فنعترف: ربيعياً..14 آذار على حق

ثمة كثير من الصحة والدقة والصواب في كلام الآذاريين، وخصوصاً الحريريين منهم، عن أن «ربيع العرب» مطابق لما يسمّونه «ربيع لبنان»، وعن أن التماهي واقع فعلاً بين انقلابات بعض البلدان المحيطة منذ كانون الثاني الماضي، وبين الانقلاب اللبناني الشهير بين 14 شباط 2005 و14 آذار من العام نفسه، وما بين هذين التاريخين وما بعدهما. فالمشير طنطاوي في القاهرة تصوروه بلا بزته العسكرية أو معها، مثل من هو عندنا بالبزة أو من دونها. ومصطفى عبد الجليل في طرابلس الغرب مثل وليد جنبلاط. ورفاق الاثنين من «ثوار» آخر لحظة وزمن، مثل أسماء كثيرة في الرئاسات والوزارات والنيابات البيروتية.

فكما لبنان بين عامي 1976 و2005، كانت دول الانقلابات «الثورية» الأخيرة تعيش في ظل سلطة قائمة على الاستبداد والظلم، منبثقة من تحالف «محور الشر الثنائي الأممي»، بين الفساد الداخلي والوصاية الخارجية. والأهم أنها كانت كلها مثل لبنان أيضاً، تنعم باستقرارها واستمرارها، رغماً عن تطلّع الناس وغصباً لإرادة الشعوب، بفضل الرعاية الأميركية المباشرة أولاً، معطوفة على «كونسورسيوم» أميركي إقليمي في الرعاية والحضانة، حيث تدعو الحاجة.

طنطاوي مثلاً، حاكم مصر بعد «الثورة»، عاش 41 عاماً في ظل ثنائي السادات ــــ مبارك. ترقّى في أيام عدو الثورة الأول «أبو جمال»، وصار فريقاً وفريقاً أول، ومن ثم مشيراً بفضل إخلاصه له، وتفانيه في خدمته. عشرون عاماً كاملة أمضاها وزيراً لدفاعه. يأتمر بأوامره وبأوامر العائلة في جمع ثروات مصر لحساب مافيا الأخوين، وفي مكافأة ضباط الفساد بتعيينهم محافظين بنسبة تسعين في المئة من محافظي مصر، يرعون الاستبداد «المبارك»، وقمع الناس وسحق المعارضين. عشرون عاماً بدأها مشيراً بعمادة الدم إلى جانب الأميركيين في حرب الكويت، حتى نال وسامهم عنها، فاطمأن إليه أهل البنتاغون ومبنى فرجينيا المربع الكبير المحروس بالكاميرات واللواقط. حتى إنهم استدعوه في منتصف أيام «الثورة» الى واشنطن، أجروا له امتحان التأهيل الأخير، فاجتازه بتفوّق، و«ظافراً عاد»، مصحوباً بنداء حامل نوبل للسلام، باراك حسين أوباما، لتنحية مبارك، ولنقل الأمانة الى الأيدي الأمينة، ليظل أهل القناة وغاز سيناء وكامب دايفيد، شأنهم في زمن الاحتلال كما شأنهم في زمن الاستقلال… تصوّروا من يقابل طنطاوي في بيروت؟؟
أما مصطفى عبد الجليل، بطل «الثورة» الليبية وفاتح «الفاتح من أيلولها السابق»، فهو الأكثر ظرفاً ومفارقة. غيفارا الليبيين الجديد، بدأ طفولته الثورية لاعباً لكرة القدم، ضمن فريق «نادي الأخضر الليبي»، على اسم اللون الأحب إلى «الطاغية» الذي تنبّه إلى ضرورة الثورة عليه، بعدما عمل بإخلاص لخدمة قضائه طيلة 33 عاماً فقط. هي نفسها أعوام لوكربي وموسى الصدر والمعارض الليبي المغدور منصور الكيخيا. بطل «ثورة» 17 فبراير هذا، هو نفسه من أصدر حكمه في قضية الدم الشهيرة ضد الممرضات البلغاريات، حتى استحق وزارة عدل القذافي التي لم يتركها إلا بعدما قرر الأطلسي إسقاط سيده. هل تتصورون عدل صاحب «الكتاب الأخضر»؟ تصوّروا إذن وزيره، ومن ثم تصوّروه هو نفسه بطلاً للثورة ــــ قال.

نعم، هذا «الربيع العربي» مثل «ثورة أرز»ــ هم. ففي الاثنين أناس يحترفون أن يكونوا أزلام النظام، يسلمون مفتاح عاصمتهم لغازٍ، أو يتسوّلون توقيع خدام على صورة ولد وريث، استعطاءً لاستمرار الوصاية والرعاية.. حتى إذا تبدلت الموازين، قلبوا الصورة أسرع من طرفة عين فاجرة، لفّوا أعناق الخنوع بشال من لونين، ونزلوا إلى «غسالة» الثورة يغسلون موبقاتهم بدم حطب الثورة ووقودها.

في الربيعين، أسوأ أنواع البشر أولئك الذين يستقوون على من يتوهمونه ضعيفاً، ويستضعفون حيال من يرونه قوياً، ويستعدون أبداً لقلب مواقع الاستقواء والاستضعاف ببلادة العهر والفجور. وفي الربيعين، أشرف أنواع البشر، أولئك الذين يموتون حطباً لثورة، لا بد أن تأتي حين ينقرض الصنف الأول، أو يستيقظ الصنف الثاني.  

السابق
الراي: شتائم وتهديدات في الشارع وتحت قبة البرلمان والسبب… سورية
التالي
ميرزا ينقض رواية ريفي