لبنان تحوّل ملعباً للكرّ والفرّ بين الحكومة والمعارضة

يتجه «الصداع السياسي» في لبنان نحو مستويات اكثر ايلاماً على وقع تعاظم «التصدع السوري» الناجم عن الكر والفر بين نظام الرئيس بشار الاسد وخياره الامني من جهة والحركة الاحتجاجية العارمة التي تحولت رقماً صعباً.
ولم يخرج الصداع اللبناني عن السيطرة حتى الآن مع اقتصار ارتدادات «الهزة السورية» على الميدان السياسي عبر حفلات «ملائمة» يومية بين الحكومة التي اظهرت التصاقاً بالنظام في دمشق والمعارضة التي اختارت تأييد الانتفاضة السورية.

ورغم المؤثرات التي توحي بحراك يتجاوز السياسي، كالتظاهرات «النقالة» بين الشمال والبقاع تضامناً مع الشعب السوري، والاتهامات لبعض الاطراف بتهريب الاسلحة الى الداخل السوري، فان الانعكاسات غير السياسية بدت محدودة حتى الان.
غير ان بيروت تراقب بـ «قلق» المنحى التصاعدي للازمة السورية، الامر الذي لا يمكن للبنان تجنب تداعياته، خصوصاً مع التصاق الحكومة في سلوكها الداخلي وخياراتها الخارجية توجهات النظام في دمشق.
وفي ظل هذه التوقعات تحتل حركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حيزاً بارزاً في عملية «استطلاع» لما قد تكون عليه الارتدادات على لبنان، وهو ربما زار دمشق امس الاربعاء بعد عودته من انقرة اخيراً.

وتم التداول في بيروت بمعلومات عن ان جنبلاط سيلتقي خلال زيارته لسورية اللواء محمد ناصيف الذي قالت تقارير صحافية انه زار السعودية قبيل الرسالة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد الله بن عبد العزيز حول الوضع في سورية.

في هذه الأثناء، بقيت بيروت «تحت تأثير» الحدَث السوري في ضوء تطورات عدة ابرزها:

 ما نقلته «وكالة الانباء المركزية» عن أوساط ديبلوماسية مطلعة عن مباشرة عدد من السفارات الاوروبية والعربية في لبنان اجراءات احترازية تحسباً لاي تطورات دراماتيكية في سورية توجب نقل رعايا هذه السفارات من سورية الى لبنان.
ولفتت الاوساط نفسها الى طلب جهات ديبلوماسية اوروبية تسهيل دخول هؤلاء عبر المراكز البرية الحدودية اللبنانية – السورية وتأمين مغادرتهم من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت الى بلادهم، متحدثة عن تحذيرات تلقتها بعض السفارات الاوروبية في بيروت عن امكان تعرض مصالحها للتهديد ووجوب اتخاذ تدابير الحماية اللازمة لمنع تنفيذ مثل هذه التهديدات.

 انتقال الحماوة المتصاعدة بين الاكثرية والمعارضة حيال الملف السوري الى مقر البرلمان حيث شهدت الجلسة التشريعية التي عُقدت امس الاربعاء سجالاً ضمن ما يُعرف بـ «الأوراق الواردة» على خلفية اصرار قوى 8 آذار على اثارة موضع تهريب السلاح الى سورية والغمز من قناة «تيار المستقبل» بالوقوف وراءه.
وقد انبرى نائب «حزب الله» علي فياض الى اتهام المعارضة بانها «تدفع البلاد للخراب فيما لو أمعنت في سياستها»، داعياً الحكومة الى «التنبه لموضوع مهربي السلاح ومتابعته بجدية»، ومضيفاً: «هذه المعارضة فقدت رشدها وتمارس سياسة طائشة».

