قبل ثلاثة أيام من رمضان: لا مال للرواتب لدى السلطة

 في بداية الاسبوع الثاني من تموز دخل حساب بلال من الخليل نصف راتبه فقط، نحو 1.400 شيكل، وهو واحد من 150 الف موظف في القطاع العام (مدني وأمني) في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، دفعت لهم وزارة المالية في رام الله نصف راتبهم فقط. "كيف سأتدبر أمري بالنصف؟"، ضحك بلال (الاسم الكامل لدى اسرة التحرير)، له أقدمية عشر سنوات كموظف في احدى وزارات السلطة، أقدمية نشاط لـ م.ت.ف وبضع سنوات في السجن الاسرائيلي. "حتى بالراتب كله (2.800 شيكل) لا أتدبر أمري وأجدني ملزم بالتخلي عن الكثير من الاشياء"، مثل الانترنت والنوادي للاطفال والرحلات مع العائلة. الان، مع نصف راتب، أوقف الاتصال بالهاتف النقال والسفر الى رام الله مرة في الاسبوع للقاء اصدقاء نشطاء مثله في اللجان المختلفة ضد المستوطنات. وأطفاله سيتخلون عن بعض الدلال في الصيف، العاب الحاسوب التي وعد بها والفواكه التي لا توجد في الحديقة.
الاعياد على الابواب
يوم الاحد أو الاثنين التالي يبدأ رمضان. بعد شهر – عيد الفطر الذي ينتهي به شهر الصيام، وبعده فورا تبدأ السنة الدراسية. المواعيد الثلاثة هذه تنطوي دوما على نفقات اضافية لكل العائلة، ولا غرو، إذن بان أزمة الرواتب هي التي تشغل بال معظم الجمهور الفلسطيني. أكثر بكثير من أيلول في الامم المتحدة، بل وحتى أكثر من محادثات المصالحة (العالقة) بين حماس وفتح. هذه هي المرة الثانية هذه السنة تؤخر فيها حكومة رام الله، برئاسة سلام فياض الاجر العام. في ايار أخرت السلطة نحو ثلاثة اسابيع دفع الرواتب لان اسرائيل – كعقاب على اتفاق المصالحة بين حماس وفتح – أخرت نقل أموال الجمارك والضرائب التي تجبيها في اراضيها، ومصدرها صفقات تجارية فلسطينية. أما هذه المرة فالسبب هو تأخير متراكم في تحويل التبرعات من دول العالم، كدعم دائم للميزانية الفلسطينية الجارية.
النفقات الجارية للسلطة الفلسطينية للعام 2011 هي 3.232 مليار دولار، منها 1.71 مليار مخصصة للرواتب. مداخيل السلطة المحسوبة في ميزانية هذا العام – 2.254 مليار دولار. قبل ثلاث سنوات الفارق بين النفقات والمداخيل كانت أعلى بكثير، أي أن الوضع يتحسن. ولكن التحسين في المعطيات الاقتصادية (نمو سنوي بمعدل 9.4 في المائة في 2010) لا يعتمد على التوسع في النشاط الانتاجي. واقع الاحتلال الاسرائيلي لا يسمح بمثل هذا التوسع. 60 في المائة من اراضي الضفة الغربية محظورة على التنمية الفلسطينية. اسرائيل تحظر استئناف النشاط الانتاجي في غزة والتصدير منها، وقيود الحركة في الضفة الغربية وخارجها ليست ودية للاعمال التجارية. ومثلما كتب في تقرير البنك الدولي في نيسان من هذا العام (الذي يتناول هو أيضا، بلغته، المحظورات آنفة الذكر): "مع ذلك، لا يبدو ان التنمية مستديمة. فهي تعكس انتعاشا من السقوط العميق جدا في زمن الانتفاضة الثانية، وهي محصورة اساسا بالقطاع غير التجاري (الذي ليس موجها للتصدير) وبالاساس تحركه التبرعات". السلطة الفلسطينية تحسن باستمرار جباية الضرائب والدفعات من الجمهور، وهذا سبب مركزي لتقليص الفارق في الميزانية.
