اللعبة مفتوحة في مصر على الفرصة والخطر

 ليس اهم من تحديد موعد للانتخابات النيابية في مصر بعد ثورة 25 يناير سوى تعديل قانون الانتخاب. فالقانون الذي اصدره المجلس الاعلى للقوات المسلحة مشوب بعيوب اساسية ابرزها اثنان: اولهما الجمع بين النظام النسبي على اساس القوائم الحزبية وبين النظام الاكثري في دوائر فردية. وثانيهما تخصيص نصف المقاعد ل العمال والفلاحين من دون تحديد حقيقي لمن تنطبق عليهم هذه الصفة. اما العيب الاول، فان من مخاطره الافساح في المجال امام الاثرياء واعضاء الحزب الوطني المحلول الحاكم سابقا للفوز بمعظم المقاعد في الدوائر الفردية عبر وسائل عدة. واما العيب الثاني، فانه في التطبيق الذي دلت تجاربه منذ الرئيس جمال عبد الناصر الى الرئيس حسني مبارك مرورا بالرئيس انور السادات على ان تسعين في المئة ممن احتلوا مقاعد العمال والفلاحين هم من الضباط السابقين كما اعترف المرشح الرئاسي وزير الخارجية السابق والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى.
وليس سرا ان الذين يؤيدون هذا القانون هم من بين الجماعات الاسلامية والسلفية وانصار الحزب الحاكم سابقا وبعض احزاب المعارضة التقليدية. في حين ان المعترضين هم شباب الثورة والقوى الليبرالية واليسارية والاحزاب الجديدة التي لم تأخذ وقتها المطلوب وفرصتها الضرورية للوصول الى كل فئات الشعب في المدن والارياف وتقديم برامجها الديمقراطية الثورية. ومن الطبيعي ان يستفيد المجلس الاعلى للقوات المسلحة من الخلاف بين التيارات لكي يحقق رؤيته للمرحلة الانتقالية بما يحدث تأثيرا مهما على المرحلة الدائمة بالنسبة الى اعداد الدستور الجديد الذي يمهد للانتخابات الرئاسية التي لا يزال الجدل حولها قائما بين شعارين: من يريد نظاما رئاسيا اخر بصلاحيات اقل مما تمتع به الرؤساء الفراعنة، ومن يرى ان الانظمة الرئاسية في مصر والعالم العربي كانت كارثة، ويريد نظاما ديمقراطيا برلمانيا.

والواقع ان ثورة 25 يناير تواجه خطرا بمقدار ما منحت فرصة. فلا الثورة اكتملت. ولا الثوار وصلوا الى السلطة، لا كون الثورة شعبية من دون ايديولوجيا وقيادة كاريزماتية يخفي ان العناوين التي انطلقت من اجلها معروفة ومحددة وهي الانتقال السلمي الى دولة مدنية ديمقراطية. ولا اندفاع التيارات المتشددة الى المطالبة بدولة دينية وحتى باستعادة الخلافة الاسلامية يعني ان هذا هو المسار الحتمي لما بعد الدولة الامنية التي سقط رئيسها ودخل السجن مع العديد من اركانها.

والسؤال الكبير الذي ضاع الجواب عنه في غمرة الحماسة الثورية لانتزاع الحرية واكتشاف قوة الشعب هو: هل يصح القول ان المجلس العسكري الذي تسلم كل السلطة عملياً تسلمها ب الوكالة عن الشعب والثوار أم انه استعاد في الواقع الامانة من مبارك ولديه اسباب عدة للتصرف على اساس انه تسلم السلطة ب الاصالة؟ صحيح ان المجلس العسكري يكرر القول يومياً انه يريد تسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة. لكن الصحيح أيضاً ان الأوضاع الأمنية في مصر والتقاليد الموروثة على مدى عقود تغري العسكر بخيار معقد: من جهة وضع مدنيين في واجهة السلطة ليتحملوا هم اعباء السياسات الاقتصادية والمعالجات الاجتماعية، ومن جهة اخرى الامساك بجوهر السلطة في الأمور الأساسية المتعلقة بالأمن القومي وما يتفرع عنه من قضايا. وليس ذلك على الطريقة التركية كما يقال، لأن الفوارق كبيرة بين الاوضاع في مصر وتركيا وتجربة كل منهما وبنية الجيش في البلدين. ولا هو بالطبع على الطريقة المصرية منذ ثورة 23 يوليو بل تجربة مصرية جديدة مختلفة كثيراً في الشكل وقليلاً في الجوهر. أليس من اللافت ان المجلس العسكري احال 11 الف ناشط من شباب الثورة الى المحاكم العسكرية، وكان معدل الحكم على كل منهم هو السجن خمس سنوات، في حين أحال رئيس النظام واركانه الى محاكم جنايات مدنية؟

مهما يكن، فان اللعبة مفتوحة، فلا التحالف المفترض بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين ثابت او هو خالٍ من بعض الخلافات على بنية الدولة، من حيث يعتبر العسكر ان الدولة المدنية خط احمر ويتحدث الاخوان المسلمون في العلن عن دولة مدنية لها مرجعية اسلامية وفي الكواليس عن دولة دينية في النهاية، ولا قوى الثورة تعبت من النزول الى ميدان التحرير للضغط على المجلس العسكري والمطالبة بتصحيح المسار كلما تعقدت الامور في المرحلة الانتقالية.
ومن الصعب بعد اليوم تجاهل قوة الشعب، بصرف النظر عن الشكل الذي تأخذه قوة السلطة العسكرية والمدنية.
 

السابق
الثورة السورية في طور جديد ومرحلة متقدمة!
التالي
سورية المستَهدَفة وليس الأسد وحده ؟!