عون بين الكهرباء وجلسات الكهرباء!

يمزج عضو مجلس النوّاب اللبناني ميشال عون جلسات الكهرباء بالكهرباء؟ مزج قد تكون له علاقة بجلسات الكهرباء. الثابت أن لا علاقة له بشبكة للكهرباء تغطي الأراضي اللبنانية. لو كان عون يعرف شيئاً عن الكهرباء باستثناء جلسات الكهرباء، لكان استوعب أنه ممنوع على لبنان استكمال بنيته التحتية، بما في ذلك حلّ مشكلة الكهرباء، بناء على رغبة سورية- إيرانية، وذلك منذ توقيع اتفاق «الطائف» في العام 1989.

كلّ ما في الأمر أن عون يحاول المتاجرة بالكهرباء لعلّ ذلك يجعل منه بطلاً في مرحلة لا مكان فيها لأبطال في لبنان باستثناء اولئك الذين يقفون مع ثورة الشعب السوري.
هذه الثورة التي لا يمكن إلاّ أن تنتصر وتعيد الأمور إلى نصابها في المنطقة بعيداً عن كل أنواع المتاجرة بالشعارات الفارغة من نوع «المقاومة» و«الممانعة» والمتاجرة بلبنان وأهل الجنوب تحديداً، وما شابه ذلك.

ما منع لبنان من تنفيذ مشاريع تعيد إليه الكهرباء بشكل منتظم، منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، يتمثّل في الرغبة السورية في تعطيل المشاريع الحيوية في البلد لمنعه من استعادة وضعه الطبيعي على خريطة الشرق الأوسط. ولذلك، يمكن اعتبار ما نفّذ من مشاريع مرتبطة بالبنية التحتية أيام كان الشهيد رفيق الحريري رئيساً لمجلس الوزراء أقرب إلى معجزة أكثر من أي شيء آخر. كانت البداية إعادة الحياة إلى بيروت رغم كل العصي التي حاول النظام السوري والجماعات التابعة لإيران وضعها في طريق مشروع استعادة العاصمة لوحدتها وعودة وسطها مكاناً يلتقي فيه اللبنانيون من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية… لممارسة ثقافة الحياة.

ولذلك أيضاً، لا يمكن سوى لقصير النظر الحاقد الذي يعاني من عقدة النجاح والناجحين، تجاهل أن معظم الذين تولوا حقيبة وزارة الطاقة في الأعوام العشرين الأخيرة موالون للنظام السوري، وكان همهم محصوراً في كيفية تعطيل مشاريع الكهرباء والاكتفاء بالصفقات حتى لو كانت لديهم نيات طيبة من أي نوع كان. انها صفقات لا تؤمن الكهرباء بمقدار ما تؤمن اموراً أخرى تذهب إلى المنتفعين منها في لبنان وخارج لبنان…

تبدو أزمة الكهرباء في لبنان مرتبطة أوّلاً وأخيراً بالرغبة في ابقاء البلد بائساً فيه مناطق غير خاضعة لسلطة الدولة وسيادتها، ممنوع على الجباة دخولها. ولذلك لا حاجة إلى بطولات وكلام أجوف لا ينطلي سوى على السذج من العونيين ومن لفّ لفهم من «الشبيحة» اللبنانيين التابعين لـ «شبيحة» النظام السوري.

ثمة حاجة إلى حدّ أدنى من الشجاعة لدى أي حكومة لبنانية يمكّنها من طرح الحقائق كما هي والقول ان لا حلّ لمشكلة الكهرباء من دون خطة واسعة تشمل استعادة الدولة لسيادتها على كل الأراضي اللبنانية، وتحول المواطنين اللبنانيين إلى متساوين امام القانون. قبل الكلام عن الكهرباء، يفترض بشخص مثل ميشال عون أن يشرح للبنانيين خلفيات انفجار انطلياس الأخير، ولماذا تجد الحكومة، التي لديه عشرة وزراء فيها، نفسها مجبرة على طي ملف التحقيق في الجريمة قبل فتحه!

لن يستقيل وزراء عون من الحكومة إلاّ متى شاء ذلك من فرض هذا الرجل المريض على اللبنانيين ومن صنع له كتلة نيابية بوسائل مذهبية قبل أي شيء آخر. كل ما عدا ذلك كلام فارغ، وتهديدات لا معنى لها صادرة عن أدوات لدى الأدوات ليس إلاّ.
كهرباء أو لا كهرباء، ليست تلك هي المسألة. أي حكومة لبنانية تمتلك بعض الجدية، حتى لو كانت برئاسة عمر كرامي، قادرة على المباشرة في حل هذه المشكلة الكبيرة متى كان الوضع في البلد طبيعياً، ومتى صار السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا «حزب الله»، أو لدى مجموعات فلسطينية داخل المخيمات وخارجها تحت سيطرة الدولة اللبنانية. هذا الأمر مستحيل ما دام المحور الإيراني- السوري يعتبر لبنان «ساحة» يحاول من خلالها ابتزاز العرب وغير العرب، وعقد صفقات مع هذه الجهة الدولية أو تلك، وحتى مع إسرائيل على حساب لبنان واللبنانيين.

متى نظرنا إلى ما يتعرض له لبنان منذ ما قبل توقيع «اتفاق القاهرة» المشؤوم في العام 1969، ثم منذ توقيع «اتفاق الطائف» في العام 1989، والرغبة السورية في ابقاء هذا الاتفاق وسيلة لفرض وصاية دمشق على الوطن الصغير، نجد أن مشكلة الكهرباء، على الرغم من ضخامتها، ثانوية. المطروح مستقبل لبنان وكيف يمكن أن يخرج من وضع «الساحة» الإيرانية السورية.
للمرة الأولى منذ ما يزيد على أربعين عاماً هناك أمل في حصول تغيير في سورية. تغيير قد يصبّ في مصلحة لبنان وفي مصلحة سورية بالطبع، خصوصاً إذا اقتنع من يحكم سورية مستقبلاً بأن ازدهار بيروت من ازدهار دمشق، وأن العكس صحيح، وأن العمل على ترسيخ الشرخ المذهبي والطائفي في لبنان لا يمكن إلاّ أن يرتد على سورية عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما يحصل الآن.

من يطرح نفسه حالياً منقذا للبنان عن طريق خطة للكهرباء، إنما يهرب من الواقع ومن المشكلة الأساسية المطروحة لبنانياً وإقليمياً. انها مشكلة النظام السوري المريض وهل لبنان سيّد، حرّ، مستقل… أم مجرد تابع وامتداد لمحور إقليمي يؤمن بثقافة الموت ونشر البؤس. هذا هو السؤال. كل ما تبقى بحث عن بطولات وهمية يحتاج الساعون إليها من أمثال ميشال عون إلى مزيد من جلسات الكهرباء وليس إلى كهرباء!

السابق
الانباء: حزب الله.. سنرد على القرار الاتهامي بالحجة والبرهان والاستقرار
التالي
السفير: 15 شهيداً في غزة … ونتنياهو يتوعّد بالمزيد ومصر تنذر إسرائيل دم شهدائنا أغلى من أن يذهب بلا رد