«حزب الله» و«الإخوان المسلمون»: أين يختلفان وأين يلتقيان؟

 تتسم العلاقة بين «حزب الله» وقيادة التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين» في هذه المرحلة، بالبرودة وضعف التنسيق حيث توقفت اللقاءات الثنائية او المشتركة بين قيادة الحزب وقيادات «الإخوان» سواء في مصر او خارجها، وآخر لقاء عقد بين الطرفين كان خلال الزيارة التي قام بها وفد من قيادة «الإخوان المسلمين» في مصر برئاسة المرشد العام الدكتور محمد بديع الى لبنان للتعزية برحيل امين عام «الجماعة الإسلامية» الشيخ فيصل المولوي، حين عقد الوفد لقاء مع وفد من «حزب الله» برئاسة رئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم أمين السيد في مقر الأمانة العامة لـ«الجماعة الاسلامية» في بيروت.
وباستثناء العلاقة القوية والمستمرة على اعلى المستويات بين قيادة حركة «حماس» (احد تنظيمات «الاخوان») وقيادة «حزب الله»، فإنه لم تحصل اية لقاءات على مستوى قيادي بين الحزب وتنظيمات «الاخوان المسلمين» في الوطن العربي. وقد يكون الخلاف حول الموقف من الوضع في سوريا وانشغال قيادة «الاخوان» في مصر بالوضع الداخلي والتحضير للانتخابات المقبلة احد ابرز الاسباب لتوقف اللقاءات بين الطرفين. فأين يلتقي «حزب الله» مع «الإخوان المسلمين» في هذه المرحلة وان يختلف مع هذا التنظيم؟ وما هي الاسباب العميقة للخلافات؟ وهل هناك امكانية للعودة الى عقد اللقاءات بين الطرفين؟

العلاقة التاريخية

تعود العلاقة بين قيادة «حزب الله» وقيادة «الاخوان المسلمين» الى ما قبل تأسيس الحزب في لبنان في مطلع الثمانينيات، لأن معظم كوادر الحزب كانوا على صلة مع القيادات الاخوانية في العراق ولبنان والكويت والبحرين، بل ان فكر «حزب الدعوة» وتنظيمه (وهو احد روافد «حزب الله») تأثر بشكل كبير بفكر «الاخوان». وكانت الكتب التي تنتجها قيادات «الاخوان» تدرس في حلقات «حزب الدعوة» و«اللجان الاسلامية» و«الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين» وعلى ايدي علماء من لبنان والعراق وإيران.
وكان كل من لبنان والكويت من ابرز محطات التواصل بين الطرفين وخصوصاً من خلال احد القياديين في «حزب الدعوة» الشيخ علي كوراني، اضافة للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله والراحل آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين. كما شهد العراق تأسيس حزب اسلامي مشترك ضم علماء سنة وشيعة وكانوا على صلة بـ«الاخوان المسلمين» و«حزب الدعوة».
كما امتدت العلاقة الى القيادات الإيرانية حيث تولى مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي ترجمة كتب «الاخوان» للفارسية، كما حصل تعاون كبير بين عالم الدين الإيراني نواب صفوي وقيادات «الاخوان» في مصر وسوريا. اضافة الى تبني القيادات الشيعية لقضية مرشد «الاخوان» سيد قطب خلال ازمته مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر وقبل تنفيذ القرار بإعدامه.
إذن كانت العلاقة وثيقة بين الطرفين مما مهد لأفضل العلاقات بعد تأسيس «حزب الله» عام 1982 وانطلاقة «المقاومة الاسلامية» التي شكلت نقطة اللقاء بين «حزب الله» و«الجماعة الاسلامية» بدعم من قيادات «الاخوان».

