جنبلاط يهرب من المحليات إلى الأفق الأوسع

 بعد كل موقف سياسي يطلقه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط ولاسيما من خلال اطلالته الاسبوعية في افتتاحية جريدة "الانباء" الناطقة باسم الحزب التقدمي الاشتراكي، يجد نفسه امام دفق من التحليلات والتفسيرات التي غالبا ما تجنح الى التشكيك والحديث عن انعطافة او اعادة تموضع، وهذا ما دفعه في لحظة انفعال الى القول: “لست مستعدا للخضوع يوميا لعملية فحص دم في السياسة"، وهو يؤكد "اننا وان كنا جزءا من تحالف سياسي عريض، لكننا لسنا تابعين لأحد ولا نعطي توقيعا مجانيا على اي ملف لأي كان"، وقد اثبت بالفعل استقلالية في الموقف من كثير من الملفات التي طرحت في الآونة الاخيرة، وانه كما يقول "يزين مواقفه بما يتلاءم مع المصلحة الوطنية العليا بمعزل عن الاصطفاف السياسي حتى داخل الحكومة".

وقد لوحظ ان جنبلاط استهل موقفه هذا الاسبوع بعبارة "بعيدا عن سيل التحليلات والتفسيرات المتواصلة في لبنان والتي ترتكز حصرا على القشور"، محاولا على ما تقول اوساطه، الخروج من قمقم التأويلات والسجالات المحلية الى رحاب الافق الاوسع، فاذ به يسبح في البحر العربي الذي تتلاطمه امواج التغيير، فذهب الى قراءة دقيقة لتقرير عن "التنمية الانسانية العربية" صدر عام 2002 عن برنامج الامم المتحدة الاجتماعي والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي" في محاولة لتشخيص امراض العالم العربي. ومما لفت جنبلاط ان المؤشرات والارقام التي تضمنها التقرير "لا تزال سارية حتى اليوم دون تعديلات تذكر بسبب غياب السياسات التنموية وغياب الديموقراطية في معظم البلدان العربية".

وكان التقرير المذكور محور ندوة على شبكة "سي.ان.ان" التلفزيونية الأميركية قبل نحو عشرة ايام وتابعها جنبلاط، وقد ادارها الكاتب الاميركي فريد زكريا مدير تحرير مجلة "نيوزويك" وشارك فيها عدد من الخبراء الذين اجمعوا على انه "من اهم التقارير التي تشخص بدقة امراض العالم العربي".
واذ يلفت جنبلاط الى ما اورده التقرير عن "المآسي التي يخلفها الاحتلال الاسرائيلي الذي يمتد على رقعة جغرافية كبيرة وعلى مسافة زمنية طويلة"، فانه يتوقف عند اشارته في الوقت نفسه الى "استخدام الاحتلال الاسرائيلي كذريعة من العديد من الانظمة العربية لمنع التحول الديموقراطي داخلها" ويخوض في بعض النقاط التنموية التي وردت فيه كالتعليم والتربية التي "غالبا ما تبتعد عن المقاربة الابداعية عند الطلاب لتستبدل بالمقاربة التلقينية لشعارات ومبادئ اكل الدهر عليها وشرب، فتضع افكارها في قوالب جامدة بدل تنمية حسهم النقدي".

وفي التقرير عناوين مهمة هي عمليا اقرب الى النصائح ومنها: "اذا توافرت الارادة السياسية فان البلدان العربية تتوافر لها الموارد اللازمة لاستئصال الفقر المطلق ربما في غضون جيل واحد، فالالتزام السياسي وليست الموارد المالية، هو القيد المانع" وفيه ان "الحرية هي الضامن وهي الهدف للتنمية الانسانية وحقوق الانسان"، ويلفت في محال آخر الى عنوان كبير "يعزّ" على وليد جنبلاط الحريص على البيئة والمياه والذي يساهم في تمويل انشاء برك كبيرة للمياه في منطقة الشوف ويحرص على زيارتها بين فترة واخرى، والعنوان هو "ضعف برامج الاقتصاد في استخدام المياه وترشيد الاستعمال وغياب البرامج لادارة المياه". وعلى الصعيد الاقتصادي يلفت الى ان "الناتج المحلي الاجمالي لكل البلدان العربية مجتمعة يقل عن الناتج لدولة اوروبية واحدة كإسبانيا"، ويدعو الى "نطاق واسع من المبادرات لتوفير فرص العمل التي توظف بشكل تام القدرات الانسانية وتعزز الكرامة الانسانية وتعالج جوانب الفقر غير المتعلقة بالدخل مثل الاستعباد والاستضعاف".

وفي خلاصته ان "الحكم الصالح يشمل حكم القانون، الشفافية، الاستجابة، بناء التوافق، المساواة، الفاعلية والكفاءة، المساءلة والرؤية الاستراتيجية" وان "حكم القانون هو الاساس الذي تبنى عليه جميع المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات الحكم الاخرى بما فيها التمثيل السياسي المنصف والامين" ويوصي بـ"الحرية لا التسلط، الابداع لا التبعية، الكفاءة لا المحسوبية، المؤسسات لا الفردية"، وفيه ربما ما يحتاج الى بعض التدقيق اذ ورد ان "مجموع ا لكتب المترجمة الى اللغة العربية منذ عصر المأمون وحتى الآن بلغ نحو مئة الف كتاب، وهو ما يوازي تقريبا ما تترجمه اسبانيا في عام واحد"! (صفحة 76).

ولعل هذا التقرير الصادر قبل تسع سنوات يستحق الاهتمام الفعلي اليوم سواء أكان على مستوى الافراد أم المؤسسات بما فيها مؤسسات الحكم في العالم العربي، وقد استبق الكثير مما يشهده هذا العالم ليس فقط على المستوى السياسي بل الانمائي والانساني بشكل عام!
 

السابق
مصادر 14 آذار: مواقف دار الفتوى تتطابق مع السعودية والحريري
التالي
الشريف: لا فيتو سعودي على ميقاتي