سلوك سعودي جديد تجاه حزب الله ودمشق

تكثر في الايام الاخيرة سلسلة المؤشرات المتعلقة بتداعيات الوضع السوري وانعكاسه على الساحة اللبنانية. وفي غياب اي اداء داخلي ملحوظ (باستثناء ملف الكهرباء) فان المراوحة اللبنانية تبدو مسيطرة على قوى المعارضة والاكثرية على السواء. فالطرفان يرصدان تطورات الوضع السوري عبر البوابتين الايرانية والسعودية، كي يبنيا على الشيء مقتضاه، رغم ان لـ"حزب الله" قدرة المبادرة والقرار على نحو يتقدم اخصامه المحليين، وتحديدا "تيار المستقبل".
من هنا جاء كلام النائب نهاد المشنوق اخيرا عن "ارتباط المتهمين الاربعة بالمرجعية الايرانية وأي قرار صدر بالاغتيال لا يمكن الا أن يكون قد بدأ بطهران ومرّ بدمشق ونفذ في بيروت"، ليعكس اشارة واضحة الى بدء اولى التحولات الاقليمية المرتبطة بالوضع الداخلي، كمؤشر الى احتمال حصول خلل في الاتصالات السعودية الايرانية بشأن لبنان وسوريا.

وتعكس مصادر سياسية لبنانية انطلاقا من الكلام العالي اللهجة اخيرا من جانب "المستقبل" تخوفا من ان تكون فترة المهادنة السعودية الايرانية التي انعكست على لبنان منذ حوادث سوريا، وحتى بعد صدور القرار الاتهامي شارفت نهايتها. وخصوصا انها المرة الاولى التي يعود فيها الحديث عن دور سوري وايراني مباشر في تنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعدما غيب "المستقبل" لأشهر طويلة اتهام سوريا وايران مباشرة باغتيال الحريري.

كما ان السعودية التي انكفأت عن مقاربة الملف السوري علنا، ولم يصدر عنها أي تلميح حول القرار الاتهامي، بدأت تعطي مؤشرات جديدة عن عودتها الى مقاربة الملف السوري، بعد الاتصال الذي جرى بين العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس الاميركي باراك اوباما. وكذلك زيارة الرئيس التركي عبدالله غول لجدة ، والتي أتت بعدما تبين لانقرة تجاهل الرئيس السوري بشار الاسد مجمل التعهدات التي كان قطعها لوزير الخارجية داود اوغلو عن وقف اعمال العنف والقيام سريعا بالاصلاحات المطلوبة.

وفي مقابل القوة الشيعية ومحور ايران – سوريا ـ "حزب الله"، بدا ان ثمة محاولة لخلق شريط سني – في غياب الدور المصري – قادر على القيام بدور اكثر فاعلية وهو ما لمحت اليه وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الاسبوع الماضي حين طالبت بدور لتركيا والرياض في الازمة السورية. مع انه كان للسعودية موقف قديم يحاذر صعود القوة التركية على البحر المتوسط. وللطرفين اهتمام بلبنان وفك الالة العسكرية لـ"حزب الله"، وبالمناطق السورية التي تجري فيها الاحداث سواء لجهة جغرافيتها المتصلة بتركيا او لانتمائها الطائفي الذي ترعاه الدولتان السنيتان. وهو اهتمام قد يتعدى الاطار السياسي البحت.

وبحسب ما نقل الى متصلين بدوائر سعودية وتركية فان ثمة بنودا محددة يدور البحث فيها حاليا وتتعلق بمدى قدرة النظام السوري على الاستمرار، في ظل الوضع العسكري للجيش السوري الذي تحارب قطعه الخاصة منذ ستة اشهر ويتنقل من منطقة الى اخرى، ومقاربة وضعيته وما اذا كان قادرا على غرار التجربتين المصرية والتونسية على تسلم الحكم. اضافة الى الوضع الاقتصادي الذي وان لم تظهر حدته بعد، بسبب بعد دمشق وحلب المدينتان الاقتصاديتان الى حد ما عن قلب الصراع الدائر حاليا، الا ان ارتفاع مستوى العقوبات الاوروبية والاميركية، والعربية المحتملة من شأنه ان يزيد تراكم مصاعب النظام السوري.

ولا ينفصل الوضع اللبناني عن مقاربة السعودية لمستقبل النظام السوري، نظرا الى تشابك الملفين. فانهيار انظمة الرؤساء التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك والليبي معمر القذافي، لم ينعكس توترا في دول الجوار في المغرب العربي. لكن أي انهيار في التركيبة السورية، بلا افق واضح، من شأنه ان يمس في شكل مباشر جميع دول الجوار، ومصالح السعودية في المنطقة. ولبنان احد دعائم هذه المصالح، ولا سيما بعد الرعاية المباشرة التي وفرتها الرياض بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لـ"تيار المستقبل"، وبعد صعود قوة "حزب الله" وما يمكن ان ينتج عن تداعيات القرار الاتهامي واحتمال صدور لوائح اتهامية جديدة.

والصمت السعودي عن التحول الخطير الذي جرى حين دفعت طهران ودمشق الرئيس سعد الحريري الى الاستقالة، وخروجه لاحقا من لبنان، وتشكيل قوى 8 آذار حكومة من لون واحد، بدأ ينكسر تدريجا وان على وقع الاحداث السورية. بعدما اظهرت الاتصالات مع ايران انها تراوح مكانها، وان الاسد الذي اعطي تعهدات مغلوطة باحتمال فك ارتباطه معها، لا يزال يستند اليها في دعم نظامه سياسيا وعسكريا.

من هنا يصبح مسار الاحداث المقبلة ومفكرة اللقاءات العربية بمثابة تفعيل للاتجاه السعودي المقبل تجاه "حزب الله" وسوريا معا، وما دام الحريري لا يزال في السعودية فهذا يعني ان ثمة مؤشرات مقلقة تتعدى اطار الملفات المالية الخاصة والخلافات الداخلية، والمواعيد الجديدة تضرب بعد عيد الفطر، ولكن ليس على طريقة عيديات الرئيس نبيه بري.

السابق
سيف الإسلام الصحاف
التالي
عن السلمية خارج قاموس التشبيح!