هل المطلوب أغبياء لتصديق الكذبة الاميركية الجديدة !!؟

ينبغي أن نكون أغبياء جداً حتى نصدّق أن إيران، الدولة المحاصَرة بألف لون وشكل أميركي وأوروبي، يمكن أن تكون غبية جداً، إلى الحد الذي يجعلها تفكر، مجرد تفكير، في اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة الأميركية… وفي عقر دارها العظيم… وبهذا الجهل الذي لم يُعرف يوماً عن السياسة الإيرانية!

وينبغي أن نكون أغبياء أكثر حتى نصدّق أن الإدارة الأميركية اختارت سفير المملكة العربية السعودية، عن عبث أو «عَبَط»، ليكون شمّاعة جديدة يفترض أن تعلّق هذه الإدارة، عليها، في المرحلة المقبلة، حملات إعلامية ـ إعلانية، ودبلوماسية إقليمية ودولية، ضد إيران.

وينبغي ان نكون أغبياء أيضاً لنصدق قول أحد المسؤولين الأميركيين بعد 24 ساعة على إعلان «اكتشاف الجريمة» أن العقاب الذي تفكر فيه الولايات المتحدة لإيران سيكون دبلوماسياً لا عسكرياً، من دون أن نربطه بقول أحد المسؤولين العسكريين الإيرانيين الذي هدد الأميركيين بجعلهم «لا يستطيعون الوقوف على أقدامهم» في المنطقة إذا فكّروا بضربة لإيران بعد هذه «المسرحية السخيفة» التي أرادوا السفير السعودي «هدفاً» لها! والعلاقات الإيرانية ـ السعودية أصلاً ترقص من دون دفّ!

 وتزداد الامور غرابة مع رد الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده ونظيراه النمساوي ميخائيل اشبندلنغر والإسبانية ترينداد غارسيا هيريرا عقب توقعيهم وثيقة تأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان والثقافات بالعاصمة النمساوية فيينا، إن«الدسائس والمؤامرات لن تؤدي إلى نتيجة، خاصة مع المملكة العربية السعودية»، معلنا أن بلاده تُحمل إيران مسؤولية ما تكشف عن خطة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، معددا أن إيران هي التي خططت وأن إيران هي التي مولت وما ذلك إلا رغبة منها في زيادة المشاكل بين الدول وخلق زعزعة في العلاقات»، مضيفا «إيران تحاول ممارسة ضغوط وسياسات استفزازية لن ترضخ لها المملكة التي سيكون لها رد فعل محسوب ومقدر»، مبديا أسفه لاتباع إيران لسياسات لن تقودها إلا لطريق مسدود بعيدا عن مسار وضوابط القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار، قائلا: «يؤلمنا ذلك، فإيران دولة جارة وإيران دولة مسلمة ولم نتوقع أن تقوم بعمل كهذا».

