لغة المهزومين..

تظلّ اللغة أكثر من أي شيء آخر، دالّة إلى ظواهر الناس وبواطنها. فلتاتها تكشف المضمر. وتلوينها وتزويقها لا يكفيان دائماً لتغطية خلل أدائي في الذات والنيّات الفعلية، المعلنة والمكبوتة.
ولطالما كان علم الكلام أول أدوات علم النفس. وهو إن كان في المدارس القديمة صنواً للفلسفة، ثم بعدها (أو في موازاتها) صنواً للتثقيف والتفقيه الديني على اختلاف طوائفه ومذاهبه ومدارسه وملله ونحله وطبقاته، فإنّه في أيامنها وأحوالنا ولبناننا يدل على طبيعة ونوعية ثقافة المتكلم، كما إلى لونه السياسي، ثم إلى أمراضه الذاتيّة التي يعمل من حيث لا يدري، على توزيعها وإعلانها على الملأ، بدل أن يبقيها مضبوبة مستورة، مسدولاً الستار على خضّاتها ونوازعها وشططها وعللها.

لكن وجه الخطورة يكمن في إشاعة السفاهة وتعميمها باعتبارها نصّاً إعلامياً أو بياناً سياسياً (بالواسطة) بحيث أنّ هذه المهنة الجليلة والجميلة تكاد أن تصير تعبيراً دائماً عن حالة طوارئ فكرية، عدا عن محاولة وضعها في كرنتينا لعلل النفس الأمّارة بالشر والطغيان.. وتنظيراً للجريمة السياسية بكل أبعادها. مهنة أصابها جلاوزة اللغة بمسّ خطير: يكادون أن ينجحوا في جعلها صنواً مرادفاً لأفعال الشبيحة و"الذبّيحة". وفي مكان آخر، غير الذي فرضته وقائع الزمان والأقدار علينا، فإنّ ذلك النوع من الأداء الإعلامي لا يُسمَّى إلا بإسمه الواضح والصريح: تحريض على الفتك وسفك الدم.. والجريمة هذه في عُرف القاضي العادل، توازي جريمة الفاعل والمنفّذ.

سبق أن قيل كلام شجاع عن ذلك الأداء الإعلامي الجبان. لكن المعضلة القائمة، أنّنا إزاء حالة مزدوجة: واحدة شخصية تنم عن حالة صاحبها وأمراضه وأحقاده. وثانية تنم عن توجّه سياسي مبرمج، يجد أصحابه في الشتيمة والإسفاف بديلاً مناسباً من ضمور الرأي السياسي، وفقدان الحجّة الساندة للمنطق السويّ.
وفي الشكل يبقى ذلك الأداء، في مكانه ملك أصحابه، يدلّ عليهم ولا يستحق إلتفاتة لا في النظر ولا في القلم. لكن في المضمون فإنّ الأمر يبدو أكثر من السابق ترجمة (ركيكة) لمنهج يزداد استفزازاً واستنفاراً تبعاً لشعور أصحابه بالهزيمة، وبأنّ الدنيا تدور بعيداً عن كل حساباتهم الممانِعة.. رغم كل الإدّعاءات الحاكيات عن إنتصارات الهية تتوالى في الداخل اللبناني والخارج الاقليمي والدولي!!

السابق
خطة فاشلة..
التالي
اللبنانيون ليسوا أغبياء !