دحلان: الجيش خرق وعدا من ديسكن بعدم اعتقال المطلوبين

 مسؤولان كبيران في السلطة الفلسطينية شهدا مؤخرا، على نحو استثنائي، في محكمة عسكرية اسرائيلية في المناطق. توفيق الطيراوي ومحمد دحلان، اللذان كانا على رأس جهازين امنيين في السلطة، امتثلا أمام المحكمة كشهود دفاع عن ضابط أمن فلسطيني، اعتقلته اسرائيل. بزعمهما، يشكل اعتقاله خرقا لوعد اسرائيلي، قطعه رئيس جهاز الامن العام "الشباك" – المخابرات السابق يوفال ديسكن. المحكمة، التي أولت مصداقية للرواية الفلسطينية، قبلت زعمهما، ولكنها قررت الاسبوع الماضي عدم الغاء لائحة الاتهام بسبب خطورة الافعال المنسوبة للمعتقل.
جمال حاج، الذي خدم كضابط في جهاز المخابرات العامة في الضفة، اتُهم بسلسلة جرائم ارهاب، بما فيها المشاركة في ارسال مخرب انتحاري قتل ثلاثة اسرائيليين. كان حاج اعتقل في أيار 2007، بعد أشهر معدودة من ادراج اسمه في تسوية المطلوبين بين اسرائيل والسلطة. ويبدو أنه اعتقل بالصدفة، في اثناء حملة لاعتقال مطلوبين آخرين.
محاكمة حاج تجري في المحكمة العسكرية في السامرة، في حاجز سالم على الخط الاخضر. في اثناء محاكمته طرحت محاميته، المحامية ميراف خوري، ادعاءا بموجبه اسرائيل خرقت "وعدا اداريا" سابقا بعدم اعتقاله. وعليه، فقد ادعت بأنه يجب الافراج عن حاج والغاء الاجراء القانوني ضده.
وكان الطيراوي، رئيس جهاز المخابرات العامة في الضفة الغربية، على مدى معظم العقد الماضي. محمد دحلان كان رئيس جهاز الامن الوقائي في قطاع غزة وبعد ذلك شغل لزمن ما منصب الوزير المسؤول عن المفاوضات الامنية مع اسرائيل. والرجلان هما عضوان في اللجنة المركزية لفتح، ولكن دحلان نُحي مؤخرا في أعقاب مواجهة شديدة مع رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن).
دحلان والطيراوي، ومعهما رئيس بلدية نابلس السابق، غسان الشكعة، أدلوا بشهاداتهم كشهود دفاع عن حاج. وشهد دحلان عن تسوية المطلوبين التي بلورتها اسرائيل والسلطة، وكان اسم حاج اندرج فيها. وحسب اقواله، شكل الاتفاق عفوا اسرائيليا عن المطلوبين الذين تضمنتهم القائمة. وقال دحلان ان "الموافقة الاسرائيلية هي عفو عن كل الاشخاص المسجلين في القائمة. والفهم في الاتفاق هو ألا يُعتقل كل من يظهر في القائمة ولا يحاكم بأثر رجعي ويبقى في بيته دون أن يعمل في المؤسسة الامنية الفلسطينية". وحسب اقواله ما كان يمكن اقناع المطلوبين بالانضمام الى الاتفاق دون العفو الكامل.
واعترف بأن الاتفاق لم يكن خطيا. "للسياسيين امور أهم من هذه التفاصيل"، شهد قائلا، "من ناحيتي النتيجة أهم من التفاصيل، لسبب واحد بسيط: أنا لا يمكنني أن أوقع على اتفاق من هذا القبيل من ناحية جماهيرية ولا أنتم، كدولة اسرائيل، تستطيعون". وروى دحلان بأن حاج كان أحد الاشخاص المركزيين الذين بُحثت قضيتهم عند الاتصالات للوصول الى الاتفاق.
وشهد بأنه عقد عشرات اللقاءات على ذلك مع ديسكن ورجاله وتلقى وعودا شخصية من رئيس الوزراء الأسبق اريئيل شارون، من رئيس مكتبه المحامي دوف فايسغلاس ومن ممثلي الادارة الامريكية. وشهد دحلان على أنه في حالة اخرى اعتقل مطلوب كبير آخر من نابلس، جهاد مسيمي، كان ضمن اتفاق المطلوبين. واسرائيل، كما قال، اعترفت بأن مسيمي اعتقل على سبيل الخطأ وأفرجت عنه.
