الحريري يتكئ على الموقف السعودي للانتقام من سورية

فور صدور البيان الذي وزعه الرئيس سعد الحريري من مقر إقامته المجهول في الخارج حول الوضع في سورية في أعقاب الموقف السعودي الذي صدر، بدأت تطرح الأسئلة من قبل المراقبين حول مدى لبنانية سعد الحريري ومدى سعوديته، وما إذا كان هو الناطق الرسمي باسم الملك، وما الغاية من مسارعته الى الإشادة بكلام "خادم الحرمين"، وهل الملك بحاجة الى شهادة الحريري؟ ويضيف هؤلاء الى هذه الاسئلة سؤال آخر هو: الى أين يريد الحريري ان يقود البلد في محاولته الاتكاء على المنطق السعودي الشبيه ببيان المصدر السعودي المسؤول الذي صدر في العام 2006 الذي وصف أسر رجال المقاومة لجنديين "اسرائيليين" بـ "المغامرة"؟

المضحك المبكي أن الرئيس الحريري كان خارج لبنان، وفجأة تحدث عن مغامرات ومجازر ترتكب وما الى هنالك من عبارات تضمنها بيانه، وهي عبارات تؤكد ان الحريري يتكلم بمنطق سعودي، وأنه أراد من هذه الإطلالة الاعلامية المكتوبة أن يقول: "أنا هنا"، بعد أن شعر أن حضوره على الساحة اللبنانية بدأ بالأفول.
الحريري لا يدرك أن القصف عن بعد لا يصيب، لكنه بالتأكيد احترف مهنة إحداث الضجيج من خلال حلفه الوثيق مع سمير جعجع الذي يكاد يكون من الاوائل الذين تبقى مواقفهم مجرد "جعجعة بلا طحن".

المراقب لمواقف الحريري يدرك أنه يحاول رفع متراس بينه وبين سورية، متوهماً شأنه شأن أسياده في المملكة، أن النظام السوري سيتعرض لأزمة، أو لحصار، أو للسقوط، وهو يحاول من خلال مواقفه حجز دور له، من دون أن يدرك أنه غير قادر على ذلك على الإطلاق.

هذه المعركة الدائرة في المنطقة لا محل فيها للصغار، وسعد الحريري يحاول أن يستجدي حصاراً دولياً على لبنان لإنقاذ نفسه، غير أن هذه الرغبة من الصعب تحقيقها، لأن من يمسك بزمام الامور على مستوى السلطة هم رجال يمتهنون فن السياسة ويعرفون مقاربة الاستحقاقات، خصوصا الدولية منها، بحكمة وحنكة، غير متكلين على ايحاءات واملاءات تأتيهم من هذه السفارة أو تلك، ما يعني أن رهانات الحريري هي رهانات خاسرة، خصوصاً أن الدعوة التي أطلقها عبر أزلامه من "البريستول" الى حكومات العالم بعدم التعامل مع الحكومة الحالية لم تلقَ الصدى بل جرى تجاهلها بالكامل.

أزاء ما تقدم، لا بد من طرح الأسئلة التالية: "ماذا يفعل الحريري في الخارج؟ وأي خلية يديرها البعض من فريق عمله؟ وماذا عن علاقته بالتحضيرات المالية واللوجستية التي تواكب ما يجري في سورية؟ وأي نوع من المعارضات يتحالف معها الحريري؟ هل هي المعارضة الاصلاحية؟ أم المعارضة التي تحاول أن تجعل من بعض المدن والمناطق في سورية إمارات لها"؟

إن سعد الحريري الذي أطلق بنفسه الرصاصة على رأسه، وانتحر سياسياً من خلال مواقفه اللامتوازنة والصبيانية في بعض الاوقات، يكرر المشهد نفسه في الخارج مؤكداً في هذا المجال أنه غير مستعد أن يتعلم من التجارب، وأنه غير مستعد أن يطور نفسه وهو الذي أوصلته الصدف الى كرسي السلطة الثالثة في لبنان، وكما يبدو أنه معجب جداً بسياسة التبعية والغلمان التي لا مكانة لها في لبنان.

.. لا شك ان الحريري قد وصل في العلاقة بينه وبين شركائه في الوطن وبينه وبين دمشق الى مرحلة اللاعودة، بمعنى أنه وصل الى آخر درجة في السلم، وهو غير قادر على الصعود لأنه سيقع، وبالتالي ما عليه إلا أن يبقى معلقاُ على السلم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

هنا لا بد من طرح السؤال على الحريري نفسه، ماذا لو قررت سورية المواجهة؟ وأين سيكون موقعه وموقع غيره في المعادلة الاقليمية؟ خصوصاً ان سورية لا تزال رغم كل شيء هي الأقوى ولن تُستفرد، ولو كانوا يملكون القدرة على استفرادها او إحداث تغييرات في داخلها لما كانوا يحاولون الآن ضربها من الخارج، سواء عبر إصدار قرارات في مجلس الامن، أم عبر تشويه صورتها بواسطة الفضائيات العربية التي باتت تعمل على "الريموت كونترول" الأميركي والغربي.

إن كل المعطيات تؤكد أن الرئيس بشار الأسد حسم الامر الداخلي لمصلحة سورية، وأن ما يجري الآن هو دليل قوة النظام، فالكلام التركي الأخير لا يتعدى حدود مخاطبة السنة في العالم، وأن زيارة وزير الخارجية داوود أوغلو الى دمشق لا تحمل تهديداً أو توصية، بقدر ما هي لاسترضاء الرئيس الاسد، لاأقل ولا أكثر.

السابق
عين الحلوة هشاشة أمنية .. وإهمال للضحايا والأضرار
التالي
مركز معالجة النفايات رهن “القضاء” والنفايات قدر صيدا ومحيطها!