خارطة طريق جنبلاط الجديدة

كشفت "خارطة الطريق" التي وضعها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في اجتماع الجمعية العمومية لحزبه، الكثير من المستور والمعلن حول حقيقة الموقع السياسي الذي أعاد التموضع فيه، وهو يشبه إلى حد كبير خطوة "إعادة التموضع" التي أعلنها في العام 2009، ولكن هذه المرة لم يحسمها بالكامل، بل ترك ما يمكن تسميته "بخط الرجعة" من خلال اصطفافه بنسبة عالية إلى جانب خيارات فريق "14 آذار" واتجاهاته الخارجية، وإن كان حاول تصوير نفسه أنه في "الخط الوسطي".
لذلك كيف تنظر مصادر سياسية في أحد الأحزاب داخل الأكثرية الحالية، وما هي رؤيتها لما أعلنه جنبلاط؟
هذا الأمر يراه أحد الوزراء المعنيين في هذا الحزب، بأنه لا يحمل الكثير من المعطيات الجديدة على مستوى خطاب جنبلاط وخياراته التي بدأ التموضع فيها، في الفترة الأخيرة. وهو بالتالي أعاد ترتيب المواقف التي كان أعلن عنها أخيراً، خاصة في مقابلته مع قناة "المنار"، ولذلك فقد عمد رئيس الحزب الاشتراكي إلى تحديد خياراته الجديدة بالجملة، بدل ما كان قد أعلن عنه سابقاً بالمفرق، سواء ما يتعلق بتمويل المحكمة الدولية، أو سلاح المقاومة، أو رؤيته للوضع في سورية.
لكن المفارقة التي كانت أكثر وضوحاً في كلام جنبلاط أمام الجمعية العمومية للحزب الاشتراكي، تتعلّق بالوضع في سورية، حيث يمكن ملاحظة العديد من الثغرات والخيارات في آن معاً.
ـ لقد حاول جنبلاط أن يساوي بين الأعمال الإرهابية للمجموعات المسلّحة وبين الجهود التي تبذلها القوى الأمنية لحفظ الاستقرار وتالياً إنهاء ظاهرة المسلّحين وأعمال العنف، وبذلك لا يميز بين معارضة تستخدم السلاح لإسقاط الدولة والنظام، وبين سلطة تسعى لإبعاد شبح الفوضى والعنف عن البلاد. 
ثانياً ـ يبدو أن سيد المختارة غير مدرك لكامل الوقائع والوضع على الأرض، وأما أنه يتبنى ما صدر عن اللجنة العربية يوم الجمعة الماضي، والذي تذهب فيه اللجنة إلى حدود تبنّي حملة التحريض والافتراء التي تمارسها بعض القنوات الفضائية الخليجية بشكل خاص، خصوصاً وأن المعطيات الميدانية باتت معروفة لدى كل المتابعين للوضع السوري، لجهة الدور الذي تمارسه المجموعات المسلّحة، وهو ما تثبته الوقائع عبر ثلاث حقائق هي:
ـ الحقيقة الأولى: وهي أن هذه المجموعات تلجأ إلى إطلاق النار على بعض التظاهرات المتفرّقة التي تحصل بدعوة من المعارضة في الخارج، لإظهار أن القوى الأمنية هي التي تطلق النار على المتظاهرين.
ـ الحقيقة الثانية، وهي أن لا صحة إطلاقاً للمزاعم التي تتناقلها قنوات الفتنة عن اشتباكات بين ما يسمى "المنشقين" والقوى الأمنية، والهدف واضح من ذلك، وهو التحريض ضد الدولة.
ـ الحقيقة الثالثة، أن عدم الاعتراف بوجود مؤامرة ضد سورية، هو نوع من المكابرة، إذا لم يكن نوعاً من التماهي مع هذا المخطط.

ثالثاً: إن ما أعلنه جنبلاط فيه تقاطعات مع مواقف بعض العرب، خاصة قطر والسعودية، وهذه التقاطعات تحمل تفسيرات معينة لجهة مسايرته لتلك الدول لأسباب معروفة لدى الجميع.
لذلك، فالسؤال الآخر، ما هي ارتدادات هذه التموضعات الجنبلاطية على الصعيد الداخلي؟
في اعتقاد الوزير المذكور، أن ما صدر عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم يصل إلى حدود مغادرته للموقع الذي يمثّله داخل الأكثرية الجديدة وإن كان يصنّف موقعه بأنه وسطي.
لكن الوزير يلاحظ أن جنبلاط يريد ترك خط الرجعة مفتوحاً في كل الاتجاهات، خاصة باتجاه رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، باعتبار أن له مصالح سياسية وانتخابية في إعادة الخطوط مع الحريري، وهو بذلك يؤشّر إلى تحالفاته المتوقعة في انتخابات 2013، وإن كان هناك نوع من الخيبة لدى أطراف الأكثرية، وحالة من الارتياح لدى المعارضة الجديدة، التي تدفع باتجاه إعادة تموضع جنبلاط بالكامل إلى جانبها.

لذلك يقول الوزير المعني، إنه رغم ما صدر من مواقف عن رئيس جبهة النضال الوطني لا تتوافق مع رؤية قوى أساسية في الأكثرية، لكنها ترى أن الخطوط يجب أن تبقى مفتوحة معه، وتالياً لإبقائه داخل هذه الأكثرية، وهو ما يشير إليه كل من الرئيس بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وإن كانت هذه "النتعات" لجنبلاط ينتج منها بعض التراجعات والارتدادات غير المفيدة.
ويخلص هذا الوزير إلى التأكيد أن خارطة الطريق الجديدة لجنبلاط هي مسار طبيعي لخيارات متبدّلة، وتحت الطلب، وإن كانت تحمل في مضامينها عناوين تحاكي شعارات ما يحصل في الشارع العربي.  

السابق
شكوك حول خطط الإنقاذ الأوروبية
التالي
اسباب الغلاء ؟