هذا ما عاد به وفد حزب الله من موسكو

لم تكن زيارة وفد "حزب الله" الأخيرة لموسكو وليدة المصادفة، وانما جاءت بناء على رغبة روسية، كانت أسست لها لقاءات عدة عقدها المبعوث الروسي الكسندر سلطانوف مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد اثناء زياراته للبنان والمنطقة، وأوصى في ضوئها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما والمسؤولين في وزارة الخارجية الروسية بدعوة رعد ومسؤولين في حزب الله لزيارة موسكو واجراء محادثات معهم حول الوضع في لبنان والمنطقة لما للحزب من دور وموقع مؤثر فيه.

وبدا من خلال المحادثات التي أجراها الوفد برئاسة رعد وعضوية النائبين حسن فضل الله ونوار الساحلي مع المسؤولين في مجلس الدوما ووزارة الخارجية، ان موسكو اعطت لتوقيت هذه المحادثات اهمية استثنائية تؤشر على وجود توجه روسي جدي الى الاحاطة بالوضع في المنطقة بدرجة عالية، يرتكز الى حق النقض ("الفيتو") الذي اتخذته والصين اخيرا، واسقطتا به مشروع القرار الاوروبي ـ الاميركي ضد سوريا في مجلس الامن الدولي. وشعر الوفد في المحادثات ان الجانب الروسي قرر تعزيز حضوره في الساحة الاقليمية والدولية والعودة لاعبا مؤثرا ومقررا في كل ما يتصل الاحداث التي تشهدها.

وكان الجانب الروسي "جازما" في التأكيد أنه لن يسمح بعد اليوم للغرب ولا الولايات المتحدة الاميركية بالتصرف في اي بقعة في المدى الاقليمي للاتحاد الروسي على الأقل، وفي هذا الاطار كانت المحادثات التي اجراها المسؤولون الروس في الآونة الأخيرة مع المعارضة اليمنية التي تخوض معركة لإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح، الامر الذي يؤشر على قرار روسي بالدخول على خط الازمة اليمنية يتوقع ان يكون له تأثيره في مسار هذه الازمة في قابل الايام والاسابيع.

واكد الجانب الروسي لوفد حزب الله، ان سوريا باتت بالنسبة الى موسكو "خطا احمر"، وستتصدى لأي محاولة غربية او اميركية جديدة لتقويض نظام الرئيس بشار الأسد، سواء في مجلس الامن الدولي او خارجه، لأنها لن تقبل بتكرار ما حصل معها في ليبيا، حيث كان القرار الدولي الذي وافقت عليه في مجلس الأمن يقضي بفرض حظر جوي فقط على نظام العقيد معمر القذافي، ولكنها فوجئت لاحقا بأن هذا الحظر إستغل لأغراض تدخل عسكري تمثل بقصف جوي مارسه حلف "الناتو" ما جعلها تشعر انها تعرضت لـ"خديعة"، ولذا فإنها لن تسمح بخداعها مرة جديدة عبر فبركة سيناريو ضد سوريا شبيه بالسيناريو الليبي ولذا كان الفيتو الذي إتخذته والصين أخيرا لإفهام الاميركيين والاوروبيين أنها لن تسمح بالتعرض لسوريا منفذها الرئيسي على البحر الابيض المتوسط وموقعها المتقدم في الشرق الاوسط مهما كلّف الأمر.

لكن موسكو، وحسبما اكد المسؤولون الروس لوفد "حزب الله"ايضا، حريصة على ان لا يُفهم هذا "الفيتو" في المنطقة والعالم، على انه اعتراض روسي على رغبة الشعوب في التغيير والإصلاح، ولذا فإنها الى إطمئنانها الى مستقبل النظام السوري وتخطيه مرحلة الخطر، تريد من هذا النظام، وقد ابلغت اليه ذلك، المضي قدما في تحقيق مزيد من الاصلاحات، اكثر فأكثر عن استخدام القوة في مواجهة المناهضين للنظام، وإن كان لهذه القوة ما يبررها أحيانا، والشروع في حوار فاعل مع المعارضة لتحقيق الاصلاحات التي تلبي الطموحات الشعبية السورية. ولكن المسؤولين الروس أكدوا في الوقت نفسه ادراكهم حجم الهجمة الاقليمية والدولية التي تتعرض لها دمشق والتي تتخطى الاصلاح الى هدف اسقاط النظام لكثير من الاعتبارات لدى القائمين بهذه الهجمة.

ولم يخفِ المسؤولون الروس أيضا التأكيد أنهم ارادوا من "الفيتو" التأكيد للعالم عودة "الدب الروسي" على "عرينه الدولي" لفرض معادلة التوازن في الساحة الدولية التي كانت اختلت بسقوط الاتحاد السوفياتي السابق مطلع التسعينات من القرن الماضي لمصلحة الآحادية الاميركية المدعومة اوروبيا، فجاء هذا "الفيتو" تدشينا لهذه العودة وهم يرغبون ان يلقوا المؤازرة لدى كل الدول والقوى المتضررة من عصر الآحادية الاميركية والتي لم تعد موجودة في نظرهم بعدما فَهم الاوروبيون والاميركيون ابعاد ذلك "الفيتو" الذي شكّل مفاجأة لم يتوقعوها.

