منع التدخين ربح مشترك

أصدرت جمعية «حياة حرّة بلا تدخين»، ومجموعة «البحث للحدّ من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت»، ومنظمة «إندي – آكت»، بياناً تردّ فيه على آراء صدرت عن نقابة المطاعم والمقاهي والملاهي، في جريدتي «السفير» و«النهار»، تعتبر أن إقرار القانون سيؤثر سلباً على اقتصادها. في ما يلي نص البيان:

«اعتبر أمين سر نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي طوني الرامي، في تصريح لجريدة «السفير» بتاريخ 22/8/2011، أنّ الإقبال على المطاعم سيتراجع بنسبة أربعين في المئة لدى تطبيق قانون الحد من التدخين في الأماكن العامة.
مع تفهّمنا المطلق لمخاوف أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي، نتحفّظ عن هذه الأرقام لأنّ أحداً لا يستطيع تأكيد أرقام شبيهة بشكل علميّ، قبل المضي قدماً في تطبيق القانون ومرور فترة زمنية على البدء بتطبيقه.. وقد بيّنت التجارب العالمية أن نسبة الإقبال على المطاعم زادت في البلدان التي طبّقت سياسات الحدّ من التدخين! ففي تركيا مثلاً، زاد الإقبال على المطاعم بنسبة خمسة في المئة، وهي الزيادة نفسها التي سجّلت في إيرلندا، علماً أنّ ايرلندا هي من أكثر البلدان شهرة على مستوى كثرة الحانات التي تقدّم الكحول فقط لا غير! وقد أسقطت بذلك مقولة أنّ «السيجارة رفيقة الكاس»، تماماً كما أسقطت فرنسا مقولة أنّ «التدخين والقهوة توأمان لا ينفصلان». ففي فرنسا، ما زالت المقاهي التي كانت تقدّم القهوة مع السيجارة فقط، والمعروفة باسم Tabac، تعجّ بالروّاد رغم أنها أصبحت خالية كلياً من التدخين! ولدينا لائحة طويلة من التجارب العالمية الناجحة التي لم تشر أيّ منها إلى خسائر تذكر.

أمّا في لبنان فقد يعتكف اللبناني، المحبّ للحياة، في منزله مدّة أسبوع أو أسبوعين على أبعد تقدير، ولكنّه لن يقبع في بيته طيلة العمر! وبالنتيجة، سيخضع للقانون إذا قرّر أصحاب المطاعم التقيّد به، وسيرتاد المطعم مجدداً، وكالعادة، وسيطلب كمية طعام أكثر بوقت أقلّ، ما يعود بربحية أكبر على أصحاب المطاعم (ما تثبته الدراسات في البلدان التي طبّقت القانون)، كما أنه سيتصرف بمدنية وحضارية مطلقة، كما يفعل عندما يسافر إلى البلدان المتقدّمة. فيخرج ويدخّن سيجارته، ثم يعود محترماً حرية الآخرين وخياراتهم الصحيّة بعدم التدخين.

ونرى ذلك يطبّق بشكل رائع وحضاري حالياً في المطاعم والمقاهي اللبنانية، التي بادرت من تلقاء نفسها، وتباهت بأنها خالية من التدخين كلياً، وهي تتعدى العشرين مطعماً ومقهى في بيروت وحدها!
ولا يغيبنّ عن بالنا أنّ هناك نسبة لا يستهان بها من اللبنانيين قابعة في بيوتها لا ترتاد المطاعم بسبب كثافة التدخين فيها، وهي تنتظر القانون منذ زمن لتغيّر نمط حياتها!
إن ذلك هو ما جعل أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي يتقبّلون ضمنياً هذا القانون، على ما أشار إليه نقيبهم السيّد بول عريس في مقابلة مع صحيفة «النهار» بتاريخ 23/8/2011، عندما قال إنّ «النقابة من مؤيدي قانون منع التدخين منذ اللحظة الأولى، وذلك اقتناعاً منها بضرورة المحافظة على صحة المواطن وأيضاً على صحة العاملين في المطاعم الذين يتعرضون وباستمرار الى الدخان مع كل أخطاره».