وشهد الطيراوي عن لقاء أجراه مع ديسكن ومع ر.، الذي كان في حينه رئيس منطقة الضفة في المخابرات، وروى أن الرجلين قالا إن حاج "لن يعتقل اذا بقي في المنطقة التي يوجد فيها ولم يقترب من الحاجز… وقالا انهما يعرفان أين يتواجد ولن يعتقلاه. وبعد أن اعتقلوه، سألت ر.، هاتفيا، لماذا اعتقلوه. فأجابني إنه على سبيل الخطأ. سألته اذا كان سيطلق سراحه فقال لي انه لا يستطيع".
النيابة العامة العسكرية طرحت سلسلة ادعاءات، بعضها متناقض، ردا على ادعاءات المحامية. وزُعم أن حاج خرق شروط الاتفاق معه، لانه خرج قبل الاعتقال من مدينة نابلس (وهو ادعاء لا يستوي مع القول إن الاعتقال كان بالصدفة). كما زُعم أن ديسكن لم يكن مخولا بضمان العفو، لان مثل هذه الخطوة هي من صلاحية وزارة العدل فقط.
رئيسة المحكمة، المقدم داليا كوفمان، ردت الادعاء وقررت بأن "ما كان من المناسب أن يطرح، وذلك لان هذا ليس سلوكا مناسبا لدولة أن تتعهد باتفاق وبعد ذلك تتنكر له بدعوى أن من قطع التعهد لم يكن مخولا بفعل ذلك، مع انه عمل بقوة تكليفه من الدولة". كوفمان وقاضي آخر قالا استنادا الى شهادة الطيراوي بأن التعهد الاسرائيلي ألا يعتقل حاج (وليس انه تلقى عفوا) وأن المخابرات لم تتعهد صراحة بعدم تقديمه الى المحاكمة.
وحسب اقوالها، "لا مجال للتشكيك بمصداقية "دحلان الذي شهد بأنه طلب عفوا كاملا". ومع ذلك، يتبين من الأدلة أن التعهد من جانب الجهات الاسرائيلية لم يتضمن تعهدا بعدم تقديم المتهم الى المحاكمة. لشدة الأسف، ليس بين الطرفين اتفاقا مكتوبا ولهذا يمكن للمحكمة فقط أن تبلور استنتاجا انطلاقا من الأدلة".
وتعترف كوفمان في انه وقع خلل في سلوك الدولة، التي انتهكت وعدا لحاج بألا يعتقل. ولكن، مقابل المس بتوقعات المتهم، توجد برأيها مصلحة لاستنفاد الاجراء الجنائي. فما أن اعتقل حاج، قالت، فثمة مجال لاعطاء وزن أثقل لهذه المصلحة، ولا سيما عندما يدور الحديث عن اتهام بعملية انتحارية واعمال قتل.
وبالمقابل، برأي الأقلية، قضى المقدم احتياط إيال ن. بأنه يجب الغاء الاتهامات ضد حاج. وحسب اقواله، دحلان "قدم شهادة مفوهة وموضوعية واقتنعت بمصداقيتها"، فيما كان يذكر التعبير العربي الصريح "عفو". وبرأي ن.، المخابرات كانت مخولة بالتعهد بعدم اتخاذ اعمال فرض للقانون – و"عدم اتخاذ اعمال الفرض" معناه ايضا الامتناع عن التقديم الى المحاكمة. المتهم، كما قال، اندرج صراحة باسمه في التسوية من قبل ديسكن والنيابة العامة لم تثبت بأن المتهم خرق الاتفاق بحيث يستوجب اعتقاله. وعليه، كما يعتقد ن.، فان التعهد السلطوي ساري المفعول ويجب تنفيذه. ومع ذلك، بقي ن. في موقف الأقلية. المحاكمة ضد حاج، الذي بقي في المعتقل، ستُستأنف قريبا. 

السابق
مزارعو الجنوب: لدعم التصدير وابرام الاتفاقيات التجارية
التالي
إذن من صفي هناك؟؟