كيف ينظر الشباب الفلسطيني إلى إعلان دولة الـ67؟

للمرّة الثالثة منذ العام 1948، تقرّر القيادة الفلسطينية الممثلة بالسلطة الفلسطينية إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول الجاري، وذلك بعد إعلان حكومة عموم فلسطين في غزة في أيلول 1948، وإعلان الاستقلال على الضفة الغربية وقطاع غزة في تشرين الثاني 1988.

وتثير نية السلطة إعلان الدولة على حدود العام 1967 نقاشا بين الفلسطينيين، في الداخل وفي الشتات، انعكس في ندوات ومؤتمرات ومقالات عديدة تتناول القضية بين التأييد والرفض. ويزداد النقاش حدّة مع اقتراب الموعد الذي حددته السلطة في أيلول الجاري، لا سيما بعدما نُشر الأسبوع الماضي تقرير بعنوان "قانوني دولي يكشف: استحقاق أيلول يشكل خطراً على حقوق أساسية للفلسطينيين". وكشفت الوثيقة عن المخاطر الكبيرة التي تشكّلها مبادرة الأمم المتحدة في حال تضمنت نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية إلى دولة فلسطين. هذا الأمر بحسب الوثيقة سيلغي الوضعية القانونية التي تتمتع بها منظمة التحرير في الأمم المتحدة منذ العام 1975 (والمعترف بها دوليا منذ العام 1974) كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وستؤثر هذه الخطوة سلباً على تمثيل حق تقرير المصير، لأنه حقّ يخصّ كل الفلسطينيين، سواء تواجدوا في داخل الوطن المحتل أو خارجه. ويؤكد الرأي القانوني أن هذا التغيير في الوضع التمثيلي سيهدد بشكل كبير حق اللاجئين العودة إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها قسراً.

لكن ماذا عن آراء الشباب الفلسطيني في الأرض المحتلة والشتات؟ ماذا عن أصواتهم إزاء استحقاق أيلول؟ يحاول "شباب السفير" من خلال هذا الاستطلاع رصد آراء بعض الشباب الفلسطيني، كمقدمة لسلسلة حلقات تنشر في الأسابيع المقبلة، علّها تساهم في الحوار الشبابي الفلسطيني حول ما يتعلق بإعلان الدولة بكافة جوانبه.

يشرح فارس شوملي (17 عاماً، بيت ساحور) وهو طالب سنة ثانية إعلام في جامعة بيرزيت وجهة نظره من الخطوة التي تنوي السلطة الفلسطينية القيام بها، معتبرا أن لها إيجابيات وسلبيات. يقول إن "نشر القضية الفلسطينية وخلق ضجة إعلامية حولها من خلال هذه الخطوة هو أمر إيجابي. ولكن من جهة أخرى سينجم عنها استبدال تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لكافة الشعب الفلسطيني بتمثيل "دولة سبتمبر" لبعض الفلسطينيين المقيمين حالياً في الضفة الغربية وغزة، مما يعني التنازل عن حق العودة للاجئين، سواء المقيمون بمخيمات الضفة الغربية أو بمخيمات الشتات". ويضيف شوملي: "ما يلزمنا الآن ليس دولة فلسطينية على حدود الجدار، لأن هذه الدولة سوف تدخلنا أكثر في مصائب أوسلو وتداعيات الوهم الذي عشناه من بعده بأن لدينا سلطة ودولة، وقد باتت مهمة السلطة التفكير بكيفية دفع رواتب الموظفين بدلاً عن التحرير!".

من جهتها، ترى نسرين عواد، وهي صحافية من رام الله أنه من المثير للاستغراب كيف يتم التداول بموضوع التقدم بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية سواء من قبل السلطة الفلسطينية أو وسائل الإعلام المحلية، وكذلك من قبل الأطراف المعارضة كإسرائيل وأميركا، حيث تشعر بأنّ الموضوع يبدو أقرب إلى السوريالية بما يتعلق بالتغيير المفاجئ لمجرى الأحداث. نسرين التي درست العلوم السياسية والعلاقات الدولية تشعر بأن كل نظرية من نظريات العلاقات الدولية عاجزة عن تفسير ما سوف يحدث في أيلول. وتضيف: "كشابة أكثر ما يثير استغرابي هو أننا لم نطبق أي شرط من شروط السياسة في المرة الأولى التي قررنا أن نمارس فيها السياسة، أقصد هنا الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. الإعلام الرسمي يروّج لجاهزيتنا لإقامة الدولة، إلا أن الحياة اليومية تؤكد عدم جاهزيتنا لأي شيء، وكأن الأمور تجري بهذه الاعتباطية".

