مختبر المياه النقال مرتجع لفرنسا مع الشكر

لا يزال مختبر فحص مياه الشفة النقال محالاً على التقاعد منذ أن وصل إلى لبنان عام ١٩٩٦ عن طريق هبة فرنسية إلى أن حطت به الرحال في جامعة القديس يوسف عام ٢٠٠٩. قصة المختبر تعيدنا الى مقولة زياد الرحباني في «العقل زينة»: «قال شو بيبعتلك كتالوج … فاضيين نقرا كتالوج نحنا؟».

هل آن الأوان لإبلاغ الحكومة الفرنسية أن المختبر النقال لفحص مياه الشفة الذي قدّمته هبة لمصلحة وزارة البيئة عام ١٩٩٦ «مرتجع مع الشكر». قصة المختبر ليست جديدة، فهو لم يستخدم إلى اليوم، وقد ذاع صيته بعدما انتقلت وزارة البيئة من مقرّها في انطلياس إلى مبنى اللعازارية في الوسط التجاري في بيروت. حينها لم يتمكن عمّال الوزارة من إدخال المختبر، المحمول على شاحنة، إلى موقف الوزارة تحت الأرض لأن ارتفاع سقف مدخل الموقف لم يسمح بذلك.
يصنّف هذا المختبر النقال بأنه «متطوّر وحديث»، وقد تسلمته وزارة البيئة ضمن البروتوكول المالي اللبناني الفرنسي لعام 1996 في إطار مشروع التخطيط الاستثماري المموّل من الاتحاد الأوروبي. وقد وضع أمام مبنى وزارة البيئة في انطلياس في عهد الوزير سمير مقبل ولم يشغل إطلاقاً، رغم الحاجة الملحة إلى إجراء فحوص دورية على مياه الينابيع في مختلف المناطق اللبنانية، وإعطاء النتائج للبلديات المعنية للتأكد من سلامة مياه الشرب، علماً أن كمية المياه المبتذلة التي يصرفها لبنان، والتي تقدر بنحو 38096 متراً مكعباً، قضت على مياه الينابيع التي كان يتزوّد منها أهالي القرى بالمياه مجاناً.
في عام ٢٠٠٣، وضعت المديرية العامة للبيئة دفتر شروط لتلزيم تشغيل المختبر وإدارته، وذلك بهدف مراقبة نوعية المياه في جعيتا وطرابلس وصور، لكن دفتر الشروط بقي دفتراً من ورق، ولم يشغّل المختبر رغم أن الوزارة أجرت دورة تدريبية لاثنين من موظفيها لتشغيله.
بعد الانتقال إلى اللعازارية فتح ملف المختبر على مصراعيه، وشنّت حملة غير مسبوقة على المدير العام للوزارة بيرج هاتجيان، وحُمّل مسؤولية عدم تشغيل المختبر، بعدما اكتشف أنه وضع في عقار تابع لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في الفنار. ولم يتوان الوزير محمد رحال لاحقاً عن ضم هذه القضية إلى ملف رفع إلى هيئة التفتيش المركزي ضد هاتجيان متهماً إياه بـ«سوء استعمال مواد ملك وزارة البيئة». إلا أن الأخير رفع بدوره قضية ضد رحال إلى مجلس شورى الدولة بشأن «التعسف في إعطائه اجازات قسرية والكيدية السياسية ضده»، إلا أن كلاً من التفتيش المركزي ومجلس الشورى لم يبتّا النزاع.
بالعودة الى عهد الوزير طوني كرم يتبين أن الأخير وقع في حزيران عام ٢٠٠٩ مذكرة تفاهم مع جامعة القديس يوسف، ممثلة بعميد كلية العلوم الدكتور توفيق رزق، تقضي «بتشغيل المختبر المتحرك لمراقبة نوعية المياه ومعداته ومعدات أخرى لمراقبة تلوث الهواء تملكها الوزارة». تنص مذكرة التفاهم على تشغيل المختبر المتحرك لمراقبة نوعية المياه بهدف تطوير القدرات، من أجل وضع سياسات واستراتيجيات وبرامج بيئية مبنية على بيانات وأرقام علمية دقيقة مقارنةً بما هو متاح اليوم للإدارة اللبنانية، وخصوصاً لوزارة البيئة».
