السفير: الليبيون وتساؤلات ما بعد القذافي!

يترقب الليبيون إعلان ما وصف بأنه «التحرير الكامل» لبلادهم، يوم غد، غداة مقتل العقيد معمر القذافي، وسقوط سرت، آخر معاقله، وانتهاء حكمه الذي دام 42 سنة، في خطوة يفترض أن تستتبع بإعلان آخر من بروكسل، بإنهاء العملية العسكرية التي أطلقها حلف شمال الأطلسي في آذار الماضي، وهو ما أكده «الناتو»، مساء أمس، بصيغة بدت ملتبسة بعض الشيء. لكن خطوة قتل العقيد الليبي، اثارت في الوقت ذاته، جملة تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة لفترة ما بعد القذافي، وسط شكوك حول مدى قدرة حكام ليبيا الجدد على ضبط الأوضاع على الأرض، في ظل الفوضى الأمنية السائدة في البلاد، والتي تبدّت في الصور التي نشرت لعملية اعتقال القذافي ومقتله ذاتها، والتي دفعت بالأمم المتحدة إلى مطالبة سلطات المرحلة الانتقالية في ليبيا بفتح تحقيق في ملابساتها.
وأعلن المجلس الوطني الانتقالي ان إعلان التحرير الكامل لليبيا سيتم يوم غد الاحد، علماً بأنه كان قد قرر غداة مقتل القذافي أن هذا الإعلان سيتم يوم أمس ـ لينتهي بذلك نزاع دام ثمانية أشهر وأسفر عن سقوط ما لا يقل عن ثلاثين ألف قتيل.

وقد توجه وفد كبير من أعضاء المجلس الانتقالي إلى بنغازي، حيث سيتم الإعلان عن «تحرير ليبيا»، من تلك المدينة التي ظلت معقلاً للثوار الليبيين في شرق البلاد، وليس من العاصمة طرابلس، التي سيطر عليها مقاتلو النظام الجديد قبل شهرين.
ومن المتوقع، بعد إعلان التحرير، أن يبدأ تطبيق «البيان الدستوري» الذي أصدره المجلس الانتقالي في مطلع أيلول، وهو عبارة عن خريطة طريق نحو «ليبيا الحرة». وتنص هذه الوثيقة على تشكيل حكومة انتقالية في مهلة أقصاها شهر واحد، بعد إعلان تحرير البلاد، وتوكل إليها خصوصاً المهمة الصعبة، المتمثلة في تنظيم انتخابات عامة بعد ثمانية أشهر، على أن تسلم السلطة إثر ذلك إلى جمعية منتخبة.
ما بعد القذافي
وبعد التخلص من معمر القذافي، وإعلان «تحرير ليبيا»، بات على قادة ليبيا الجدد إعادة إعمار بلاد اكتسحتها ثمانية أشهر من الحرب الأهلية، وتشهد انقسامات قبلية وسياسية حادة.
ومع تقدم الثورة، تراجعت سلطة المجلس الوطني الانتقالي على الأرض، بعد تشكيل العديد من المجالس المحلية والفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة، ولا سيما في المدن المحررة.
وتكمن إحدى أضخم المهمات في نزع السلاح، وإقناع الفصائل المختلفة المنتشرة في المدن والأحياء بذلك، وخصوصاً تلك التي قامت بدور مهم في سقوط النظام المستبد. فكل من قبائل شرق ليبيا ومصراتة والأمازيغ يطالب بالاعتراف بوقوفه في الصف الأمامي ضد قوات القذافي. وتطالب قبائل الشرق بالاعتراف بدورها في انطلاق الانتفاضة التي أطاحت في النهاية معمر القذافي بعد 42 عاما في الحكم.
كما ينبغي إجراء مصالحة مع مدن معروفة بكونها معاقل للنظام السابق، على غرار سرت وبني وليد، إلى جانب بناء الاقتصاد واستئناف إنتاج وتصدير النفط.
ولكن في غياب المؤسسات والأحزاب السياسية التي كانت ممنوعة في عهد القذافي، ومنظمات المجتمع المدني، يبدو الإسلاميون هم الأكثر تنظيما ويمكن ان يحظوا بثقل ملحوظ في المرحلة التالية. وإلى جانب جماعة «الإخوان المسلمين» يحتل عناصر وقادة سابقون في «المجموعة الإسلامية للقتال»، التي كانت موالية لتنظيم «القاعدة»، مناصب رفيعة في الأجهزة العسكرية والأمنية، على غرار عبد الكريم بلحاج الذي يرأس حاليا المجلس العسكري في طرابلس.
وظهرت بوادر توتر بين الليبراليين والإسلاميين بعد عجز القادة الجدد عن الاتفاق، في أيلول الماضي، على تشكيل حكومة جديدة، فأرجئت إلى ما بعد إعلان تحرير ليبيا بالكامل. وأعرب الرجل الثاني في المجلس الوطني الانتقالي، رئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل، عن مخاوفه من «فوضى» قد تنتج من «معركة سياسية» مبكرة.
وقال جبريل «بطبيعة الحال، ننتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة ونتوافق على نظام سياسي قائم على دستور واضح. ما حصل إننا نتجه إلى معركة سياسية لم تحدد قواعدها». ونبه جبريل إلى ان «احد السيناريوهات المخيفة هو ان ننتقل من حرب وطنية إلى الفوضى».