ونسرين التي لا تعارض التقدم بطلب الاعتراف، بل تعترض على توقيته، تطرح العديد من التساؤلات التي تظهر برأيها عبثية الخطوة التي تنوي السلطة القيام بها: "كيف نقيّم جاهزيتنا للدولة وكلّ مقومات الدولة لا نملكها؟ الحدود، السيادة، المواطنون والموارد الطبيعة؟ أي دولة نقول إننا جاهزون لإعلانها في ظلّ ما تعانيه المحافظات الفلسطينية؟"، وتعطي أمثلة عن الشح في المياه وعن عدم القدرة على التحكم بالحدود والمعابر وعن الوضع الاقتصادي. وتضيف: "كلنا نعلم أن "الكلمة بوقتها بتساوي قنطار".. هل نحن جاهزون فعلا لكلمة دولة!؟".

محمود قديح (21 عاماً)، وصل القاهرة لدراسة الهندسة الطبيّة بعد أن تمّ ترحيله من رام الله العام الماضي. بالنسبة له إعلان الدولة في أيلول، هو مشروع لتكريس المناصب والامتيازات لمسؤولي السلطة، و"الدولة الأيلولية" لن تحرّك ساكناً من أجل تغيير الظروف في الأراضي المحتلّة، ولا لاستعادة حقوق ملايين اللاجئين، "ما يعني أنها ستكون دولة باطلة، لا تمثلني، ولا يعوّل عليها".

أما في حيفا، فلمجد كيال (20 عاماً)، وهو شاب فلسطيني يدرس الفلسفة والعلوم السياسية، رأيه الخاص بإعلان الدولة. يقول: "يستطيع المنطق الفطري لكلّ فلسطيني غير منتفع من الأرزاق الأميركية أن يحتوي كل النقاش السياسي القانوني والثقافي المركب حول إعلان الدولة في سبتمبر، وأن يجزم أن أسرة أوسلو لا يمكنها أبداً أن تحمل مشروعاً يحفظ الحق الفلسطيني، لأن وجودها السياسي هو أساساً تحصيل حاصل لمنزلق بدأ بالانتهازية وانتهى بالعمالة".

كيال يعتبر أن المطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية مطالبة قاتلة لقضية فلسطين كقضية تحرّر الإنسان وقضية عودة اللاجئين، ويعتبر أن "الخطوة هذه تختصر تاريخ القضية الفلسطينية وتجعل من النكسة تاريخ بدايتها، وستحوّل القضية الفلسطينية، في حال الاعتراف بالدولة، إلى قضية صراع على حدود". وبذلك يصبح الاعتراف مساً بحق العودة، وبحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، ويكرس كذلك كل الشروخ والانقسامات الفلسطينية بين كل الفصائل وكل فئات المجتمع، "حيث يذهب جزء من فصيل فلسطيني ويتخذ خطوات مصيرية في حياة شعبنا من دون العودة إلى جماهير شعبنا في الداخل والشتات".

ويتابع شارحا كيف أن هذا الأمر سيفصل بين قيادة الدولة والشارع. وكل هذا سيتمثل بالقضاء على منظمة التحرير بشكلٍ نهائي. ويرى كيال أن الذين يريدون اليوم "دولة"، هم أنفسهم من قضوا على المقاومة، وهم الذين يكرسون السيطرة الإسرائيلية على الأراضي التي يريدون اليوم بناء دولتهم عليها.

السابق
تعزيز الكتيبة الإيطاليّة في الجنوب
التالي
اليوم.. في الاونيسكو لمحو الأمية