“جنسيّتي حقّ لي ولأسرتي”: مطلبٌ هل سيتحقق؟

 هل النصّ الذي يتيح للزوج اللبناني إعطاء جنسيته الى زوجته الاجنبية تلقائيّا، بعد مرور سنة على الزواج، يجب تعديله؟ وما هي الضوابط الواجب إدخالها على القانون الجديد؟ وهل ثمّة خشية من أن تكون الجنسية معبرا للتوطين؟ وهل ثمّة معاناة عائليّة من جرّاء عدم منح هذه الجنسيّة؟ وألا يشكّل ذلك انتهاكا صريحا للدستور اللبناني ولشرعة حقوق الإنسان التي كان للبنان مساهمة جوهريّة في وضعها؟

يرتكز القانون اللبناني حصراً على رابط الدم بالوالد، إذ يُعتبر لبنانيّاً كلّ شخص مولود من أب لبنانيّ أينما كان محلّ ولادته، لذا فإنّ الوالدة اللبنانية لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها، ممّا يؤدّي إلى الانتقاص من حقوقها الأساسية كمواطنة في حدّها الأدنى. ويجاز للبنانيّ المتزوج من أجنبية أن يمنحها الجنسيّة اللبنانية بعد مرور سنة واحدة على تاريخ تسجيل الزواج في قلم النفوس بناءً على طلبها، في حين أنّ اللبنانية المتزوّجة من أجنبيّ تبقى محتفظة بجنسيتها اللبنانية إلى أن تطلب شطب قيدها من سجلّات الإحصاء لاكتسابها جنسية زوجها.

ويعطي القانون اللبناني ايضا للأمّ الأجنبية التي اكتسبت الجنسية اللبنانية حقّ منح هذه الجنسية لأولادها القاصرين إذا بقيت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها، في حين أنّ القانون اللبناني يمنع إعطاء مثل هذا الحقّ للمرأة اللبنانية الاصل.

عطيّة

تقول المحامية صونيا إبراهيم عطية لـ"الجمهورية" "إنّه يجب الإقرار بداية أنّ أسَراً مؤلفة من زوجة لبنانية وزوج أجنبي تعيش معاناة حقيقية، وتواجه صعوبات جمّة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لا بل على اكثر من صعيد. وذلك انّ بعض هذه الاسَر، المؤلفة من زوجين وأولادهما، تقيم فعليّا في لبنان منذ الزواج بحيث انّ افرادها يرغبون في الاستقرار والعمل فيه لأنّه الوطن الحقيقي لهم. ومرَدّ هذه المعاناة الى كون المرأة اللبنانية لا تستطيع منح جنسيتها لزوجها الاجنبي واولادها. ولذا لا بدّ من إيجاد حلّ قانوني لهذه المسألة يتيح للمرأة إعطاء جنسيتها لزوجها واولادها بعد درس كلّ حالة بمفردها".

وتضيف عطية "أنّ الحلّ المقترح لا يمكن ان يكون نصّا عامّا وشاملا، لأنّ مصلحة الوطن تأتي في المرتبة الاولى قبل مصالح الافراد. والنص العام والشامل يسمح بزيجات صورية، عبر احتيال على القانون، يتيح للأجنبي اكتساب الجنسية اللبنانية. ومن ناحية اخرى فإنّ مثل هذا النص يمكن ان يؤدّي الى توطين آلاف اللاجئين الفلسطينيين ان لم نقل اكثريتهم الساحقة، وهذا أمر غير مرغوب فيه، بل ترفضه الدولة والشعب اللبنانيّين، كذلك ترفضه المراجع الاساسية في السلطة الفلسطينية. وتضيف عطية: "إنّ اللاجئ الفلسطينيّ، وفي ضوء نصّ عام وشامل يعطيه الجنسية اللبنانية بزواجه من لبنانية، قد يقدم على زواج حقيقيّ وليس صوَريّا او احتياليّا، يمنحه وأولاده هذه الجنسية، الامر الذي يؤدّي الى تجنيس الفلسطينيّين وتوطينهم.