وردّ النائب أحمد فتفت (من كتلة الرئيس سعد الحريري) على فياض فقال «ان الانقلاب الذي حصل هو الاستيلاء على كل شيء وعلى النفط، ونحن دعاة الاستقرار والمقاومة الحقيقية هي ما يقوم به الجيش اللبناني».
 مواصلة الرئيس نجيب ميقاتي محاولات احتواء «اللا موقف» الذي اتخذه لبنان في مجلس الامن وبقائه خارج الاجماع الدولي الذي عبّر عنه البيان الرئاسي الصادر عن الوضع في سورية والذي سرعان ما وجد غطاء عربياً وخليجياً. ورأى ميقاتي «ان التطورات المحيطة بنا معقدة جدا واستثنائية، ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بما ستؤول إليه هذه الحوادث بما فيها من نتائج حساسة ودقيقة»، مشدداً في غمز من قناة الواقع السوري على «اننا في لبنان لا يمكن أن نكون في أي لحظة مع العنف وإهدار الدماء في غير موقعها الصحيح في مواجهة العدو الاسرائيلي، ولا يمكن أن نكون طرفا في أي مشكلة داخل أي دولة من الدول العربية الشقيقة أو الصديقة».

وحذر ميقاتي خلال لقاء رمضاني مع فاعليات وقيادات شمالية من ان «إدخال لبنان كطرف في هذه الحوادث سيدخله في صلب مشكلة كبرى لا تزال حوادثها تجري خارجه»، سائلا: «لماذا نستدرج أنفسنا إلى تلك المشكلات التي ستنسحب إلى ساحتنا
وتهز الاستقرار الوطني؟».

في موازاة ذلك، برز موقف لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اعرب فيه عن تفهّمه لوجود الرئيس سعد الحريري خارج البلاد، واضاف «منيح أنه مطرح ما هو موجود اليوم، وكصديق له أتوجه إليه بالقول أبقَ حيث أنت»، معللاً هذه النصيحة بالهواجس الأمنية والأسباب التي ذكرها تيار «المستقبل» سابقاً.

وقال جعجع في حديث صحافي «ان ما يحصل في سورية ليس مقبولاً في كل المقاييس ولكن يجب ترك الشعب السوري ينتصر وحده». مضيفاً: «من موقعنا وحجمنا نستطيع التعبير عن معارضتنا للظلم الذي يلحق بالشعب السوري، وهو موقف أخلاقي ومبدئي تجاه شعب يسير نحو الحرية والديموقراطية والحداثة»، معتبراً أنّه نظراً الى طبيعة الأحداث على الأراضي السورية فقد تبيّن أنّها «أحداث داخلية لا عوامل خارجية فيها ولا يمكن التدخّل أكثر في الساحة السورية». وتابع: «لو كان لبنان دولة ذات إمكانية، لكنا تصرّفنا بأسلوب آخر مثلاً كنا فرضنا عقوبات على النظام في سورية».

واكد «ان الشعب السوري خرج من القمقم ولا عودة إلى الوراء أي أنّ النظام في دمشق يتراجع نحو السقوط»، معرباً عن أسفه لأن «هذا ليس بالأمر السهل والشعب السوري، وللأسف، قد يحتاج إلى النضال لأيام طويلة».
وعن علاقته بالنائب وليد جنبلاط، أجاب: «انّ جنبلاط هو كشخصية «الرقيب شولز» في مسلسل (Hoganصs heroes) نتيجة التأنيب المتواصل له، لم يعد يجيب عن أسئلة مرؤوسيه سوى بعبارة «لا أرى شيئاً ولا أعرف شيئاً».

وأضاف: «كيف يمكن توضيح ذلك أكثر؟ عبر نكتة الزحلاوي والديك: مرّ رجل زحلاوي بأحد الحواجز العسكرية على مدخل مدينته، وهو يضع ديكاً في صندوق سيارته. عند سؤال العسكري له عما يطعمه لديكه، أجاب السائق «القمح» فنال نصيبه من الضرب وفي المرة الثانية أجابه «الشعير» فنال المصير نفسه وفي مرة ثالثة ردّ قائلاً: أعطي الديك مصروفه وهو يهتمّ بنفسه وهذه حالة النائب وليد جنبلاط».

السابق
الحياة :14 آذار تطالب سليمان بحفظ البلد: حزب الله يعرض طائفة للخطر
التالي
سوريا.. وماذا الآن؟