إنّه لتصريح مرحّب به وواع ومسؤول من النقيب، يدلّ على أنّ صحّة الإنسان وحريّته الفردية لم تسقط من حسابات النقابة أبداً، وهي تعلو على المصالح الفردية.
وكشف عريس أنّ النقابة كانت قد طلبت، مع الأسف، في وقت سابق، من لجنة الإدارة والعدل السماح للمقاهي اللبنانية وحدها بتقديم الأركيلة داخل صالاتها. ولكن، مجلس النواب رفض الطلب لأسباب جوهرية تتعلّق أوّلاً باعتبار ذلك ثغرة قانونية يمكن أن تستغل بطريقة تؤدي الى الالتفاف على القانون عبر إعلان كل مطعم أو مقهى يقدم الأركيلة أنه مقهى لبناني. ثانياً، أراد مجلس النواب الحفاظ على صحة العاملين في المطاعم، بمن في ذلك العاملون داخل صالات الأراكيل لمدة ثماني ساعات متواصلة.. هؤلاء الأفراد، ولو كانوا من المدخنين، يتمتعون بحقوق، ولا يجب أن يتعرضوا لدخان مئات الأراكيل يومياً.
وإذا كانت الحرية تسمح للشخص بأن يؤذي نفسه، فلماذا إذاً يعاقبه القانون إذا لم يضع حزام الأمان؟! ولماذا يسجن القانون من يتعاطى المخدّرات؟ أليس كلاهما حر بأن يؤذي نفسه!
وباسم الحريّة نفسها، علينا بحماية المواطنين الذين لا يريدون التعرض لدخان التبغ وحفظ حريّتهم الفردية وخياراتهم الصحيّة ومساعدة من يريد من المدخّنين على التخلّص من الآفة. والإحصاءات العالمية أظهرت أن نسبة المدخنين تنخفض بما يقارب العشرين في المئة في البلدان التي طبّقت القانون وخلقت أجواء عامة خالية من التدخين!

أمّا الأراكيل فستحافظ على أماكن يسمح بتدخينها فيها، تكون غير مغلقة، كما غيرها من الأنواع التبغية.. علماً أن معظم الأماكن التي تؤجر الأراكيل تتمتع بترّاس غير مغلق، ومن الممكن الاستفادة منه على مدى عشرة أشهر تقريباً، إذ إنّ لبنان يتمتّع بما يعادل ثلاثمئة نهار شمس في السنة، وليس ستّة أشهر فقط!
من جهّة أخرى، منح القانون سنة كاملة كفترة سماح لأصحاب الأماكن المغلقة كي يستعدّوا لتطبيق القانون. ما أثار تحفّظ بعضهم على ما أشار إليه الرامي، الذي اعتبر أنّ ذلك «سيؤدي إلى فوضى كبيرة وسيؤدي حتماً إلى تطييره». وأردف قائلا إنّ «الكثير من أصحاب المطاعم لا يبحثون حتى اللحظة عن خطة بديلة لتوسيع مساحاتهم الخارجية، لأن بعضهم يؤمن بفشل تطبيقه».
إلاّ أنّ فترة ستة أشهر فقط كانت أكثر من كافية في البلدان التي أقرّت سياسات الحدّ من التدخين! فكيف بفترة السنة إذا كانت هناك نية صادقة لتطبيق القانون؟ ولا يشك أحد منّا بقدرة اللبناني المذهلة والرائعة على التأقلم بسرعة، وعبقريته الإبداعية في الابتكار، وذوقه ولياقته وشطارته في إيجاد البدائل والأفكار الجديدة الخلاّقة لجذب الروّاد، خصوصاً في قطاع المطاعم!

فمن يخاف من الخسارة، سيمتلك القدرة الأكيدة على تحوير أعماله بما يتوافق مع القانون، ويعود عليه بالربحية الأكيدة. وإذا كان يعتبر نفسه تحت القانون، فخسارته تعوّض. أمّا خسارة الدولة لثلاثة آلاف وخمسمئة مواطن، ولأكثر من إثنين وخمسين مليون دولار سنوياً، فمن يعوّضها إذا لم تطبّق الدولة قانوناً «صارماً» للحد من التدخين؟
ولا شكّ لدينا بأنّ قطاع المطاعم يعتبر نفسه تحت القانون وليس فوقه، ما أكّده أمين سر النقابة نفسه، خصوصاً أنّ القانون قد أنصف أصحاب المطاعم ووقف إلى جانبهم في حال خالف زبون قرارهم وأبلغوا عنه!
 