الدول المانحة تعبر عن رغبتها في الهدوء الاجتماعي وفي الحفاظ على الوضع الراهن في الجيوب الفلسطينية من خلال تغطية معظم الفارق بين المداخيل والنفقات في الميزانية الفلسطينية. وقد وعدت بان تغطي هذه السنة نحو 970 مليون دولا (نحو نصف المبلغ الذي غطته في 2008). حتى نهاية حزيران نقل الى صندوق السلطة 370 مليون دولار. منها 79 مليون فقط من الدول العربية (من اتحاد الامارات، الجزائر وعُمان). ممثلو السلطة الفلسطينية يبقون على الغموض عندما يتحدثون علنا عن حجم الوعود العربية غير المنفذة: من الصعب أن نعرف ما هو المبلغ الدقيق الذي وعدت به الدول العربية. هناك من يقول أقل من النصف، وهناك من يقول نحو الثلثين. كما ان الممثلين لا يشيرون صراحة الى اسماء البلدان التي لها مداخيل هائلة من النفط، وأيديها مقبوضة. ولكن، هذه المرة قالوا صراحة ان الازمة تنبع من عدم الايفاء بالوعود العربية.
رئيس السلطة عباس طلب، وممثلي الدول في الجامعة العربية في القاهرة التقوا في منتصف الاسبوع مع سلام فياض. وقد وعدوا بان ينقلوا الى أصحاب القرار رسالته العاجلة. السعودية حولت هذا الاسبوع 30 مليون دولار. هذا هو عُشر المبلغ المطلوب لمنع تعميق الازمة.
يشترون أقل
الاضرار المتسلسلة التي تنبع من تأخير الرواتب واضحة في كل القطاعات. فالناس يتأخرون في دفعاتهم للكهرباء والماء. خطوط الهاتف تنقطع تلقائيا بسبب التأخير في الدفع. أصحاب المحلات يتحدثون عن أن حجم المشتريات انخفض، وان قائمة المشترين بالمدين ارتفعت. وعلى نحو مشابه انخفض عدد المستخدمين للسيارات العمومية. لجنة حكومية خاصة تتفاوض مع ممثلي العاملين، وتبحث في اقتراحهم ان يعمل الموظفون في مدن سكناهم، والا يسافروا الى الوزارة المركزية في رام الله: وهكذا يوفرون رسوم المواصلات ولكن هذا ايضا سيتقلص أكثر فأكثر النشاط الاقتصادي.
في الاشهر الاولى استدانت السلطة من البنوك، الى أن وصلت الى السقف المسموح به للاقتراض. بنك فلسطين أقرض الموظفين العموميين من بين زبائنه النصف الثاني من الراتب. بنوك اخرى أعلنت بانها ستحسم فقط نصف مبلغ التسديد الشهري الذي يدفعه الموظفون على القروض التي أخذوها: في السنوات الاخيرة شجعت السلطة الجمهور على أخذ قروض كبيرة لشراء شقة ومنتجات كالسيارات. هذا جزء من التفسير للوفرة المفاجئة للسيارات الجديدة، بما فيها الفاخرة. أما الان فليس لدى ماهر (الاسم الكامل محفوظ في اسرة التحرير)، أحد اصحاب هذه السيارات، الذي يدفع بضع مئات من الشواكل لتسديد الدين كل شهر، المال ليدفع على البنزين.
وليس فقط لا تملك السلطة قدرة على دفع الرواتب، بل انها لم تسدد ديونها للموردين المختلفين ولا سيما موردي الادوية والمستشفيات الخاصة التي ينقل اليها بعض من المؤمنين. بيع الادوية للسلطة لم يتوقف ولكنه انخفض. كما أن السلطة لم تدفع لمقاولي البناء الذين فازوا بعطاءاتها. في الشهر الماضي قرر اتحاد المقاولين الكف عن الاستجابة لعطاءات السلطة. في الاسبوع الماضي قرر المقاولون وقف اعمالهم في مشاريع السلطة.
رئيس اتحاد الموظفين العموميين، بسام زكارنة، ذكر في احد الاجتماعات العامة بان حكومة السلطة أعلنت في الماضي بانها ستحسم من راتب الموظفين ايام الاضراب التي اقاموا في الشهر الماضي. وسأل: "وماذا اذا كان هذا العكس. والناس لا يحصلون على أجرهم على عملهم؟" كيف سيعوضون؟ في جلسة مغلقة، قال اقتصادي شارك فيها لمندوب الاتحاد: "كل منفعتكم هي في رواتبكم الشهرية. من يحتاجكم عندما لا تجلبون هذه الرواتب ايضا؟". 

السابق
السكن والمستوطنات: معضلة الخيام
التالي
ناشيونال انترست: سقوط الملالي او الأسد يجعل أيام نصرالله معدودة