التوافق الفكري والسياسي

ويجد المطلعون على المشروع الفكري والسياسي لـ«حزب الله» ومعظم تنظيمات «الاخوان المسلمين» في الوطن العربي نقاطاً عدة مشتركة بين الطرفين إن لجهة الدعوة لحاكمية الله أو إقامة الحكم الاسلامي او الموقف من الغرب وتطبيق الاحكام الشرعية في الأحوال الشخصية. كما ان تطور رؤية الحزب الفكرية والسياسية ومشاركته في الانتخابات البلدية والنيابية والحكومية تزامن مع تطور فكر «الاخوان» في العديد من الدول العربية حيث شارك «الاخوان» في الانتخابات والحكومة، كما ان الطرفين بدأا منذ فترة بتبني الدعوة للدولة المدنية والديموقراطية وعدم التمسك بإقامة الحكومة الإسلامية او الخلافة. وعلى صعيد الجوانب التربوية والتنظيمية، فهناك نقاط مشتركة بين الطرفين، برغم تأثر الحزب بالثورة الايرانية على صعيد اسلوب العمل الجماهيري، وحرص «الاخوان المسلمين» على اعتماد المنهج الإصلاحي والتدريجي.
وبالإجمال يمكن القول إن هناك قواسم مشترك فكرية وسياسية بينهما برغم انهما أتيا من خلفيات مذهبية مختلفة وبروز بعض التباينات السياسية في بعض المراحل.

اللقاء في ساحة المقاومة وفلسطين

يشكّل الموقف من المقاومة والقضية الفلسطينية احد ابرز النقاط المشتركة بين «حزب الله» و«الاخوان»، فالطرفان لديهما موقف جذري في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. وفي لبنان، تعاونت «الجماعة الاسلامية» و«حزب الله» على تأسيس «المقاومة الاسلامية» وكان لـ«الجماعة» إطارها الخاص تحت اسم «قوات الفجر» التي نفذت عمليات مهمة في صيدا ومنطقتها، كما تعاون الحزب والجماعة على تنفيذ العديد من العمليات المشتركة وذلك حتى مرحلة متقدمة ما قبل التحرير عام 2000، كما انه خلال حرب تموز 2006 وقف «الاخوان المسلمون» و«الجماعة الاسلامية» في لبنان الى جانب «حزب الله» وأصدر الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل المولوي فتوى شهيرة لدعم «حزب الله» رداً على بعض المواقف السلفية المعارضة للحزب، كما ان مرشد «الاخوان المسلمين» السابق مهدي عاكف اعلن دعمه لـ«حزب الله» برغم بعض الاعتراضات التي صدرت من قبل جهات سنية وسلفية. أما على الصعيد الفلسطيني، فكان الموقف واحداً وموحداً لدعم كل القوى المقاومة وخصوصاً حركة «حماس» التي شكلت المساحة المشتركة المستمرة بين الطرفين مهما تقلبت الظروف والأوضاع.

حركة «حماس» والتواصل والدعم

لعبت حركة «حماس» عبر رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ونائب رئيس المكتب موسى ابو مرزوق ومعظم قياداتها وخصوصاً مسؤولها للعلاقات الدولية اسامة حمدان دوراً اساسياً للتواصل بين «حزب الله» و«الاخوان المسلمين» عامة و«الجماعة الاسلامية» في لبنان على الأخص.
وعقدت عشرات اللقاءات التنسيقية بين الطرفين برعاية «حماس» ومسؤوليها سواء في لبنان او دمشق او طهران. وكانت الحركة تتولى معالجة اية اشكالية تبرز بين الحزب و«الاخوان»، كما ساهمت في إزالة العديد من الاشكاليات الفكرية والسياسية التي تبرز احياناً بسبب وجود بعض الاتجاهات السلفية او عند حصول مواقف سلبية من قبل رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي رداً على بعض المسائل المتعلقة بالخلافات المذهبية.
ولعل اهم مؤسسة شكلت محوراً للتعاون والتلاقي بين الطرفين كانت «مؤسسة القدس» التي ضمت قيادات عربية وإسلامية من إيران و«حزب الله» و«حماس» و«الاخوان المسلمين» إضافة لقوى اخرى. كما عمد «حزب الله» الى تقديم كافة اشكال الدعم المادي واللوجستي والعملي لحركة «حماس» في فلسطين المحتلة وتولى قائد المقاومة الشهيد الحاج عماد مغنية هذا الملف الى حين استشهاده، كما استشهد العديد من قيادات المقاومة الذين كانوا يتولون متابعة عمليات دعم القوى الفلسطينية، ومنهم الشهداء ابو حسن سلامة وغالب عوالي وعلي صالح.

