حزب الله مع عـون حتى يوم القيامـة

ليس خافيا أن بعض التمايزات الموضعية تسربت مؤخرا الى جسم العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، ولكنها ليست من فئة «الأورام الخبيثة»، وبالتالي فإن من يفترض انها تؤسس لبدء العد العكسي لـ«ورقة التفاهم» التي تجمع الطرفين منذ العام 2006 واهم، كما يؤكد المتابعون للعلاقة بين الحزب والتيار.
بهذا المعنى، يمكن القول ان العبارة الشهيرة التي أطلقها السيد حسن نصر الله غداة نهاية حرب تموز وأكد فيها ان موقف العماد ميشال عون خلال تلك الحرب «هو دين في رقبتنا حتى يوم القيامة»، هي عبارة لا تزال سارية المفعول، بكل ما تتضمنه من التزام أخلاقي وسياسي.

وإذا كان الحزب يضع على رأس أولوياته في هذه المرحلة حماية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وإطالة عمرها في السلطة، خلافا لحسابات عون الذي يبدو أقل تمسكا بها وحرصا عليها بسبب بطئها في التغيير والاصلاح، إلا ان هناك من يجزم بأنه إذا وجد الحزب نفسه فجأة في الزاوية الضيقة، واضطر في لحظة الحقيقة الحاسمة الى ان يختار بين الحكومة وعون، فهو لن يتردد في الانحياز للتحالف الاستراتيجي مع «الجنرال»، وإن يكن يسعى جاهدا الى تجنب مواجهة هذا الاختبار من خلال محاولاته المستمرة للتوفيق بين «القدر» العوني.. وقدرة ميقاتي على التحمل.
ومن يراقب مسار تأليف الحكومات السابقة منذ ولادة «التفاهم» وحتى اليوم، يدرك ان «حزب الله» كان يربط دائما موقفه من أي تشكيلة وزارية بموافقة «الجنرال» عليها، الامر الذي كان يعزز باستمرار شروط مشاركة عون في الحكم، وهذا ما حصل مع حكومة فؤاد السنيورة الثانية وحكومة سعد الحريري السابقة وصولا الى حكومة ميقاتي الحالية التي لم تبصر النور إلا بعدما نال تكتل التغيير والاصلاح 10 مقاعد فيها، والقاعدة ذاتها انسحبت على الانتخابات النيابية الماضية، حيث وقف الحزب الى جانب عون في معركة اعتماد القضاء دائرة انتخابية، برغم ان الحزب لم يكن متحمسا كثيرا لهذه الصيغة.
ويرفض «حزب الله» أي استنتاج يقود أصحابه الى الافتراض أن دعمه لـ«الجنرال» في الكثير من المحطات الداخلية، يندرج في إطار تبادل «الخدمات السياسية»، على قاعدة ان يؤمن عون التغطية المسيحية للمقاومة، مقابل أكبر قدر من المكاسب البرتقالية على مستوى السلطة.
بالنسبة الى الحزب، العلاقة مع ميشال عون هي خيار عميق، قرر الطرفان الالتزام به عن قناعة راسخة بمعزل عما إذا كان مردوده المباشر مضمونا، وقد جاءت حرب تموز لتؤكد هذه المعادلة، إذ انحاز عون آنذاك للمقاومة منذ الساعات الاولى للعدوان، في وقت اعتقد الكثيرون ان نهاية «حزب الله» قد دنت وان انتصار اسرائيل مسألة وقت ليس إلا، بل ان البعض في الداخل راح يبني حساباته باكرا على هذه الفرضية قبل أن تثبت الأحداث لاحقا «صوابية» خيار «الجنرال».

وفي هذا السياق، ينظر السيد نصر الله بتقدير كبير الى شجاعة عون في رفع لواء «خيارات تاريخية» وإصراره على التمسك بها والدفاع عنها برغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها، داخليا وخارجيا، منذ سنوات، وبالتالي يسجل الحزب لـ«الجنرال» قدرته الاستثنائية على إحداث تغيير نوعي في مزاج شرائح واسعة في المجتمع المسيحي، وتمكنه من إدخال ثقافة المقاومة والعروبة الى بيئة كانت تتعامل بريبة وأحيانا بعدائية مع هذه الثقافة.
من هنا، يعتبر الحزب ان هذه المقاربة تشكل نقطة الالتقاء الجوهرية مع «الجنرال»، التي لا يجوز تجاهلها أو تجاوزها في معرض أي قراءة للعلاقة بينهما، أما كل ما يقع خارج دائرة إشعاع هذه النقطة فيصبح مجرد تفاصيل لن تقوى، مهما بلغت أهميتها، على زعزعة التجربة المشتركة، كما يجزم المقربون من مركز القرار في «حزب الله».

ويضاف الى هذا التلاقي في الرؤى البعيدة المدى، ان هناك تلاقيا من نوع آخر بين السيد نصر الله والعماد عون على المستوى الشخصي، إذ ان كلا الرجلين ينظر بتقدير واحترام الى الآخر، بعد الاختبارات التي خضع لها تحالفهما، والتي أتاحت لهما اكتشاف صفات مشتركة أبرزها الثبات في القناعة والصدق في الالتزام، وفق ما يقول العارفون بهما، بحيث ان أيا منهما لا يمكن ان يبادر الى سحب يده من الآخر، إلا إذا أراد هو ان يسحبها أولا.
ولئن كان البعض قد سارع الى تشييد «أبراج» سياسية على شاطئ التباين بين «حزب الله» و«التيار الحر» في قراءة أولويات هذه المرحلة، إلا ان هناك داخل الحزب من يؤكد ان «موج» التحالف الثابت سيأخذ في طريقه كل الأوهام التي بنيت من «رمل» خلال الاسابيع الاخيرة، «ولن يتأخر الوقت قبل أن يكتشف المصطادون في الماء العكر ان ما يجمع الطرفين أكبر بكثير مما يفرقهما»، وهو الأمر الذي أدركته جهات محلية وخارجية سارعت للعب على وتر التمايزات والدفع في اتجاه توسيع رقعتها بين الحزب والتيار، وقد رد «الجنرال» بتهكم على هؤلاء، مؤكدا ان تفاهمه مع «حزب الله» صلب وأقوى من ان يهزه تباين ظرفي. 

السابق
الانباء: جنبلاط: ندعم المبادرة العربية للوضع في سورية وتمويل المحكمة الدولية أساسي للاستقرار
التالي
الراي: الحكومة اللبنانية مسرحاً لحرب الكواكب بين ميقاتي وعون