئة للأشخاص فوق الخامسة والعشرين، بينما تصل إلى 77 في المئة في البحرين، و55 في المئة في الأردن.
وتعليقاً على معطيات التقرير، يرى الدكتور كمال حمدان أن التقرير "مفيد" بمعنى انه "يتابع بمنهجية إحصائية شبه ثابتة تطور عدد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تعكس بشكل وسطي أحوال البلدان المعنية به". ولكنه يطرح، وفق حمدان "مشاكل كبيرة بالنسبة لنوع المؤشرات المستخدمة فيه، والتي تميل إلى ان تكون مختزلة جداً". ويبدي حمدان تحفظه على عدد محدود من المؤشرات، "انطلاقاً من علمنا ان معظم دول المنطقة لا تملك قواعد إحصائية محدّثة سنوياً، مما يعني ان جهداً خاصاً يجري في المؤسسات الدولية لتقدير المؤشرات بناء على ما هو موجود في الفترة السابقة".

ويلفت حمدان إلى وجود مشكلة أخرى تتمثل في أن "معظم المؤشرات مأخوذة على مستوى وطني، مما يساهم في إخفاء واقع عدم المساواة، والتشتت الإحصائي الكبير حول متوسط الإحصاءات الوطنية".
وفي هذا المجال، حاول تقرير العام الحالي ان يلقي الضوء على الجانب المتصل بعدم المساواة عبر مقاربة حاول فيها ان يلحظ اثر التشتت حول المتوسطات على ترتيب الدول في السلم العالمي. وبدا واضحاً، وفق حمدان، ونتيجة لمقاربة الواقع بالنسبة لمؤشر عدم المساواة في توزيع التنمية البشرية عبر السكّان، ان تراجعاً كبيراً يلحق بلبنان نسبة للترتيب العربي والدولي لدى احتساب مؤشر عدم المساواة بالنظر إلى وجود عدم عدالة فاقع في توزيع الدخل والثروة.
ويؤكد حمدان انه قدّم أمس قراءة للتقرير مكتفياً "باستخدام ألأرقام المنشورة فيه"، مع توقفه عند عدم "إجراء تحديث دائم بالنسبة للإحصاءات في دول المنطقة".

عدم المساواة
يبلغ مؤشر التنمية البشرية في لبنان لعام 2011 ما يعادل 0.739 ، ولكن عندما يتم حسم القيمة بسبب عدم المساواة في توزيع الدخل، ينخفض هذا المؤشر إلى 0.570، وهذه خسارة تصل إلى 8.22 في المئة نتيجة عدم المساواة في توزيع مؤشرات الأبعاد. ويسجّل متوسط الخسارة الناتجة عن عدم المساواة بالنسبة إلى بلدان مؤشر التنمية البشرية المرتفع ما يقارب 5.20 في المئة فيما يصل في الدول العربية إلى 4.26 في المئة.
ويعكس مؤشر عدم المساواة بين الجنسين عدم المساواة القائم على أساس النوع الاجتماعي في ثلاثة أبعاد هي الصحة الإنجابية والتمكين والنشاط الاقتصادي. وتقاس الصحة الإنجابية بمعدلات وفيات الأمومة وخصوبة المراهقات. ويقاس التمكين بحصة كل نوع اجتماعي من المقاعد البرلمانية، وإنجازات التعليم الثانوي والعالي لكل نوع اجتماعي. ويقاس النشاط الاقتصادي بمعدل مشاركة كل نوع اجتماعي في سوق العمل. ويعرض مؤشر عدم المساواة بين الجنسين الخسارة في التنمية البشرية نتيجة عدم المساواة بين الإنجازات التي يحققها كل من الرجال والنساء في الأبعاد الثلاثة لمؤشر عدم المساواة بين الجنسين.

وبلغت قيمة مؤشر عدم مساواة بين الجنسين في لبنان 0.440، وشغل لبنان المرتبة الـ76 من أصل 146 بلداً في مؤشر عام 2011. وفي لبنان، تشغل النساء 3.1 في المئة من المقاعد البرلمانية، فيما تبلغ 32.4 في المئة نسبة النساء البالغات إلى مرحلة التعليم الثانوية أو العالي مقارنة بـ 33.3 في المئة من نظرائهن الرجال. وفي مقابل كل مئة الف مولود حيّ، تموت 26 امرأة لأسباب مرتبطة بالحمل، ويسجّل معدل خصوبة المراهقات 16.2 مولوداً لقاء كل 1000 مولود حيّ. وتبلغ مشاركة المرأة في سوق العمل 22.3 في المئة مقارنة بـ 71.5 في المئة عند الرجال.
قدم ورقة التقرير الدكتور عدنان حمدان وتحدث في حفل الإطلاق الوزير ناظم خوري ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان سيف الدين ابارو.

السابق
الجوزو: الخطر يتهدد المنطقة بسبب طموحات ايران في العالم العربي
التالي
وليد خوري: تمويل المحكمة متروك لمجلس الوزراء مجتمعا