الجمهورية: المحكمة تطلق المحاكمات الغيابية و8 اذار تؤكد استحالة التمويل

طغى مقتل الزعيم الليبي المخلوع معمّر القذافي، على المشهد اللبنانيّ، فيما كان التأزم السياسيّ يرخي بثقله على الأجواء الداخلية والمتأتي من الخلافات الدائرة على الجبهات الحكومية والاقتصادية والعمّالية، وصولا الى جبهة تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وما يثار حول الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة وما تشهده من خروق تتصل بالأزمة السوريّة.

وبعدما كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تمنّت قبل يومين ان يتمّ اعتقال القذافي أو قتله، تحقّقت "أُمنيتها" أمس بحيث إنّ الرجل اعتُقل ثمّ قُتل في مسقط رأسه سرت. ولاقت نهايته هذه ترحيبا لبنانيّاً وعربيّاً ودوليّاً. فرئيس مجلس النواب نبيه برّي علّق عليها قائلا: "إنّ الله يُمهل ولا يُهمل". فيما رأى فيها الرئيس سعد الحريري "نهاية محتّمة لكلّ الطغاة الذين يواجهون إرادة الحرّية والديموقراطية عند شعوبهم بالقتل والقمع والدم". متمنّيا للشعب السوريّ "الانتصار على آلة القمع التي تستهدف أبناءه".

في غضون ذلك انشغلت الاوساط السياسية بالأجواء المحمومة التي سادت جلسة مجلس الوزراء الطويلة مساء أمس الأوّل على خلفية السجال الذي دار خلالها بين وزيري الاشغال غازي العريضي والطاقة جبران باسيل، والذي توالى فصولا أمس بتبادل رسائل، فقال العريضي: "لست أنا من يحفر في الحكومة بل إنّني أحفر مشاريع للحكومة، بين حفر في الحكومة يريده البعض لأسباب معينة وهذا شأنه، ولا يؤدّي الى أيّ نتيجة. ولا يوقف الحفر لمصلحة الحكومة أو لمصلحة لبنان. نحن نحفر طرقات وننظف عبّارات ونستخرج منها الأوساخ وكلّ ما جاء اليها من سيول سياسيّة وسيول طبيعية، من أمطار وإلى ما هنالك، ونستوعب كلّ شيء ونرمي حيث يجب أن نرمي في كلّ المجالات". واعتبر أنّ استهدافه مربوط بالشقّين السياسي والوزاري.

أمّا باسيل فأكّد "أنَّ جوهر الخلاف يتلخّص بأمور عدّة، أوّلها أنَّه لا يفترض أن نكون مدقّقين في كلّ مرّة في قرارات مجلس الوزراء كيف تصدر؟ وكيف يتّفق عليها، أو في مراسيم كيف تنفّذ ومتى؟ وكيف تصدر؟ أو في قوانين معيّنة"، وأضاف: "الذي لا يريد اعتراضات، فليصدر القرارات حسبما اتّفق عليها، لا أن يأتي بأمور تارة من خارج الجدول، وطورا من مكان آخر، فهناك روحيّة نقاش، وأمور إمّا متوافقة مع القانون أو خارجة عنه، ولا يجوز القيام بأمور لا أريد أن أصفها تارة بأنَّها تفسّر بخطأ ماديّ وتارة تفسّر بسوء تسجيل أو تصحيح، ولا يجوز أن نقضي نصف وقتنا نراجع الأمور ونسعى إلى تصحيحها من قرار الكهرباء إلى كلّ القرارات من بعده".

وعلى رغم أنّ هذا السجال لم يُطوَ، فقد رأت مصادر مطّلعة أنّ باسيل أراد من فتح ملفّ شقّ الطرق وتعبيدها ردّا عونيّا على الاعتراض الجنبلاطي الذي شهده ملفّ الكهرباء الذي أُقرّ أخيرا بعد تعديل في مجلسي الوزراء والنوّاب، وشكّل الوزراء والنوّاب الجنبلاطيّون رأس حربته.

لكنّ مصادر وزارية دعت إلى أن "لا ينفخنَّ أحد في ما جرى خلال جلسة مجلس الوزراء لكي يقول للناس إنّ الحكومة تتآكلها الخلافات ولن تستطيع ان تنتج"، وطمأنَت "الى أنّ الحكومة مستمرّة وأنّها تعالج الملفّات تباعا مهما سادت جلساتها من مناقشات حادّة".

