هل تمشي المقايضة بين “السلاح” و”المحكمة”؟

 قبل اسابيع وبعد حوادث امنية شهدتها طرابلس طالب فريق 14 آذار بجعلها مدينة منزوعة السلاح. وروّجت لهذا المطلب وسائل اعلامه كما نقلته وسائل اعلام الفريق المناوىء له. وبعد العملية العسكرية التي نفّذها "حزب الله" في ايار عام 2008 في العاصمة بيروت والتي استهدفت "تيار المستقبل" وحققت له سيطرة ميدانية مطلقة على المدينة وربحاً سياسياً قدمه اليه اتفاق الدوحة طالب الفريق المستهدف بجعل العاصمة مدينة منزوعة السلاح. واستمرت مطالبته اسابيع عدة. ثم تلاشت لأن اصحابها لا يملكون القوة الفعلية لفرض تطبيقها رغم انهم في تلك المرحلة كانوا يملكون غالبية نيابية اسفرت عنها انتخابات نيابية حامية ومعقولة. وتلاشت لسبب آخر ايضاً هو الاستحالة العملية لتنفيذ المطلب المذكور اعلاه. ذلك ان السلاح منتشر في كل مدن لبنان وبلداته وقراه. واي نزع له من مكان لن يوفر الأمن والاستقرار للبنان لأن اندلاع الفتنة في امكنة اخرى سهل للغاية. ولا شيء يمنع في حال كهذه امتدادها الى مناطق اخرى. فضلاً عن ان القوى الامنية والعسكرية لا تستطيع ان تنفذ مهمة نزع السلاح لأن الجهات المسلحة في لبنان اقوى منها وافضل تدريباً واكثر خبرة وتسليحاً، ولأنها على تنوعها تلقى دعماً شعبياً عملياً لا تلقاه القوى المذكورة الامر الذي يجعلها عاجزة عن العمل لتوفير أمنٍ بالتراضي فقط. وهذا الدعم الشعبي الذي تلقاه الجهات اللبنانية المتناقضة المسلحة حتى الأسنان منها او المكتفية حتى الآن بالسلاح الخفيف وربما بقليل من السلاح المتوسط يدل على ان الدولة في لبنان غائبة او على الاقل ضعيفة. والضعيف يكون عاجزاً عادة عن تطبيق القوانين على الجميع وعن ازالة الدويلات القائمة داخل الدولة. وعندما تضعف الدولة ويكون الشعب شعوباً يرتبط كل منها بقوة خارجية لتدعمه في معاركه مع "اشقائه" اللبنانيين او لتحميه منهم تصبح القرارات الاساسية في البلاد رهناً بموافقة هذه القوى الخارجية او بتوافقها او بقدرة بعضها على التغلب على بعضها الآخر.
طبعاً هذه الامور كلها يعرفها اللبنانيون لكنهم رغم ذلك يستمرون في الوقوع فيها اذا جاز التعبير على هذا النحو. ففريق 14 آذار رفع منذ اطاحته من الحكومة وانتزاع الغالبية النيابية منه بانقلاب وإن دستورياً شعار لا لسلاح "حزب الله" غير الخاضع لسلطة الدولة اللبنانية وقواها العسكرية والامنية ولا لدويلته الفارضة نفسها بقوة السلاح والمال والدعم الكبير الذي تتلقاه من ايران الاسلامية وسوريا والسائرة ببطء ولكن بثبات نحو دمج الدولة "الشرعية" بها او نحو الاستيلاء عليها. طبعاً لا يعكس هذا الكلام موافقة على الدويلة وعلى استمرار سلاح "حزب الله" مستقلاً عن دولة لبنان وجيشه ومرتبطاً في الوقت نفسه باستراتيجيا ايران وسياسة سوريا ومصالحهما. ذلك ان استمرارها على هذا النحو يهدد البلاد وشعوبها بالتفكك الفعلي وربما بتجدد الحروب الاهلية الطائفية والمذهبية. بل يعكس قلقاً من ان تؤدي المطالبة بازالة السلاح من البعض ورفض ازالته من البعض الآخر الى تدهور حقيقي لم يعد في استطاعة اللبنانيين تحمل تبعاته. ويزداد القلق هذا بسبب التطورات التي يشهدها العالم العربي منذ اشهر والتي يعتبرها البعض ربيعاً عربياً والبعض الآخر خريفاً قابلاً للتحوّل شتاء عاصفاً. ولعل اخطر هذه التطورات ما يجري في سوريا. ذلك ان انعكاسها على لبنان سيكون اكيداً سلباً او ايجاباً. فضلاً عن ان من شأنها دفع سوريا الموجودة في لبنان وايران الموجودة فيه ايضاً الى تشديد القبضة عليه والى محاولة اضعاف خصومهما فيه او ربما انهائهم.
ولمن يشكك في ذلك نورد "معلومة" لا يبدو انها منتشرة على نطاق واسع في اوساط الناس المندفعين "على العمياني" وراء الاحزاب والتيارات والسياسيين الممسكين بالساحة اللبنانية. وهي تشير الى ان فرنسا اقترحت في وقت سابق وفي صورة غير رسمية طبعاً اجراء نوع من المقايضة او السعي لاجرائها بين "السلاح" كله في لبنان و"المحكمة الخاصة بلبنان" المعروفة بالمحكمة الدولية. وتقضي هذه المقايضة بجعل لبنان كله منزوع السلاح الفردي والحزبي والميليشيوي والطائفي والمذهبي ويجعل الدولة المالك الحصري للسلاح، وبصرف النظر عن المحكمة الدولية التي يبدو انها تثير قلق مَن تستهدفهم داخل لبنان وخارجه. اما كيف يكون صرف النظر فاننا لا نعرف تفاصيل عدة عن ذلك لكن نتصور ان يكون للدول الكبرى دور في ذلك. وكان مصير هذا الاقتراح الرفض من سوريا وايران. 

السابق
تجديد النظام أم الفوضى؟
التالي
رسائل