لبنان والإشكاليات

اما القضية الاولى التي احدثت بعض الشرخ في علاقة «حزب الله» بتنظيمات «الاخوان المسلمين» ولا سيما «الجماعة الاسلامية» في لبنان، فكانت بدأت بعض بوادرها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فكانت ان اقتربت الجماعة من «تيار المستقبل» وابتعدت عن الحزب، وتطور الوضع غداة حرب تموز 2006، وكذلك بعد احداث ايار 2007 حيث شنت «الجماعة» حملة قاسية ضد الحزب وأرسلت تقارير الى قيادات «الاخوان المسلمين» شرحت فيها أخطاء الحزب وتضمنت التقارير بعض النقاط السلبية التي لم تلق الارتياح لدى قيادة الحزب.
وبرغم ان بعض قيادات «الاخوان»، ولا سيما المرشد العام السابق الاستاذ مهدي عاكف بقي الى جانب «حزب الله» ودافع عنه، فإن ذلك لم يمنع بروز بعض التباينات التي اسست لبعض الأجواء السلبية ولا تزال قائمة حتى اليوم.

سوريا: المحطة الفاصلة

أما الملف الأكثر سخونة الذي برزت فيه الخلافات بوضوح بين «حزب الله» وقيادات «الاخوان المسلمين» فكان الموقف من التطورات في سوريا بعد اعلان الحزب دعمه للنظام برئاسة بشار الأسد، في حين ان «الاخوان المسلمين» بكافة اطرافهم وتنظيماتهم اعلنوا وقوفهم الصريح والواضح بجانب التحركات الشعبية ونددوا بأداء النظام السوري.
وقد انعكست هذه المواقف على العلاقة بين الطرفين فلم تعقد اية لقاءات مباشرة، باستثناء اللقاء الدوري بين «الجماعة الاسلامية» و«حزب الله» الذي تحول الى لقاء شكلي لم يتطرق الى القضايا الاستراتيجية.
وقد سعت حركة «حماس» الى معالجة الاشكالات وعقدت خلال الاشهر الماضية عدة لقاءات على مستوى قيادي بارز بين الحركة والحزب لبحث الوضع في سوريا وكيفية معالجة الأوضاع، كما تولى كل من السيد حسن نصر الله ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل التواصل مع القيادة السورية سعياً لإطلاق مبادرات اصلاحية، علما أن العلاقة بين الحزب والحركة مستمرة وهناك هاجس مشترك هو «المسألة السورية».
اذن العلاقة بين «حزب الله» و«الاخوان المسلمين» تمر اليوم بمرحلة دقيقة وحساسة وهناك خلاف واضح حول المسألة السورية، لكن ذلك لا يمنع من التلاقي على صعيد الموقف من المقاومة وفلسطين، اضافة الى مواجهة المخططات الاميركية والغربية والتوافق على الرؤية الفكرية والسياسية، فالطرفان يتبنيان اليوم الدعوة لإقامة الدولة المدنية والديموقراطية ويرفضان الفتنة المذهبية والاتجاهات الإسلامية المتشددة. لكن يبدو ان قنوات التواصل والتنسيق تحتاج الى متابعة جدية، كما ان علاقة «حزب الله» بتنظيم «الجماعة الاسلامية» في لبنان تتطلب اعادة نظر للاستفادة من دور «الجماعة» وقياداتها للتنسيق مع قيادة «الاخوان»، لأنه لم يعد جائزاً ان تسعى قيادة «حزب الله» لإقامة العلاقة القوية مع التنظيم الدولي لـ«الاخوان» من دون أي تنسيق عملي مع قيادة «الجماعة» في لبنان وهي تشكل عنصراً اساسياً في قيادة «الاخوان». فهل يتجاوز «حزب الله» و«الاخوان» المأزق الحالي عبر الاستفادة من دور حركة «حماس» و«الجماعة الاسلامية»؟ ام ان الجميع ينتطر مآل الوضع في سوريا والمنطقة؟ 

السابق
ثورات الشعوب والموقف من أميركا والغرب
التالي
صيدا: لإنجاز «سندات ملكية التعمير»