وقالت لـ "الجمهورية": "لطالما شهدت مجالس الوزراء نقاشا بهذه الحدّة، ولكن تصوير الأمر وكأنّه مقدّمة لتضعضع حكومي هو غير صحيح. فلدى مناقشة ملفّ الكهرباء حاول البعض القول انّ هذا الملفّ سيُكهرب الحكومة وسيسقطها، فتبيّن لاحقا انّ قراءته خاطئة، ونستطيع التأكيد الآن انّ قراءة البعض للنقاش الذي حصل في الجلسة على انّه يؤشّر الى تضعضع أو اهتزاز حكومي هي قراءة غير صحيحة".

وأكّدت المصادر انّه تمّ تضخيم ما جرى في الجلسة "فقد بدأ نقاش هادىء بين باسيل والعريضي حول الاعتمادات التي خصّصت لشقّ وتعبيد عدد من الطرق في مختلف المحافظات، وهذا تعبير طبيعي عن تعدّد وجهات النظر حول عدد من الملفّات. صحيح انّ وتيرة النقاش تأخذ أحيانا بعض الحدّة، ولا ننكر انّ الصوت قد ارتفع خلال النقاش، لكن لماذا تصويره على انّه علامة من علامات الاشتباك السياسيّ؟ فكلا الوزيرين أكّدا عدم وجود خلاف سياسيّ، وإنّما خلاف في الرأي حول طريقة إدارة بعض الملفّات".

وذكرت المصادر أنّه "عندما طرح ملفّ الكهرباء، كان للعريضي وجهة نظر اكّدت ضرورة وضع ضوابط لادارة هذا الملفّ، والآن في موضوع الطرق اكّد باسيل ضرورة وضع بعض الضوابط في هذا الملفّ. والمسألة لا تخرج عن سياقها الطبيعي وعن حرص الوزيرين على نجاح معالجة أيّ ملفّ من الملفّات التي يناقشها مجلس الوزراء".

التعيينات

وإلى ذلك، ذكرت المصادر أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة طلبا من الوزراء الذين لديهم شواغر في وزاراتهم الإبلاغ عنها لكي تجري المقابلات للمرشّحين للتعيين في إطار الآلية التي أقرّتها الحكومة السابقة لجهة مثول هؤلاء أمام لجنة لإبراز الاكفّأ منهم، وبالتالي ليتاح للوزير انتقاء اسم من بينهم لأيّ موقع في الفئة الأولى في وزارته. ولذلك ينتظر أن يتحرّك هذا الملفّ من خلال هذه الآليّة، وكلّما انجزت اللجنة وفق الآليّة المقرّة دراسة ملفّات تصل الى مجلس الوزراء ويقترح الوزير اسم المدير العام وينظر فيه المجلس.

وعن صحّة الخلافات حول هذا الملفّ، قالت المصادر: "نحن في لبنان على الرغم من وجود آلية للتعيينات الادارية فإنّ التركيبة الطائفيّة في البلاد لا تدع هذه التعيينات تمرّ من دون توافق ما بين المواقع الاساسيّة في الحكومة".
 
المحاكمة الغيابيّة

وفيما لم تبتّ الحكومة بعد بموضوع تمويل المحكمة الدولية، شهدت هذه الاخيرة تطوّرا لافتا أمس تمثّل في شروعها بالمحاكمات الغيابية

للمتّهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري غيابيّا، فحدّدت غرفة الدرجة الأولى فيها مهلة زمنية، لكلّ من مكتب المدّعي العام والمتّهمين، بغية إيداع مذكّراتهم الخطّية في شأن الإجراءات الغيابية، كذلك حدّدت تاريخ 11 تشرين الثاني المقبل موعدا لانعقاد الجلسة العلنيّة الأولى.

وأوضح الخبير في القانون الجنائي الدولي الدكتور أنطوان سعد لـ"الجمهورية" أنّ هذه الجلسة هي افتتاح للمحاكمة الغيابية، وسيتم خلالها التداول في موقف السلطات اللبنانية من عدم توقيف المتّهمين الأربعة من كوادر حزب الله، على أن يفسح بعد ذلك في المجال أمام الدفاع لكي يقدّم مرافعاته وطعونه في جلسات لاحقة وصولا الى اختتام المحاكمة.

التمويل مستحيل…

وعلى صعيد التمويل، اختصر مصدر قياديّ بارز في قوى 8 آذار نهاية هذا الملفّ بـ"كلمتين اثنتين، لا كلمة ثالثة بعدهما"، قائلا لـ"الجمهورية": "التمويل مستحيل، وثلاث نقاط على السطر". مكرّرا: "من آخرتها، تمويل ما في"، وختامها، أنّه "لن يمرّ لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النوّاب". وأدرج كلّ السيناريوهات المتداولة في الخارج والداخل حول التمويل "في إطار المناورات الميقاتيّة وغير الميقاتية وإرضاء للخارج، هذه رسائل للخارج لكن لن تؤتى أُكُلها".