ومن المعلوم أن تطبيق القانون منوط بشكل أساسي بقرار إدارة المطعم أو الملهى. فقد برهنت التجارب في المطاعم والمقاهي التي قررت منع التدخين فيها بشكل طوعي قبل إقرار القانون، أنّ أحداً لا يتجرّأ على التدخين داخلها، واستطاعت الإدارة بكل سهولة تطبيق قرارها.

فلتتضافر جهودنا سوياً من أجل تطبيق القانون، ولنعكس صورة حضارية للعالم عن نفسنا وعن وطننا. فاللبناني يتذمر، ويتّهم، بأنه لا يطبّق القانون، وهذه فرصة لنا لكي نغيّر هذا الواقع إذا ما بدأ كلٌّ منّا بتطبيقه، خصوصاً في مجال عمله. والقول إنّ «المواطن يحتاج إلى كثير من حملات التوعية في المدارس والجامعات والمؤسسات ليتقبل فكرة المنع هذه» هو غير دقيق، فجمعية «حياة حرّة بلا تدخين» تعمل على التوعية منذ 11 عاماً، وقامت وحدها حتى الآن بحملات توعية لإثنين وخمسين ألف طالب، وأسّست أكثر من مئة ناد في المدارس ضد التدخين، وحاضرت في أكثر من مئة جمعية وبلدية في جميع المناطق اللبنانية حتى الحدودية منها، وشاركت في جعل أكثر من خمسين مؤسّسة خالية كلياً من التدخين، وشاركت في أكثر من سبعين ندوة إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة. ولم نذكر بعد الدور الرائع في التوعية والمدافعة الذي أدّته «مجموعة البحث للحدّ من التدخين في الجامعة الأميركية» (وهي بالمناسبة جامعة خالية من التدخين منذ زمن، وقد لحقت بها أكثر من خمس جامعات في لبنان)، بالإضافة إلى منظمة «إندي آكت» ومناصرتها الفعّالة واللافتة على الأرض، و«الهيئة الصحية الإسلامية»، وأكثر من عشرين جمعية وهيئة من المجتمع المدني، تعمل على إنجاح تلك الخطوة.. عدا عن الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع والإلكتروني الذي أدى مشكورا وما زال يؤدي دورا جبّارا في مجال التوعية.

فالمواطن اللبناني واع وجاهز تماماً، ولو لم يتحوّل القانون إلى مطلب شعبيّ في السنتين الأخيرتين، لما شعر النواب بالضغط من اجل ضرورة إقراره. فالإحصاءات تشير إلى أنّ نسبة 65 في المئة من البنانيين تؤيد القانون، ونسبة 75 في المئة من الوافدين إلى مطار بيروت مستعدّون للالتزام به.
والالتزام بالقانون، كما هو بحرفيته، سيعود بالربحية على جميع المواطنين، لا سيّما أصحاب المطاعم الذين يقرّون ضمناً بذلك، كما أكّد نقيبهم، الذي أشار إلى أنّ «النقابة أجرت استفتاء لدى أصحاب المطاعم على أنواعها. وكانت الحصيلة ايجابية بالنسبة الى القانون باستثناء ردود أصحاب المقاهي اللبنانية الذين يتخوّفون من انخفاض حاد في حجم أعمالهم».
وعليه، وانطلاقا من حسّنا بالمسؤولية والتكامل مع القطاع الخاص، وخصوصاً قطاع المطاعم، نمدّ يدنا إلى النقابة الكريمة لنعمل سوياً على تطبيق القانون، ونحن على استعداد لنضع كل طاقاتنا تحت تصرّفها، وننظّم بالتعاون معها دورات تدريبية مجّانية لإدارات وموظّفي المطاعم لمساعدتهم على تطبيق القانون. كما نضع طاقاتنا بالفاعلية نفسها، تحت تصرّف الدولة اللبنانية والضابطة العدلية والشرطة السياحية والقوى الأمنية لندحض كلّ التنبؤات بالفشل، ونجعل من هذا القانون قصّة نجاح للدولة اللبنانية ومثالا يحتذى! 

السابق
إيران اقترحت على واشنطن الذهاب إلى المثالثة للنظام اللبناني!
التالي
البناء: حردان يُثمِّن المواقف الوطنية للجيش وحملة استنكار واسعة تحذّر من التعرّض للمؤسسة العسكرية