متظاهر سوري.. حرّيتك ثأري

كالعادة، جاء إعلان الرئيس بشار الاسد، "انتهاء العمليات العسكرية والامنية" متأخراً. الرئيس الاميركي باراك اوباما وزعماء اوروبا، فاجاؤوه بمطالبته بالرحيل. الأسد اعتبر ان الوقت مفتوح امامه لأن العالم يخاف من جلوسه فوق "قنبلة" صمام أمانها بيده، لمنطقة مليئة بالبراكين والبؤر المشتعلة. مشكلة الاسد انه ماطل ستة اشهر للانتهاء من الاحتجاجات فالانتفاضة فالثورة، ولم ينجح. فشل "النظام الاسدي" يعود الى انه تعامل مع الوضع في سوريا، وكأنه فعل مؤامرات خارجية، لا أسباب داخلية له عميقة وحقيقية. بالنسبة "للنظام الاسدي"، كان يكفي إقفال "البوابات" الخارجية لسوريا مع الاردن في درعا، وحمص والقصير مع لبنان، والبوكمال مع العراق ومعرة النعمان مع تركيا، واللاذقية مع البحر، حتى ينتهي كل شيء وينفذ اصلاحات على قياسه والعائلة.
 
ألم يرث سوريا وشعبها من والده الرئيس الراحل حافط الأسد، فلماذا يطلب منه الآخرون ان يقوم في "ارثه" بما يريدون منه وليس ما يريده هو؟. لم يتعامل "النظام الاسدي" مع مطالب السوريين حتى الذين لم يخرجوا في المظاهرات من الحرية والكرامة والديموقراطية، على أساس انها مطالب شعبية شرعية ومشروعة، لذلك تعامل النظام مع المتظاهرين، مجرد أرقام محدودة وليست تجسيداً للمعارضة. الأرقام ليست مهمة في الحالة السورية، رغم انها عادة تنطق بالواقع. كان من الصعب جداً طوال الاشهر الماضية ان تخرج مظاهرات مليونية كما في مصر. يتناسى "الاسديون"، ان الجيش المصري لم يطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين. بينما الجيش السوري و"الشبيحة" يطلقون المدافع على المدنيين وعندما اقتضت عملية القهر استخدمت الزوارق الحربية لقصف مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية. كل متظاهر سوري هو شهيد حي. يقتضي هذا الالتزام بالشهادة لدى المتظاهرين شجاعة اساسها عدم الخوف من الموت.

خلال الاشهر الستة الماضية، دخل السجون والمعتقلات السورية وخرج منها كما ينقل عن "التنسيقيات" نحو 70 الف سوري. أهم ما في هذا الرقم الرهيب ان تسعين بالمئة منهم من الشباب الذين يدخلون اقبية التعذيب "للنظام الاسدي" لاول مرة. للذين يستكثرون هذا الرقم المخزي والعار فإن دوري كرة القدم الغي في سوريا لان معظم الملاعب تحولت الى معتقلات خاضعة لمخابرات "القوى الجوية" و"الأمن العسكري"، على غرار التجربة التشيلية بعد الانقلاب على الرئيس سلفادور الليندي. اهم ما في ثورة الشباب السوري ان "التنسيقيات" غير هرمية وانها شاملة لشباب الاحياء والشوارع والازقة، وان هؤلاء الشباب يمارسون الديموقراطية التي لم يعرفها اباؤهم فكيف بهم، في تنظيم المظاهرات. حتى الشعارات والهتافات يتم تنظيمها والهتاف بها بعد التصويت عليها والتزام الاقلية برأي الاغلبية. لا خوف على هؤلاء الشباب من السلفيين والشيوخ الناشطين هم "حاضنة اجتماعية" لهم علاقتهم بها في معظم الحالات "لوجستية" وليست "ايديولوجية". الشباب في "التنسيقيات" يتعلمون الكثير من الشارع، لان قلوبهم وعقولهم وأعينهم مفتوحة. يعرفون كل من يعتدي عليهم من رجال الامن و"الشبيحة". من ذلك ان قاتل معن المناع العودات شقيق المعارض هيثم المناع، معروف بالاسم والرتبة وطريقة الاعدام التي نفذها بحق معن وهو ممدد على الارض بعد اصابته الاولى في كتفه.