وأكّد المصدر من جهة أخرى "أنّ استياءً يسود صفوف فريق 8 آذار من مواقف رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط تجاه سوريا. وطمأن الى انّ "لا شيء يهدّد بفرط الحكومة، فهذه الحكومة مستمرّة وميقاتي لن يستقيل، والحكومة باقية إن شاء الله حتى سنة 2013".

وإلى ذلك، أكّدت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" أنّ تمويل المحكمة لم يطرح خلال جلسة مجلس الوزراء أمس الأوّل لا من قريب ولا من بعيد". وسألت: " لِمَ العجَلة في طرحه؟ فهناك متّسع من الوقت ومحاولة البعض "دفش" هذا الموضوع هي محاولة غير بريئة".

الهيئات الاقتصاديّة

من جهة ثانية، يتوقّع أن يشهد موضوع تصحيح الأجور جولة جديدة من الخلاف بين المعنيّين، ربّما تهدّد بإضرابات لتتحوّل أزمة بدلا من أن تكون حلّا، وذلك في ضوء ما قرّرته الهيئات الاقتصادية والجمعيّات التجارية والفاعليّات الاقتصادية في الاجتماع الموسّع الذي عقدته في "البيال" أمس، حيث كرّرت رفضها القرار الحكومي الأخير الذي قضى بتصحيح الأجور، واعتبرته "غير قانونيّ"، محذّرة من "المفاعيل السلبيّة للقرار، والذي قد يؤدّي الى زيادة التضخّم والبطالة والعجز في الموازنة، وتكون الحكومة بقرارها هذا ضربت مصالح العمّال وأرباب العمل والاقتصاد الوطني في آن".

مرسوم الأجور للقطاع الخاص

وفي المقابل أوضحت مصادر وزارة العمل لـ"الجمهورية" أمس أنّ الوزير شربل نحّاس أنجز صيغة المرسوم الخاص بتعديل الحدّ الأدنى للأجور والزيادة التي تقرّرت على شطري الأجور وسيحيله اليوم الى مجلس شورى الدولة. وقالت إنّ هذا المرسوم وضع بالصيغة التي أقرّها مجلس الوزراء، وهو خاص للتطبيق في القطاع الخاص، لأنّ تطبيق الزيادات في القطاع العام يحتاج الى مشروع قانون ستحيله الحكومة الى مجلس النوّاب للبتّ به لاحقا في اعتبار أنّه يرتّب على الدولة إنفاقا يقارب 850 مليار ليرة".

وعن مصير التعديلات المقترحة على مستوى شطب الشطر الثاني من السلسلة، أي المليون و800 ألف ليرة، قالت المصادر: "إنّ القانون الجديد الذي ستحيله الحكومة سيلغي هذا الشطر على مستوى رواتب القطاع العام، وتحديدا لموظفي الوزارات والمؤسّسات العامّة والهيئات المستقلّة وموظفي البلديّات".

غصن يردّ

وفي أوّل ردّ فعل على مقرّرات الهيئات الاقتصاديّة، قال رئيس الاتّحاد العمّالي العام غسان غصن ليل أمس لـ"الجمهورية": "إنّ سياسة الأجور لا يحدّدها اصحاب العمل، بل تحدّدها الدولة وترسمها الحكومة في إطار التوازن المعيشي والأمن الاجتماعي". وأضاف: "نحن نستعجل المرسوم الخاص الذي يضعه وزير العمل ليأخذ المراحل التنفيذية لأنّنا نعتبر أنّ هذه الخطوة شكّلت تصحيحا للأجور وخطوة الى الأمام، وأعتقد أننا لسنا على استعداد للعودة الى الحوار حول ما تقرّر".

وتوقّف غصن عند الشعار الذي رفعه أحد المتحدّثين في اللقاء من أنّ المهمّ ان يبقى عمل للعمّال في لبنان، فقال: "سيبقى هناك عمل للعمّال في لبنان، فالعمّال لا يعملون بالسخرة أو للغير، ولا عمل من دون ان يكونوا قادرين على ان يأكلوا ممّا ينتجون.

وتعليقا على كلفة تمويل الزيادة في القطاع العام التي يقال إنّها تتجاوز 850 مليار ليرة، قال غصن: "ننصح الحكومة بأن تعمل على جباية ما يكفي من الضرائب والرسوم وتبحث عنها من غير جيوب العمّال والفقراء، وليبحثوا عنها من الضرائب على رؤوس الأموال واليخوت والطائرات مثلا". 

السابق
معمر القذافي… من الثورة الى الحفرة
التالي
اللواء: المحاكمة الغيابية ممكنة في 11 ت2؟