في مديح الـدي. في. دي

للأقراص المدمّجة مكانة بارزة في الحياة اليومية للناس. لغالبية الناس المسحورين بالمُشاهدة. ليست المُشاهدة سينمائية. إنها اقتراب من عالم مُدهش، يريدون التواصل معه بأي ثمن، بحثاً عن متعة. رغبة في تمضية وقت. سعياً لمعاينة ما يجري. للأقراص المدمّجة بريق لا يوصف. إيجابياته كثيرة. مُقارنتها بالسلبيات لا تنفع، بقدر ما تؤكّد أن المُشاهدة يُفترض بها أن تكون سينمائية. لكن الأقراص تلك مُذهلة. لأنها تُغني المرء عن أشياء كثيرة تُنغصّ عليه فرح الذهاب إلى الصالة السينمائية، ورغبة المُشاهدة في طقس سينمائي متكامل.

الأسباب الدافعة إلى اقتناء الأقراص المدمّجة هذه كثيرة. في دول عربية عدّة، لم تعد الصالة مساحة ثقافية، أو طقساً فنياً. هذا كلام مُكرَّر. الأقراص المدمّجة تحايلٌ على واقع مرفوض، من أجل هدف أسمى. التقنيات المرافقة للصناعة هذه باتت أقدر على إثارة متع بصرية مختلفة خارج الإطار التقليدي المعتمد، تاريخياً، في المُشاهدة. الشاشات الكبيرة. التجهيزات الصوتية حديثة ومتقنة الصنعة الباهرة. الأشكال المختلفة (بلو راي. الأبعاد الثلاثة. إلخ.) موجودة. المقاعد مريحة. الاطمئنان إلى الهدوء التام ضرورة. الإقامة في عزلة قصوى أساسية. هذه أمور مفقودة في الصالة السينمائية. هذه أمور متاحة في المنزل الخاصّ. هذا مدخل إلى تفعيل أقوى للعلاقة بين المُشاهِد والمُشاهَد، بعيداً عن ثرثرة وإزعاج قميئين.
الاشتغال السينمائي مُعتَمِدٌ، أكثر فأكثر، على تقنيات مغايرة للتقليد السينمائي المعتمد. لن أدخل في نقاش ثقافي وجمالي وتقني حول المسألة هذه. أذهب إلى الأقراص المدمّجة للقول إنها الطريق الأنسب والأفضل والأكثر راحة لمُشاهدة منزّهة عن كل عيب، متأتّ من أناس يأتون إلى الصالات السينمائية لأغراض لا علاقة لها بالفن والثقافة والجمال. أذهب إلى الأقراص المدمّجة للقول إنها الوسيلة الوحيدة، راهناً، للاطّلاع على العالم، سواء كانت أقراصاً مقرصنة أم لا. القرصنة موضوع آخر. التشديد هنا قائم على المُشاهدة فقط. على المناخ المحيط بها.

هذا كلّه جزء من دوافع الذهاب إلى الأقراص المدمّجة. هناك دوافع أخرى: مهرجانات لبنانية أو عربية لا تتردّد عن عرض أفلام مُشاركة في مسابقاتها الرسمية بنسخ «دي. في. دي.». أو ما يُشبه الـ«دي. في. دي.» لأسباب متفرّقة. نواد سينمائية ارتكبت الفعل نفسه. السؤال: طالما أن مؤسّسات كهذه تعتمد الأقراص المدمّجة، فما الذي يدفع المرء إلى الخروج من المنزل، إذا امتلك التقنيات نفسها؟ النقاش؟ غائبٌ. التواصل مع الناس؟ هناك مساحات أخرى لتواصل كهذا. بشاعة الخارج تحريضٌ على البقاء في الداخل، حيث العلاقة بالسينما والمُشاهدة أكثر حميمية. أجمل وأنقى وأهدأ. أقدر على منح المُشاهد القدرات كلّها لمُشاهدة مختلفة. لمُشاهدة ممتعة أيضاً.
الأقراص المدمّجة فعلٌ قاتل للسينما. هذا صحيح. تمنح المرء فرصة التحكّم بالمُشاهدة ما يحلو له، بدلاً من منح الذات، انفعالاً وعقلاً ومخيّلة ومشاعر، للفيلم أثناء عرضه. لصاحبه أيضاً. لكن، للضرورة أحكام أحياناً. أليس كذلك؟  

السابق
اعتصام لموظفي القطاع العام في صيدا
التالي
على حزب الله إلقاء ترسانته العسكرية… فوراً