حينها برّر الوزير كرم سبب اختيار كلية العلوم في جامعة القديس يوسف للاتفاق معها على تشغيل المختبر لكونها بدأت ببرنامج في ما يتعلق بالهواء، وستضم اليه دراسة المياه وتطور دراسة الهواء. ولقد «ألحقت المذكرة بعقد مدته 3 سنوات تعهدت الجامعة بموجبه استخلاص النتائج العلمية اللازمة في مجال مراقبة ورصد نوعية المياه والهواء».
حاولت «الأخبار» أكثر من مرة استيضاح العميد رزق بشأن التقدم المحرز في تشغيل المختبر النقال، إلا أن الجامعة رفضت الحديث في الموضوع. وعلمت «الأخبار» أن الجامعة أنفقت ما يقارب ٣ آلاف يورو على صيانة هذا المختبر واستقدم خبير مختص من فرنسا لتشغيله وتدريب موظفي الجامعة على استخدامه. وشملت أعمال الصيانة تغيير الأربطة المطاطية المهترئة جراء عدم الاستخدام، إضافة إلى صيانة كهربائية والكترونية للمعدات التي «أكلها الصدأ»، بحسب مصدر في الجامعة رفض الكشف عن اسمه.
لماذا ترفض الجامعة اليسوعية التصريح عن مآل المختبر؟ سؤال يجيب عنه أحد المتابعين للملف في وزارة البيئة، ويفيد أن كلفة تشغيل هذا المختبر أعلى بكثير من قدرة الجامعة أو الوزارة، وهو معدّ أساساً لدول كبرى تمتلك مصادر مائية ضخمة، وتُجري فحوصاً مخبرية على مدار الساعة حول نوعية المياه، وترسل عبر جهاز من داخل المختبر النقال يعمل على نظام إرسال المعلومات عن بعد. أما في لبنان، فكلفة أخذ عيّنات من مصادر المياه وإيصالها إلى مختبرات مركزية أقلّ بكثير من كلفة تجوال المختبر النقال.
إذا صحت هذه النظرية، يفترض بوزير البيئة الجديد ناظم الخوري أن يجد حلاً نهائياً وجذرياً لهذه الهبة الفرنسية. ومن الحلول التي يفترض مناقشتها، إمكان إعادة الهبة إلى فرنسا مقابل الحصول على هبة بديلة قابلة للتشغيل في لبنان. أو ببساطة طرح هذا المختبر بالمزاد العلني وبيعه لشركة مختصة (تقدّر قيمته بما يقارب 400 ألف دولار أميركي)، أو نقله قانونياً عبر قرار لمجلس الوزراء ليصبح ملكاً لإحدى مؤسسات المياه العامة في لبنان، أو مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية أو المجلس الوطني للبحوث العلمية، لعل إحدى هذه المؤسسات تنجح في الاستفادة منه، بعدما ثبت بالتجربة أن وزارة البيئة ليست مؤهلة لإدارة مختبرات نقالة أو ثابتة، وكذلك بعدما تبين بالتجربة أن الجامعة اليسوعية بكل ما تملك من إمكانات، توصلت إلى خلاصة مفادها أن هذا المختبر غير قابل للتشغيل من جانبها، حتى ضمن مجال تدريب الطلاب والبحث العلمي.

فوارق في نتائج فحوص

أبرز المشكلات التي تواجه وضع المياه في لبنان لخصتها دراسة صدرت عام ٢٠٠٧ بعنوان «نوعية المياه في لبنان»، ومنها سياسة حفر الآبار العشوائية، الفشل في استغلال المياه السطحية، عدم حماية الينابيع من تلوث المطاعم والمقاهي المحيطة بها، ضعف عملية الكلورة، قدم شبكة التوزيع، غياب شبكات الصرف الصحي.
أهمية هذه الدراسة أنها جاءت بناءً على عينات جمعها فريق موحد ودرس خصائصها في مختبر الصحة البيئية في الجامعة الأميركية، فيما برزت في السابق فوارق في نتائج فحوص مياه الشفة بين وزارة الصحة ومؤسسات المياه، الأمر الذي يؤشر مجدداً الى الفرص الضائعة في استخدام المختبر النقال.

السابق
دار الفتوى أطلقت حملة إغاثة الشعب الصومالي
التالي
حل مستشفى حاصبيا على نار حامية