المشكلة الكبرى للرئيس بشار الأسد ونظامه، عقدة انتصاره بعد عزل نظامه غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى الآن ما زال يعتقد "النظام الأسدي" انه قادر على تكرار ذلك "الانتصار"، وأن العالم سيعود إليه طالباً "رضاءه ومسامحته عن الفترة السابقة". من الممكن للعالم أنه في لحظة ضعف قادها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تغاضى عما فعله في لبنان. لكن هذا العالم نفسه وفي ظل "الربيع العربي"، لا يمكنه مطلقاً اغماض عينيه وصم أذنيه وكمّ فمه أمام مسلسلات القمع والقتل والتعذيب اليومية بحق المدنيين السوريين. مشهد الجنود – الميليشياويين وهم يعذبون ويهينون المعتقلين في الحافلة واجبارهم على الهتاف "الله وسوريا وبشار وبس" بدلاً من "الله وسوريا وحرية وبس" لا يمكن تحمله. قبل هذا الشريط يوجد عشرات الوقائع التي تؤكد كم هذا النظام يحتقر شعبه إذا لم يكن معه.

أيضاً وهو مهم جداً، ثقة "النظام الأسدي" بأنه يملك ملفات يمكنه اللعب بالنار فيها دفعه دائماً للعمل خارج القواعد واستثمار نتائجها بعد زرع الخوف. الأسد لم يستوعب أن إشعال النار في هذه الملفات لكي يقبل العالم بما يقوم به ضد شعبه، يمكن أن يتحول الى ملفات تستخدم ضده. في الأسبوعين الأخيرين حرك "النظام الأسدي" منفرداً أو بالتعاون مع حليفه الإيراني عدة ملفات أبرزها:
[ العملية الارهابية ضد "اليونيفيل" على طريق صيدا وذلك كما أشارت باريس الى ذلك مباشرة. بدلاً من ان تخاف باريس من ضرب قواتها العاملة في جنوب لبنان، هدد الرئيس ساركوزي بسحب الجنود الفرنسيين من قوة الأمم المتحدة. بذلك وضع "حزب الله" أمام مسؤولياته، لأنه هو الممسك بأمن الجنوب.
[ إشعال العراق مرة أخرى بالسيارات المفخخة ضد الشعب العراقي الأعزل.

[ تحريك "حزب العمال الكردستاني" ضد تركيا. فكان الرد تصعيداً عسكرياً تركياً وغضباً قوياً ضد دمشق.
[ تحريك غزة على يد "اللجان الشعبية" في عملية فدائية مهما بلغت فيها بطولة المقاتلين فإنها "مقاومة غب الطلب" أغضبت "حماس" ومصر والسلطة التي تستعد لمواجهة الأمم المتحدة.
قريباً ينتهي معمر القذافي في ليبيا. سيتحرر الغرب من عبء المواجهة وتصبح نهاية القذافي درساً عظيماً للآخرين. غزو سوريا عسكرياً مرفوض سورياً وعربياً ودولياً. توجد وسائل كثيرة لحسم الوضع، خصوصاً ان الثورة مستمرة. عندما يصل الأمر بأن يقرر الشباب السوري "الاستشهاد" تكون الحرية وراء الأبواب. وائل السمهوري كما نقلت "اللوموند" عنه مع صورته كتب لوالده وهو خارج الى المظاهرات "رسالة" جاء فيها:
"إدهن باب دارنا بدمائي.. ولا تنظفه قبل الفجر.. حريتك ثأري".

السابق
لماذا غادر خالد صاغية الأخبار ؟
التالي
شريحة إلكترونية كالدماغ البشري