وفَهم وفد حزب الله من المسؤولين الروس في هذا السياق، أن موسكو ودعما منها للنظام السوري في مواجهة الهجمة عليه، ستكون لها حركة نشطة في اتجاه كل القوى المنضوية في "محور الممانعة" او تتلاقى في المصالح معها من أجل مساعدة سوريا من جهة، وتعزيز محور المواجهة مع الاميركيين والاوروبيين وحلفائهم الاقليميين من جهة ثانية، وأن دعوة وفد حزب الله الى موسكو تشكّل بدايات هذه الححركة لما يشكله الحزب، في رأي موسكو،من قوة اساسية ممانعة ومتحالفة مع دمشق، ومن المتوقع ان تستقبل العاصمة الروسية قريبا ممثلين لدول ولقوى مماثلة، خصوصا وانها تركز حاليا على مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق الذي فقدت مصالحها التي كانت لها فيه ايام نظام صدام حسين، على ان تشهد علاقاتها بطهران مزيدا من التقدم في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد تولي رئيس الحكومة الروسية الحالي فلاديمير بوتن رئاسة الإتحاد الروسي مجددا، إذ ان كان عرّاب العلاقة ومهندسها مع طهران ايام ولايته الرئاسية الأُولى.

والى ذلك يولي الروس الوضع في لبنان اهتماما كبيرا، ويؤكدون حرصهم على سيادته واستقراره، وفيما لم يثر وفد حزب الله موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وموقفه الرافض لها، إنبرى الجانب الروسي الى السؤال عنها وكيف ستتصرف الحكومة مع موضوع تمويها والتباين القائم داخل الاكثرية حوله، ولفت الى ان هذه المحكمة صدرت بقرار دولي وافقت عليه موسكو ولكنها اقرنت موافقتها هذه بالتحذير من تسيس المحكمة، ودعا الجانب الروسي الى التعاطي مع هذا الموضوع بجدية وروية وإيجاد المخرج المناسب له، وعدم اتخاذ أي موقف من شأنه ان يؤدي الى خلاف مع المجتمع الدولي ويعرِّض لبنان تاليا لإجراءات دولية بذريعة عدم التزام القرار الدولي الذي انشئت بموجبه المحكمة. ورد وفد حزب الله مؤكداً للجانب الروسي ان ليس في نظام المحكمة ما يلزم لبنان بتمويلها، وإنما هناك "تعاون" بين لبنان والمحكمة أقامه الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة. وشرح الوفد موقف الحزب من المحكمة الذي يعتبرها مسيسة وتستهدف تقويض المقاومة ضد اسرائيل، كما تستهدف سوريا التي تدعم المقاومة وكانت إتُهِمت بداية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قبل ان يوجه الاتهام كليا الى "حزب الله"، وهو الامر الذي يرفضه الحزب، لأن لا علاقة له بهذه الجريمة من قريب أو بعيد، وأن التهم الموجهة اليه ملفقة. واشار الوفد ايضا الى أن موضوع التمويل لم يحن أوانه بعد، وعندما يحن هذا الاستحقاق يمكن ايجاد المخارج المناسبة، مكررا التأكيد ان ليس في نظام المحكمة ما يلزم لبنان بتمويلها.

وفي سياق الحديث عن الوضع في المنطقة وهل يخشى الاتحاد الروسي من حروب جديدة فيها، وتحديدا ضد ايران، اكد المسؤولون الروس انهم يستبعدون نشوب مثل هذه الحروب، في ظل التراجع الاميركي، وكذلك في ضوء تعاظم قوة ايران وقوة الردع التي تمتلكها، ويشيرون الى ان اتخاذ قرار بأي حزب ضد ايران او غيرها ليس بالامر السهل، خصوصا وانها قد تؤدي الى تفجير المنطقة كلها.

وفي الاطار نفسه، يستبعد مرجع رسمي كبير، نشوب مثل هذه الحرب ضد ايران، لأن الاخيرة "دولة ذات اذرع متعددة"، وهي "دولة عظمى" في المنطقة ليس سهلا على احد ان يقرر شن حرب عليه، لأنه ليس بقادر على تقدير عواقبها.

ويقول قطب بارز في هذا المجال ان ايران وجهت في الأيام الأخيرة رسالة "بالغة الأهمية" في دلالاتها الى الولايات المتحدة الاميركية والاوروبيين وإسرائيل، عندما ردت بالتنسيق مع الجانب التركي على هجوم كردي تعرضت له وسقط فيه عسكريون ايرانيون، بقصف جوي لمواقع عسكرية كردية اخترقت من خلاله طائراتها الاجواء التركية بعلم انقرة المسبق، واستخدمت فيه للمرة الاولى ذخائر متطورة جدا دمرت خلاله هذه المواقع موقعة اكثر من 400 قتيل عسكري من الاكراد، وقد فوجىء الجانب التركي بمدى فعالية هذا السلاح الايراني. 

السابق
تحرك لطلاب اللبنانية اليوم أمام السرايا
التالي
مقررات سيدة الجبل إلى وثيقة وطنية جامعة في مؤتمر مسيحي ـ إسلامي مرتقب