كيف رد الأسد على رسائل الضغوط الخارجية

عندما يعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي أن سورية "دولة قديمة ودولة مؤسسات وذات دور مركزي"، فأنه يدرك أن التعامل معها يجب أن يكون من هذا المنطلق، وليس كفريق.
وإذا كان وزير الخارجية التركي محمد داوود أوغلو قد حمل جملة تمنيات بإنتقال سلمي في طرح المطالب، فقد حدّد الرئيس الدكتور بشار الأسد شروط هذا الإنتقال بملاحقة "المجموعات الإرهابية المسلّحة" التي تقف في وجه القوات الرسمية لحفظ أمن المواطنين والإستقرار الداخلي.

وإذا كان الرئيس الأسد قد فتح باب الوساطات الإقليمية لإبلاغها بحقيقة ما يجري على الأرض السورية من إخلالات بالنظام الأمني، التي لا يجوز "التهاون" بشأنها قبل أي حديث عن إصلاحات، والتي تمضي القيادة السورية في متابعتها بسعي حثيث لتطوير الحياة السياسية بما يلبّي التطلّعات الشعبية التي لا تتناقض مع التصوّر الإصلاحي، الذي جاء الرئيس الدكتور بشار الأسد ليطبّق مبادئه في مناحي الحريات السياسية والإعلامية والإقتصادية، فإن أوغلو ما زال يراهن على الإصلاحات التي وعد بها الرئيس الأسد والتي أعطى مجالاً لتحقيقها في نهاية آب الأمر الذي حمل الرئيس أردوغان على توظيفها وكأنها المهلة التي أعطاها الأتراك.

لقد جاء الرد السوري الرسمي على الرسالة التركية "أكثر حزمًا" على أي تدخّل خارجي في فهم طبيعة الأحداث والمجريات التي إنعكست تمرّدًا على الدولة كدولة وليس طرحًا للمطالب بحد ذاتها.
وإذا كانت الضغوط الأميركية على الرئيس الأسد في الحرب الأميركية على العراق عام 2003، وفي خلفية الهجمة الإنتقامية على سورية في أحداث عام 2005 في لبنان وما تلاها من عدوان "إسرائيلي" على لبنان عام 2006 وعلى غزة عام 2008، لم تتمكن من النيل من ثباته على مواقفه ومسلّماته القومية في دعم المقاومة للإحتلال "الإسرائيلي" وعدوانيته المستمرة، فإنها اليوم لن تصل، تحت شعارات المطالب، إلى قلب هذه المواقف القومية التي صنعت الإنتصار العربي على الدولة العبرية، بعدما عجزت الحروب العربية منذ قيام "إسرائيل" أن تغيّر شيئًا في معادلة القوة التي كانت "إسرائيل" تنفرد بفرضها على واقع الشعوب في المنطقة وأنظمتها.

ومهما حاولت القوى الخارجية باعتماد سياسة الضغوط وتجييش الإعلام الموالي بأنظمته للغرب، لإرضاخ القيادة السورية للإملاءات الأميركية وشروطها في التخلّي عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية والتحالف مع إيران، فضلاً عن الدخول في مفاوضات غير متكافئة مع العدو "الإسرائيلي"، فإن ما بدا من صلابة الرئيس الأسد في مواجهة هذه الضغوط، ينبئ بأن الإلتفاف القائم حول الحكم الحالي من مراكز الثقل الشعبي في العاصمة دمشق وكبرى المدن السورية حلب، وسائر المناطق المركزية وليس الأطراف المعرّضة للتدخّل الحدودي، هو بمثابة التأييد للخطوات الحازمة التي يتّخذها رئيس الدولة لحماية الأمن قبل البحث في المطالب تحت أي عامل من عوامل التدخّل الخارجي في شؤون سورية الداخلية.

إن الإستقرار الذي نعمت به سورية طيلة أربعة عقود من الحكم الحالي، يعود إلى السياسة الإستيعابية التي كانت سمة من سمات عهدَي الرئيسين حافظ وبشار الأسد، حيث لم يكن المواطن السوري ليفرّق بين ولائه لطائفته وولائه لوطنه، فكان الولاء للوطن فوق أي إعتبار آخر. لم يكن الحكم في وارد الإستغلال الطائفي داخل نظامه فكان سر قوّته في هذه العلمانية الوطنية البعيدة عن التطييف والتمذهب.
وما إعفاؤه وزير الدفاع العلوي علي حبيب لظروفه الصحية وتعيينه لشخصية مسيحية مكانه هو العماد داوود راجحة، إلا من قبيل تعزيز هذه الصورة المتوازنة التي تراعي جميع الطوائف بالتساوي في خدمة البلاد.

بهذا المنطق المتجاوز للّعبة الطائفية التي تروّج لها "إسرائيل" بيهوديّتها المتعصّبة كدولة لليهود فقط، وتسعى إلى ترويج مثيلات لها في العالم العربي لتبرّر نزعتها العنصرية أمام العالم، يتعرّض حكم الرئيس الأسد الى مواجهة هذا المدّ الذي بدأ يتعاظم ويخترق صفوف الإحتجاجات الشعبية في الدول العربية، وقد شهدنا فصلاً من فصوله في بروز حركة الإخوان المسلمين وشعاراتها التي ارتفعت أخيرًا في ميدان التحرير في مصر، ما أثار انسحاب الشباب البعيد عن هذه التوجهات العصبية التي تخدم ـ من حيث تريد أو لا تريد ـ الأهداف البعيدة لتعميم التطرّف في المنطقة.

إن في تجربة الحكم السوري المتحرّر من التطرّف الديني خير مثال على ثباته وديمومته، بعدما كانت الانقلابات العسكرية في سورية تطيح في فترات قصيرة، قبل تسلّم الرئيس حافظ الأسد، بأنظمة غير مستقرّة لها ارتباطات خارجية ومصالح داخلية، بعيدة كل البعد عن العناوين الإقليمية التي ترفع لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية والحقوق العربية المغتصبة على أيدي الكيان الصهيوني.

وإذا كانت هذه الأزمة، التي يتعرّض لها الرئيس بشار الأسد، تتعاظم خارجياً وسط دعوات غير بريئة لاستغلال بعض التحرّكات المطلبية، وأهداف لا تمت لهذه الشعارات بأية صلة، إلا أنها قابلة للزوال بفضل وعي غالبية الشعب السوري لِما يُحاك ضد بلاده، ووقوف الجيش العربي السوري والأمن الداخلي صفًا واحدًا إلى جانب القيادة لحماية الدولة والمؤسسات والشعب.

السابق
الأنباء: مصادر المستقبل الحريري لن يعود إلى بيروت حالياً
التالي
ربتلاتين ومركبا والقنيطرة وبني حيّان: قرى شبه مهجورة بلا متاجر ولا مطاعم ولا أماكن عامة