رسائل نصر الله… وعود بالثراء النفطي لتغطية الإفلاس السياسي

 لم تعد تقتصر رسائل الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله على الداخل اللبناني. وخطابه المتلفز الأخير يحمل أكثر من رسالة إقليمية لمن يهمه الأمر. هي رسائل توخت إيران إيصالها عبره كونه يشكل امتدادا وهو وسيطها الإقليمي المميز. وفيما توخى نصر الله اتخاذ الواجهة المخملية في دغدغة مشاعر اللبنانيين بدنو مرحلة الثراء القريب, ظهر وبشكل فاقع تعمده التهرب من مقاربة المواضيع الأهم والأخطر, والتي تأتي في مقدمها أزمة النظام السوري, واستمرار تخبطه وغرقه كل يوم أكثر من يوم في خضم براثن الانتفاضة الداخلية, وتأتي بعدها حادثة الاعتداء على الكتيبة الفرنسية التابعة لقوات "اليونيفيل" المرابطة على الحدود مع إسرائيل.
لقد ركز الأمين العام ل¯ "حزب الله" على الموضوع النفطي من باب ذر الرماد في العيون, ولكي يحجب ويشوش الرؤيا عن واقع تقهقر سياسته على الصعيد الداخلي وتراجع قدرة إيران على امتلاك أوراق إقليمية إضافية فاعلة وقادرة على تغيير المعادلة القائمة. أما وقد بانت وبشكل جلي وواضح حاجة الحزب وإيران من ورائه, لاستفزاز الجانب الإسرائيلي على أمل دفع الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرار بالرد المناسب على هذه اللهجة الاستفزازية, وعلى أمل أن تهرول قيادة العدو العسكرية لرفع هذا التحدي عن طريق فتحها لجبهة قتالية على الحدود الجنوبية مع لبنان, تساهم من ناحية في خلط الأوراق الإقليمية لمصلحة النظام السوري على خلفية معادلة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة", وتساهم من ناحية أخرى في إبعاد احتمال تحميل إيران أعباء التدخل لنشل النظام الحليف من ورطته عن طريق شن عدوان على تركيا, لتلقينها الدرس المطلوب بعد أن تحولت رأس حربة للمجتمع الدولي في سعيه الى وضع حد لانحرافات وارتكابات وتجاوزات النظام السوري. أما الغريب والملفت فهو كأن نصر الله عندما يعلن بأن "جنرالات كبارا ًفي كيان العدو الإسرائيلي ونخباً سياسية يحذرون حكومة العدو من شن حرب ضد لبنان لأن نتائجها ستكون كارثية وبأن الفشل سوف يتكرر", كأنه وعن طريق هذا الكلام العالي النبرة الذي يحاول عبره استفزاز الجانب الإسرائيلي, نسي أو ربما تناسى أن إسرائيل لا تعمل هكذا, أي بطريقة الانجرار الى حرب لا تقررها هي, وبتوقيتها هي وبجغرافيتها وحدودها هي أيضاً. أما التساؤل فهو حول مدى إفلاس سياسة نصر الله الذي يعرف تمام المعرفة بأن عملية نفش للريش هذه لم تفلح في الماضي, وحول مضيه رغم من هذه الحقيقة, في المراهنة على نجاحها استثنائيا اليوم.
أما الواقع الآخر والذي لا بد من التسليم به أيضاً فهو أن "حزب الله" عندما يلجأ إلى طريقة "نفش الريش" هذه, لتجنيب إيران الحاجة لشن حرب على تركيا كما سبق وهددت بذلك منذ مدة قريبة حيث أكدت مصادر مطلعة لصحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من "حزب الله" الموالي لطهران, بأن سورية وتحديدا نظام بشار الاسد هو خط أحمر, "حزب الله" إذا هو بصدد حرق أوراقه الأخيرة . وعندما تعلن طهران بأنها "في حال جعلت تركيا أرضها مقراً لاستنساخ السيناريو الليبي على الحالة السورية" , فإن القوات الإيرانية ستقصف القواعد الأميركية وأي وجود أطلسي على الأراضي التركية, هذا يعني بأن الحدود السورية – التركية باتت منطقة شديدة الحساسية وقابلة للاشتعال, في حال استمرت سورية في تصعيد عملياتها على هذه الحدود وخصوصا في مسألة ملاحقة الفارين باتجاه الداخل التركي.