وتشدّد عطية على "أنّ النص الذي يتيح للزوج اللبناني إعطاء جنسيته لزوجته الاجنبية تلقائيّا بعد سنة على زواجهما، يجب تعديله بحيث لا تكتسب الزوجة الجنسيّة الّا بعد خمس سنوات على الاقل للتحقق من كون الزواج حقيقيا وليس صوَريا الغاية منه اكتساب الجنسية اللبنانيّة".

أبوشبكة

وتقول المحامية رولا أبو شبكة لـ"الجمهورية" "إنّ قانون الجنسية الحالي الموروث من عهد الانتداب و"المنتهية صلاحيته"، لا يمنح المرأة اللبنانية حقّا بمنح الجنسيّة لزوجها الاجنبي وأولادها مساواةً بالرجل اللبناني، وفي ذلك انتهاك صريح للدستور ولشرعة حقوق الإنسان التي كان للبنان مساهمة جوهرية في وضعها". وتضيف: "إنّ هذا التمييز العنصري قد أنتج مشاكل كثيرة ليس للمرأة فقط، بل لعائلتها وزوجها وخصوصا لأولادها، وذلك على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، كالحقّ في التعليم والطبابة والضمان الصحّي، وهذه المشاكل تطاول أيضاً الطبقة الغنيّة، خصوصا على صعيد العمل والإقامة والإرث. ففيما يتعلّق بالتعليم، هناك أفضلية للبنانيّين للدخول الى المدارس والجامعة اللبنانية. وعند تخرّجهم لا يستطيعون العمل إلّا بوظائف ثانويّة ولا يمكنهم تولّي وظائف في الدولة والانتساب الى النقابات ولا ممارسة مهن حرّة كالمحاماة مثلاً. وأيضاً في ما يتعلق بالزوج الذي يحتاج الى إقامة وإجازة عمل وأن يكون لديه ربّ عمل، أي لا يمكنه ممارسة مهنة حرّة. أمّا على صعيد الإرث، فأبناء اللبنانية المتزوّجة من أجنبي يعامَلون كالأجانب في موضوع الإرث والتملّك، في حين أنّ أولاد الاجنبية التي توفّي زوجها اللبناني يمكنهم أن يرثوا ويتملّكوا كونهم يصبحون لبنانيّين! كلّ هذه المشاكل أدّت وتؤدّي الى تفتيت العائلة الى شتات وتتفاقم الصعوبات على المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبيّ في حالات وفاة الزوج أو هربه أو الطلاق. وهذا التمييز في القانون بين الرجل والمرأة لا يمكن تصحيحه إلّا بقانون يصدره المشترع اللبناني، إلّا أنّ التمييز بين المرأة اللبنانية والمرأة الأجنبية والذي تطرحه إشكالية المادّة الرابعة من قانون الجنسية يمكن تفاديه خصوصا في ظلّ الصمت التشريعي حسب توصيف الرئيس جون القزي وتكييفه القاعدة القانونيّة واستنباطه الحلّ في قضيّة سميرة سويدان عبر ولوج باب التفسير القانوني، أي تفسير النصّ حسب نيّة المشترع لوضع حلّ عادل وإنسانيّ يتماشى مع الدور الرياديّ للقضاة ألّا وهو إحقاق العدل والإنصاف".

وتضيف أبو شبكة: "لا يمكن أن يكون المشترع قد فضّل أولاد المرأة اللبنانية بالدم على الأولاد الأجانب للمرأة اللبنانية في التجنيس. إذا أتى هذا الحكم فريداً ليس فقط في ما يتعلق بقانون الجنسية، بل في ما يتعلّق بدور القاضي الذي رفعه الى دور القاضي الاجتماعي والريادي الذي يعطي تفسيرا ترميميّا للقانون "acte d’interpretation reinstaurateur" بهدف حماية الأسرة والمجتمع ككلّ والذي له شرف النطق باسم هذا المجتمع و"باسم الشعب اللبناني". لكن للأسف ما كدنا نتنفس الصعداء إلّا وجاء حكم محكمة الاستئناف لينسف، ليس حكم الرئيس قزّي فقط، وإنّما نسف دور القاضي كسلطة قضائيّة مستقلة وتعدّدية صلاحيّاته، لا سيّما دور القاضي الرعائي الذي يطبّق القانون بروحية العدالة. وأعادنا حكم القاضيّات في محكمة الاستئناف الى الوراء، الى دور القاضي الخادم للقانون أو القاضي الموظف شأنه شأن أيّ مسؤول في إدارات الدولة يلتزم التعليمات، وهو أمر خطر على استقلاليّة القضاء. ويبقى على المرأة اللبنانية أن تواجه مصيرها بِلا وجَل وأن تسلك، كما ردّد القاضي قزّي، "رحلة العمر بين الذلّ والظلم"، وحبّذا لو نتمكّن من استئصال اليباس من النفوس كما تمكّن هو من استئصاله من النصوص".

