سيف الإسلام الصحاف

منذ عدة سنوات ومنطقتنا تعتبر مادة ترفيهية للعالم بأسره، للأسف، كوميديا سوداء ليست على خشبات المسارح، أو دور السينما، بل في جل قصور حكم الجمهوريات العربية، وأحدث هذه الكوميديا، وليس آخرها بالطبع، ما حدث بقصر حكم معمر القذافي.

ففي الـ24 ساعة الأخيرة كان العالم يتفرج على أحداث دراماتيكية لا يمكن وصفها إلا بالكوميديا السوداء، وكانت لحظة الذروة فيها خروج سيف الإسلام القذافي على بعض الإعلاميين ساخرا من الثوار الليبيين وحلف الناتو، ومبشرا بكسر العمود الفقري للثوار، وقائلا إن طرابلس تحت سيطرة والده بالكامل، ومتجولا بسيارته مع كاميرا تلفزيونية في ما وصفه بـ«المناطق الأكثر سخونة بطرابلس»، والحقيقة أن سيف الإسلام كان يتجول داخل مقر باب العزيزية، مقر حكم والده!

ما فعله سيف الإسلام كان مشهدا مشابها تماما لما فعله محمد سعيد الصحاف، وزير إعلام صدام، يوم سقوط بغداد، حين قال للصحافيين إن ما يشاهدونه من أرتال عسكرية أميركية هي محاصرة من قبل القوات العراقية، لكن ما هي إلا ساعات قليلة حتى سقط نظام صدام، والأمر نفسه حدث بطرابلس، فبعد شريط سيف الإسلام بساعات، أفاق العالم على قوات الثوار وهي تتجول بمقر إقامة القذافي بباب العزيزية، وعلى الرغم من كل ما قاله سيف الإسلام، الذي كرر ما فعله الصحاف في بغداد بالضبط!

فهل بعد هذه السخرية سخرية؟! فما لم يتنبه له كثر بمنطقتنا أنه في ظرف سنوات بسيطة وجدنا أن الشعب في غرفة الزعيم! حدث هذا الأمر بالعراق؛ حيث شاهدنا العراقيين، ومعهم الجنود الأميركيون، يتصورون بغرف نوم صدام، ثم شاهدنا الزعيم في حفرة! كما شاهدنا غرف نوم زين العابدين بن علي بتونس، وشاهدنا الرئيس المصري السابق على سرير، واليوم نشاهد مباني العقيد معمر القذافي، وقريبا غرفة نومه. وهذا ليس كل شيء بالطبع؛ حيث رأينا صدام وهو يصدر أشرطة صوتية، ومثله فعل حسني مبارك، وبعده القذافي الذي أفرط فيها، حتى إنه أصدر ثلاثة تسجيلات في يوم واحد، فهل هناك سخرية أكثر من ذلك، خصوصا عندما يسير رؤساء دول على نهج قادة الميليشيات والجماعات الإرهابية؟

المشكلة أن قلة من جمهورياتنا العربية التي تتعظ مما يدور حولها، وقلة من إعلاميينا الذين يتعظون أيضا، وقلة من المثقفين، وكذلك الساسة، وهذا ليس حديث إحباط، بقدر ما أنه قراءة واقعية لما يدور حولنا وبسرعة رهيبة؛ إذ أصبحنا مادة دسمة لترفيه العالم، ناهيك عن حجم المآسي التي تُرتكب بحق الأوطان والمواطنين؛ حيث تدمَّر الدول العربية، وننتهي كل يوم إلى حقيقة واحدة، هي أن الأنظمة العسكرية بمنطقتنا لا تستخدم أسلحتها إلا ضد مواطنيها!

وعندما نقول إنه لا أحد يتعظ، فيكفي أن نتأمل حال سوريا، ومعاناة مواطنيها مع نظام قمعي يفقد صوابه أكثر وأكثر، بل يبدو أن النظام الأسدي بات بحالة جنون بعد سقوط القذافي، خصوصا مع ترديد السوريين شعار: «القذافي طار طار.. وجاء دورك يا بشار»؛ لذا يبدو أن منطقتنا ستكون على موعد جديد بانتظار صحاف آخر وعلى غرار سيف الإسلام الصحاف!

السابق
الشرق الاوسط: الثوار في منزل القذافي
التالي
سلوك سعودي جديد تجاه حزب الله ودمشق