والجدير بالذكر أيضاً هو أن تركيا تعمل على تقبل مبادرة تبريد حدة التوتر وعلى إعادة مد الجسور مع إسرائيل لتخفيف تداعيات الأزمة التي نشأت بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية التركي, بدأت تتحول المعطيات بالنسبة الى مصير النظام السوري, ما يعني ان كل تحرك تركي باتجاه الداخل السوري بات معرضاً لملاقاة الدعم الدولي والتأييد المطلوب, وخاصة من قبل الجانب الإسرائيلي الذي كان حتى البارحة يسعى الى نشل النظام السوري من براثين الهلاك . وللتذكير فالتغيير في طبيعة العلاقة بين البلدين جاء بحصيلة الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون إلى تركيا في نهاية شهر يونيو الماضي حيث التقى سراً مع رجب طيب أردوغان ومع رئيس المخابرات التركية فيدان حاكان وهو المسؤول التركي نفسه المكلف متابعة الملف السوري. هذا وعلم أنه وخلال هذا الاجتماع اتصل الرئيس الأميركي ليعرب عن قناعته بأن نظام بشار الأسد سوف يسقط تحت ضربات المعارضة السورية وخلال فترة لا تتعدى ال¯4 أو ال¯6 أشهر. ونصح الفريقين التركي والإسرائيلي بتحضير ستراتيجي لمرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي في سورية.
ماذا يعني ذلك? ذلك يعني بأن إسرائيل باتت على استعداد للتخلي عن نظام بشار بعد أن تمسكت به في المرحلة السابقة بدافع الخوف من نظام أصولي بديل, كما يعني بأن إدارة أوباما تلقت بموجب هذا الموقف الإسرائيلي إشارة خضراء لتكثيف الضغوط على النظام السوري وصولاً إلى دفع تركيا لتصعيد عسكري ما على حدودها مع سورية في ظل استمرار أجهزة الأمن السورية بملاحقة الفارين على الحدود السورية التركية.
من هنا لا بد من التسليم بأن تركيا باتت تدخل بقوة على كل الملفات وعلى مختلف الأزمات الشرق أوسطية العالقة, وبخاصة على ملف القضية الفلسطينية, أم القضايا, حيث تلقت وعدا من إسرائيل بعدم مناهضة أي اتفاق بين السلطة و"حماس" في حال كانت تركيا هي الوسيط في تقريب وجهة النظر بين الطرفين.
في المحصلة يمكن القول ان إسرائيل عندما تتخلى عن نظام الاسد, سوف تقلع طبيعياً عن فتح جبهات إضافية على حدود لبنان, لأنها لن تعود بحاجة الى ذلك كون سفينة بشار عندما ستغرق "وتغور" سوف تأخذ معها طبيعياً كل حلفائها السابقين. ومن هنا أيضاً يمكن تفسير حادثة التعدي على الكتيبة الفرنسية في اليونيفيل, إذ هناك تساؤل بات يطرح نفسه بقوة حول محدودية البدائل, بعد الإفلاس السياسي لجبهة الممانعة المتمثلة بثلاثي طهران "حزب الله" والنظام السوري. ماذا بقي أمام "حزب الله" وإيران سوى التفجيرات لإيصال الرسائل? "اليونيفيل" كبش محرقة. لمَ لا إذا كان ذلك يخدم عملية خلط الأوراق? 

السابق
خطاب «الفزاعة»: وهم الطائفية والإرهاب
التالي
من الخيارات الضيقة الى خيار مغلق؟