قانون يستثني الفلسطينيّين

وإلى ذلك يدعو المحامي هارلي البستاني إلى "ضرورة إعطاء المرأة جنسيتها اللبنانية لأولادها بغية إعطائهم الهويّة اللبنانية ولزوجها الأجنبي لتمكينه من العمل والإقامة في لبنان بلا أيّ تكاليف ومعاملات سنوية للإقامة وإجازة العمل". ويشير الى "أنّ الوظائف التي يمكن الزوج العمل فيها إذا كانت من الفئة الثانية، تحتاج إلى توافر شروط معيّنة، منها عدم وجود شخص لبناني يشغلها، وبالإضافة إلى التكاليف الباهظة للإقامة وإجازة العمل فإنّه لا يستطيع العمل في الوظائف العامّة". ويضيف: "إنّ زوجاً من الجنسيّة العربيّة أقام بإجازة عمل كخادم لدى زوجته اللبنانيّة حتى يستطيع تأمين شروط إقامته". ويلفت الى "أنّ وضع الأولاد في هذه الحال من حيث عدم حصولهم على الجنسيّة اللبنانية وعلى أيّ ضمانات مستقبليّة مثل فتح حساب مصرفي باسمهم هو أمر غير عادل، خصوصا أنّ المصارف تقوم اليوم بما يسمّى بـ contrat de fiducie وهو فتح حساب للولد، ولكن لا يستطيع التصرّف به إذ يتوجّب عليه تكليف شخص ثالث، وعادة يكون إدارة المصرف، وذلك حتى بلوغه الثمانية عشر من العمر. والوضع الأصعب هو الإقامات السنويّة للأولاد وكلفتها وتأمين الأوراق اللازمة لها. ولعلّ المانع الأساسيّ لعدم إقرار قانون إعطاء الزوجة اللبنانية الجنسية لزوجها الاجنبي ولأولادهما هو بسبب الوجود الفلسطينيّ في لبنان والخوف من التوطين، خصوصا وأنّ لبنان يضم اليوم تقريباً نحو نصف مليون فلسطيني، وتجنيسهم يؤدّي إلى تغيير الوضع الديموغرافي للطوائف في لبنان. والحلّ يكون بإقرار قانون جنسية يقضي بإعطاء الزوج الأجنبي المتزوّج من لبنانية وأولادهما الجنسيّةَ بعد مرور سنة على زواجهما، على أن يلحظ هذا القانون استثناء الزوج الفلسطينيّ من نَيل الجنسية اللبنانية عملاً بمبدأ الدستور اللبناني القاضي بعدم جواز التوطين".

حملة "جنسيتي"