وينبغي أن نكون أغبياء أيضاً أيضاً حتى لا نُقيم أي صلة بين إعلان إنجاز صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل والتي رضخت فيها إسرائيل لشروط المقاومة الفلسطينية، والإعلان الأميركي باتهام إيران بمحاولة الاغتيال «العتيدة»، في الليلة نفسها، وفي وقت واحد، بحيث كانت الشاشات تنتقل بين هذين الخبرين «برشاقة» استثنائية! وبدلاً من أن يغطي الإعلام خبر الصفقة التي عززت منطق المقاومة، ومقولة أن مواجهة إسرائيل لا تكون باللجوء إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي بل بتوازن «الرعب» ولو المحدود، أكل الخَبَرُ الذي أعلنته الإدارة الأميركية عن «استهداف» السفير السعودي لديها، من مساحة خبر الصفقة، في ما يشبه «الإنقاذ» المرتّب والمضبوط على الساعة!
لكن، هل هذه المعطيات، وحدها، في حالنا العربية، ينبغي أن نكون أغبياء لنصدقها؟ طبعاً لا…
أَوليسَ من الغباء مثلاً أن نصدق أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «قويّ» إلى الدرجة التي يخوض فيها «حروباً» عدة دفعة واحدة دون أن يرفّ له جفن (بالإذن من الرئيس فؤاد السنيورة) سواء مع النظام السوري الذي يتحدث معه «من فوق»، أو مع إسرائيل التي يتحدث كذلك معها «من فوق» في موضوع الاعتذار في قضية سفينة «مرمرة»، أو مع إيران التي يتحدث معها أيضاً «من فوق» في موضوع نشر الدرع الصاروخية، وأخيراً مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي حدّثه أردوغان «من فوق» سطوح الديموقراطية والصدق والكذب… وكل ذلك تَمّ وسط «عبسة» عثمانية انتقلت من خانة الخلافة الإسلامية القديمة إلى خانة الإسلام الحضاري في البلد العلماني!
و… أَوليسَ من الغباء أن نصدق أخيراً لا آخراً أن دولة مثل قطر، «قوية» إلى المدى الذي يجعلها بيضة القبان في القضايا التي تهم العالم العربي اليوم من سوريا إلى ليبيا إلى اليمن إلى مصر إلى الخليج العربي، وتكاد لا تندلع مسألة أو أزمة بين ظهرانينا إلا وتكون قطر حاضرة ناضرة… في طفرة سياسية تذكّر بالطفرة المالية والاقتصادية لإمارة دبي قبل أن تُدَهْوِرَها البورصات العالمية!

تحتل حالياً تركيا وقطر الصدارة في الحراك السياسي الإقليمي، في ما يبدو كأنه عملية «نفخ» منظمة، تمهيداً لوقائع جديدة يُراد رسمها على الأرض، وسط غياب شبه كامل للقوى الإقليمية المعروفة التي أخْفَتْ أصواتها أو أُخفيت عمداً لغايات في نفس الإدارة الأميركية. وهل تظن تركيا وقطر أنهما ترسمان بأيديهما أم تنفذان الرسم فقط لا غير، وبثمن قد لا يكون مضموناً أبداً؟

إننا أمام حرب جديدة، بدأتها الإدارة الأميركية، عبر المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ضد إيران. لم تنتهِ الحروب السابقة أصلاً، لكن إدخال العنصر السعودي، وبهذا اللبوس الفتنوي، مدعاة للتشويق الإضافي. لن تستطيع المملكة العربية السعودية ان «تتنفّس» لا سلباً ولا إيجاباً في هذه القضية، من دون الرأي الأميركي. ولن يُترك لها المجال لتدقق، في أي «إثبات» معقول، فإثبات التهمة على إيران لن يكون أصعب من «إثبات» تهمة أسلحة الدمار الشامل على عراق صدام! انها حرب أميركية «دفاعاً» عن الدبلوماسية السعودية وعن الأمن الأميركي معاً، فمن يجرؤ على مخالفتها ما دامت ستضع إيران في قوس العاصفة عقاباً جديداً لها على وقوفها إلى جانب النظام السوري بحيث يتساوى البلدان العاصيان في الاستهداف المباشر، وفي آن معاً. وعلينا أن نراقب في الأيام القليلة المقبلة حركة العازفين التركي والقطري في الاوركسترا الدولية الجاري تركيبها لهذا الموضوع… وأن نتذكّر دُبيّ!

وينبغي، في النهاية، أن نكون أغبياء تماماً لنصدّق ان الصواريخ الإيرانية المرهوبة الجانب شرقاً وغرباً، لا دور لها في احتفاظ الإدارة الأميركية، حتى الآن، بذكائها!
 

السابق
أوساط الاشتراكي: الوسطية خيار جنبلاط
التالي
عن رحلتي في بلاد الأميركان (2): أنا الجنوبية صدّقت الحرية… لكن ماذا عن إسرائيل؟