سيف الإسلام
وستكون مهمة الحكومة المؤقتة أيضاً الحيلولة دون قيام القوات الموالية للقذافي بشن أي هجمات من مناطق الريف، من شأنها أن تزعزع الاستقرار في الدولة العضو في «أوبك»، أو تهدد الصناعة النفطية. ويبدو أن سيف الإسلام، أحد أكثر أبناء القذافي نفوذاً، ورئيس مخابراته عبد الله السنوسي ما زالا مطلقي السراح، وقد يكون بإمكانهما تجنيد أتباع مسلحين.
وقال القيادي البارز في المجلس الانتقالي الليبي عبد المجيد مليقطة إن سيف الإسلام يتحرك في قافلة من ثلاث سيارات مصفحة في محاولة للفرار باتجاه النيجر. وأضاف أنه خلال الأيام القليلة الماضية كان عبد الله السنوسي، الذي يعتقد انه مختبئ في النيجر، يحاول تنظيم ممر آمن لحاشية القذافي للفرار من سرت. وكان وزير خارجية النيجر قال انه علم من دول غربية أن السنوسي فر عبر الحدود الى أقصى شمال النيجر.
لغز مقتل القذافي
وحتى الآن، ما زالت ملابسات مقتل القذافي غامضة بعدما ترددت الروايات بشأن الطريقة التي قتل فيها، وهو ما دفع بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية إلى المطالبة بفتح تحقيق في هذا الحادث.
وفي صور ولقطات فيديو ظهر القذافي جريحاً لكنه حي، ويتم جره إلى آلية من قبل حشد هائج. وقد بدا نصف وجهه مغطى بالدماء، ويحيط به رجال يتناوبون على دفعه ويشدون شعره، وقد قاموا بصفعه وضربه على كتفه. وبعيد ذلك اختفى من على الشاشة بينما سمعت أصوات رصاص.
وفي سرت، أكد مقاتل يدعى محمد الهويب شعبان، انه كان حاضرا عند اسر القذافي، وانتزع منه سلاحه، وهو مسدس من ذهب. وأضاف ان القذافي كان يزحف في قناة لصرف المياه. لكن مصادر أخرى ذكرت أن القذافي كان في طريقه للهرب من سرت في قافلة من الآليات استهدفتها ضربة لحلف شمال الأطلسي.
وقال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه إن الطيران الفرنسي «أوقف» القافلة. وتدخل مقاتلون بعد ذلك ليدمروا الآليات «التي اخرجوا منها القذافي». لكن الحلف الأطلسي أكد أنه لم يكن على علم بوجود معمر القذافي في القافلة التي أغارت عليها طائراته قرب سرت، وانه لم يعرف إلا في وقت لاحق انه بذلك «ساهم على الأرجح» في اعتقاله.
وأكد محمد ليث، وهو احد القادة في مصراتة، أن «القذافي كان في سيارة جيب أطلق المتمردون النار عليها. خرج منها وحاول الفرار ولجأ إلى قناة لتصريف المياه. أطلق المتمردون النار من جديد فخرج حاملا رشاشاً بيد ومسدساً باليد الأخرى». وتابع انه «تلفت يمنة ويسرة وسأل: ماذا يجري. فأطلق المتمردون النار من جديد مما أدى الى جرحه في الكتف والساق وتوفي بعد ذلك».
وقال طبيب، فحص جثة الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي، إنه أصيب بجروح مميتة برصاصة في أحشائه بعد اعتقاله، لكن صورة عن شهادة وفاة العقيد الليبي نشرت عبر شبكة الانترنت تشير إلى انه توفي برصاصة قاتلة … في الرأس.
وطالبت أرملة القذافي بالتحقيق في ظروف مقتله. وقالت صفية القذافي لقناة «الرأي»: «نطالب الأمم المتحدة بالتحقيق بملابسات وفاة المجاهد معمر القذافي». كما طالبت باسم «اسرة الشهيد المجاهد معمر القذافي» الامم المتحدة والمنظمات الدولية بـ«إرغام المجلس الانتقالي على تسليم جثامين الشهداء لقبيلتهم لمواراتهم في الثرى ودفنهم وفق الشعائر الاسلامية».
عمليات الأطلسي
في هذا الوقت، أعلن الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسين ان الحلف سينهي عمليته العسكرية في ليبيا في 31 تشرين الاول. وقال راسموسن، خلال مؤتمر صحافي، ان ممثلي الدول الـ28 الاعضاء في الحلف الاطلسي في بروكسل توصلوا الى «اتفاق اولي» لإنهاء العملية البحرية والجوية في 31 تشرين الاول، بعد سبعة اشهر على انطلاقها في 31 اذار الماضي.
وأضاف راسموسن إن التأكيد الرسمي لقرار وقف العمليات سيتم مطلع الاسبوع المقبل. وتابع «مهمتنا شارفت على الانتهاء»، مشيراً في الوقت ذاته الى ان الاطلسي سيواصل، الى حين إنهاء العمليات، «مراقبة الوضع ميدانياً وإبقاء القوات للرد على التهديدات ضد المدنيين اذا لزم الامر».  

السابق
الزيادة/ الدرجة
التالي
النهار: ترشيش ومرسوم الترقيات يعكسان الإنقسام والراعي: تسليم حزب الله سلاحه سيكون عيداً