وتقول السيّدة لينا أبو حبيب منسّقة حملة "جنسيتي حقّ لي ولأسرتي" إنّه تمّ إنشاء هذه الحملة عام 2001 وأطلقت من لبنان عبر مجموعة من النساء والمنظّمات النسائية والشخصيات العامّة وامتدت إلى مصر وتونس والبحرين والجزائر وسوريا ولبنان المنسق الأساسي للحملة. وقد بدأت الحملة عبر إجراء البحوث القانونيّة والإحصائية في كلّ البلدان لمعرفة عدد النساء اللواتي يعانين من هذا الظلم والمحرومات من هذه الحقوق. ويزداد عدد المنتسبين الى الحملة في شكل ملحوظ في كلّ البلدان". وأضافت أبو حبيب "أنّ الحملة تضمّ اليوم أعضاء بارزين في المجتمع كزاهي وهبي وسهى بشارة وزينا دكاش وكريستينا صوايا وشربل روحانا، وتنظّم نشاطات اجتماعية ومسيرات مواكبة وتظاهرات سلميّة وملحقات إعلامية وندوات، إضافة إلى اتّصالات الخارجية وتواصل مع السياسيّين في كلّ المناطق المعنيّة. وقدّمت الحملة مشروع قانون الى رئيس الحكومة في 27 تمّوز 2011، ونظمت تظاهرة اجتماعية انطلقت من وزارة الداخلية إلى مقرّ مجلس الوزراء حيث قدّم المتظاهرون عريضة حول قانون الجنسية إلى ممثل لرئيس الحكومة، وهي تتابع الموضوع وتنظّم الاجتماعات لمعرفة ما حدث لهذه العريضة ومدى اهتمام الحكومة بالمبدأ الأساسيّ للمساواة والعدالة وعدم التمييز في المواطنة".

عائلة تنتظر الاستئناف

وتقول فاطمة ابنة سميرة سويدان، المرأة التي حكم لها القاضي جون القزّي بمنح الجنسيّة اللبنانية لأولادها، والذي رُفض رفضاً قاطعاً واستؤنف الحكم ووصل الآن إلى مرحلة التمييز، إنّها "لا تملك الجنسيّة اللبنانية وأشقاءَها الثلاثة لأنّ والدها مصريّ، وعلى الرغم من أنّ والدتها لبنانية فهي للأسف لا تستطيع إعطاءهم الجنسية اللبنانية بحكم قانون الجنسية".

وأضافت أنّ عدم نيلهم الجنسية اللبنانية يشكّل لهم عائقا كبيرا في المجتمع من ناحية التوظيف والاستفادة من الضمان الاجتماعي ودخول الجامعات والنقابات، وخصوصا في مجال الطبابة، فوضعهم الحالي لا يسمح لهم الاستفادة من المستشفيات الحكومية وظروف حياتهم قاسية جدّاً". وأضافت فاطمة أنّ شقيقتها متزوّجة من لبناني وهي حتى اليوم لم تنل الجنسية ولا حتى ابنها "بسبب استلشاق الدولة". كما أنّ عائلتها رازحة تحت أزمة حقيقية وهي "أنّ أخويها مطلوبان إلى "خدمة العلم" في مصر لثلاث سنوات ولا يعرفان أين تقع مصر وليس لديهما أقارب فيها. وإن لم يخدموا

"العلم"، فإنّ السفارة المصرية لن تجدّد الإقامة لهما في لبنان"، فضلا عن أنّ والدها مدفون في لبنان، أي أن ليس لديهم أيّ رابط بمصر، وأنّهم لبنانيّون أكثر من ايّ لبناني في لبنان. لهذا السبب قرّرت والدتها التقدّم بدعوى ضدّ الدولة اللبنانية لنيل الجنسية مثلما يحصل في أيّ دولة أوروبية وإنّ القاضي جون القزي "حكم بعدالة وبضمير" ولكن الحكم استؤنف وبلغ الآن مرحلة التمييز في انتظار صدور الحكم النهائي. وفي حال لم يأتِ هذا الحكم لمصلحة عائلتها ستكون هناك خيبة أمل كبيرة لأنّ مصيرالعائلة معلّق اليوم بهذا الحكم، فإما يكون نقطة بداية لحياة مستقرّة أو دمار لعائلة ولعائلات أخرى تعاني المشكلة نفسها".

وعلى رغم كلّ الحديث عن هذه القضية، والمطالبات المتكررة بمعالجتها، لم يتقدّم أيّ طرف بعد بمشروع يمكّن المرأة المتزوجة من أجنبي إعطاء جنسيتها لأولادها، لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى المجلس النيابي. وهذا ما يدلّ على غياب النيّة الصادقة بإقرار قانون يحمي المرأة اللبنانيّة ويساويها مع الرجل. 

السابق
«صيدا تي في»: تلفزيون على الإنترنت
التالي
حوري: انتخاب الطوائف والمذاهب لنوابها من الكبائر