عون وحزب اللّه بين حاوي وبيار الجميّل

اكتملت أوركسترا أبلسة حزب الله. قد لا تظهر هذه الصورة جلية للبعض من داخل بيئة الحزب. فهؤلاء إحساسهم بالحرب عليهم أولوية. وقد لا تبدو مستنكرة للمنخرطين في «حرب شاملة» ضد الحزب، حيث كل الضربات مشروعة، على طريقة القاتل أو المقتول. غير أن المعنيين بالعلاقة مع الحزب من داخل البيئة المسيحية، تفاهماً أو تخاصماً، هم أكثر وأول من يدرك هذا الواقع.

صحيح أن الأمر عمره ربما من عمر حزب الله وسلاحه و«ولاية فقيهه»، ومن عمر ضاحيته وحروبه ونصره «ما بعد ما بعد» النصر، لكن المسألة باتت اليوم تتخطاه لتطاول في أغراضها الخبيثة كل اللبنانيين والوطن والكيان. يكفي أن يراجع أي لبناني أخبار بضع شاشات ودزينة صحف ومئات مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، ليخرج بالصورة النمطية التالية:

أولاً، حزب الله متهم بالتورط في اغتيال رفيق الحريري. وأضيف إليه أمس اتهام إضافي بالتورط في ثلاث جرائم أخرى. وسط كلام عن أن جريمتي اغتيال جبران تويني وفرانسوا الحاج تاليتان على اللائحة، وذلك لحسابات تسويقية مسيحية ضرورية لسيناريو الأبلسة المذكور. فضلاً عن كلام مقابل عن وضع جريمة اغتيال بيار الجميّل قريباً في خانة قريبة من الحزب أيضاً.

ثانياً، حزب الله متهم بالتورط في أحداث سوريا، خصوصاً لجهة المشاركة في أعمال القمع والقتل ضد مدنيين. حتى إن الجهة القائمة خلف أوركسترا الأبلسة تبدو من الإمكانات والوقاحة معاً، أنها استطاعت وضع هذا الاتهام على لسان وكالة أنباء أوروبية عريقة، نقلاً مزعوماً عن وكالة تابعة للأمم المتحدة، ليعاد توزيعه داخلياً مع شهادة منشأ أممية.

ثالثاً، حزب الله متهم بوضع اليد على أملاك المسيحيين، ليس من باب التسلط وفوضى «الدويلة» وحسب، بل من باب مخطط أمني عسكري «استيطاني» شامل، يبدأ من كحول النبطية ومهرجانات بعلبك، ويتواصل مع أرض الحدت ومعبر جبيل ـــــ أفقا الرابط بين الجبل والبقاع.

رابعاً، حزب الله متهم بوضع اليد على مفاصل الدولة الرئيسية: لا مسايرة في تعيينات بعض المواقع الإدارية الأمنية، ولا تساهل في استكمال التكامل المطلوب واقعياً وعملانياً، بين الحزب وأجهزة الدولة الفاعلة.

خامساً، حزب الله متهم بتقويض الحركة الاقتصادية السليمة للبنان واللبنانيين: معبر للتهريب عبر مرفأ بيروت، تجارة غير شرعية من مثلث أميركا الجنوبية الى قلب أفريقيا، تهرٌّب من الضرائب على استيراد قطاعات كاملة تضرب صناعات لبنانية برمتها، والأهم تعريض القطاع المصرفي اللبناني لخطر الاستهداف والضرب، نتيجة القرارات الدولية والغربية بتجفيف مصادر تمويل الحزب.

سادساً، حزب الله متهم بالذهاب مع المجتمع الدولي، لا الى مجرد مواجهة قانونية وقضائية عبر المحكمة الدولية، بل أيضاً الى مواجهة عنفية مباشرة. بدليل التلميح في قضايا خطف الإستونيين أو انفجارات اليونيفيل، أو حتى الغمز من قناة إيصال الرسائل الى قائد الجيش عقب زيارته باريس وقبل زيارته واشنطن.

سابعاً، أو كرزة قالب الحلوى أمس، حزب الله متهم بتفجير السلم الأهلي وارتكاب جرائم ضد المدنيين اللبنانيين، على طريقة انفجار أنطلياس.

بالتأكيد ان أياً من هذه الاتهامات لا يصيب صدقية أو إقناعاً ولا اقتناعاً في بيئة حزب الله. لا بل على العكس، الأرجح أنها تصلِّب تلك البيئة خلف خياراتها وقياداتها. وقد يكون هذا هو المطلوب بالفعل، من أجل دفع هذه البيئة وأحزابها الى مزاجات اكثر تصلباً وراديكالية وتأثراً بسياسات الخوف والتخويف، تمهيداً لعزلها الكامل عن شركائها في الوطن.

لكن الواضح ان هذه الاتهامات تصيب أكثر ما تصيب البيئة المسيحية، حيث المعركة الحقيقة لقلب موازين الوطن منذ خمسة أعوام. وسط اصطفافات جذرية ونهائية في البيئات الأخرى. لكن اللافت أنه وسط هذا الاستهداف القاتل بالذات، قررت قيادة حزب الله الاكتفاء بالصمت، أو بإعلام البيانات أو الإطلالات الأحادية. وهو ما يعزوه كثيرون الى قرار تجنب الانزلاق الى الفتنة المذهبية الإسلامية، من دون الانتباه الى الواقع المسيحي المرتبط بهذا الأداء. فيما قيادة العماد ميشال عون منصبة في جهدها السياسي و«تجاربها» الإعلامية على مسائل أكثر يومية ومعيشية: من الغاز الى الكهرباء والاتصالات والفساد… فيما الاستهداف في كل الاتهامات الأخرى، ينهش من الجسم، ويهدد بالتفاقم.

يقول أحد المؤرخين اللبنانيين إن جورج حاوي أمضى عمره يحمل قضايا أبناء بيئته ومشاريعه لحلها. فيما اكتفى جاره في بكفيا بيار الجميّل الجد، بطرح سؤالين اثنين بلا أي جواب عنهما: أي لبنان نريد؟ وإذا كان لبنان في خطر فبمن تفكر؟ وبعد نضالات عقود، تبيّن أن المسيحيين كانوا دوماً مؤيدين للسؤال، لا للجواب. فهل من ينتبه؟

السابق
معه..صوتوا ضده !؟
التالي
التجديد لليونيفيل لسنة جديدة