صراع طويل ومصيري بين (ثورة وانقلاب)

 البلطجية في الخدمة، بصرف النظر عن تبدل الظروف من حول الذين يستخدمونهم. جيء بهم الى ميدان التحرير للاعتداء على المعتصمين المطالبين بإسقاط النظام في ما سمي (موقعة الجمل). وجيء بهم الى العباسية للاعتداء على المتظاهرين أمام وزارة الدفاع المطالبين بتحقيق أهداف الثورة. والاتهامات جاهزة للاستخدام، وإن تغير أصحاب الخطاب. ففي أيام حسني مبارك كانت التهمة الموجهة الى الثوار هي (العمالة والعمل لمخططات ومؤامرات خارجية). وفي مرحلة ما بعد مبارك، فإن التهمة الموجهة الى (حركة 6 ابريل) هي أيضاً أن فيها (عملاء وحاقدين) وأنها تحاول (الوقيعة بين الشعب والجيش). والمفارقة أن (حركة 6 ابريل) هي التي بدأت (ثورة 25 يناير)، وحين يتهمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالعمالة، فإنه يلغي عملياً شرعية الثورة.
وليس أخطر مما جرى في العباسية من اعتداء جسدي وسياسي على الثوار سوى قانون الانتخابات النيابية الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهو قانون أعلن قادة 35 حزباً رفضه والامتناع عن خوض الانتخابات إن لم يعمد المجلس الى تعديله. فالثقوب فيه كبيرة لكن الثقب الأكبر هو تجاهل الاقتراحات التي قدمتها الأحزاب، والإصرار على تقسيم المقاعد مناصفة بين القوائم الحزبية المغلقة على أساس النظام النسبي، والمرشحين المنفردين على أساس النظام الأكثري.

والترجمة العملية لذلك، كما رأى قادة الأحزاب، هي إعادة انتاج النظام السابق، عبر استخدام المال والبلطجية للتلاعب بانتخابات الدوائر الفردية لمصلحة مرشحين من بقايا الحزب الوطني الذي كان حاكماً.
وفي البدء كان الخطأ: التسليم للمجلس العسكري بأخذ الشرعية الثورية الى جانب صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشورى. فالأداء السياسي للمجلس الأعلى شيء، والدور الوطني للجيش شيء آخر. والخلل واضح في المعادلة التي وضعها رئيس الحكومة عصام شرف وهي (ان الشعب يريد ويعبر، والحكومة تدرس وتنفذ في ضوء امكاناتها، والجيش يحمي ويحرس). فالحكومة تتباطأ حتى في حدود امكاناتها. والجيش يحمي ويحرس عملياً النظام السابق، وهو أصلاً نظامه الذي استرده من مبارك.
ولعل المعادلة الأصح هي التي اختصرت بها شخصية سياسية مصرية الصراع الحالي بالقول: (هناك نصف ثورة ونصف انقلاب). وكل طرف يحاول إكمال النصف الذي صنعه. الذين عاشوا على النظام السابق يريدون إكمال الانقلاب على الثورة. وشباب الثورة يريدون إكمال الثورة لقطع الطريق على الانقلاب الذي يعيد انتاج النظام.
والصراع مصيري في طريق طويل وصعب. وكل الأمل هو في أن تكتمل الثورة بدل الانقلاب لأن ذلك يقرر مستقبل الربيع العربي. 

السابق
عون يتّجه إلى طرح تعديل الطائف والعنوان: صلاحيات الرئيس!
التالي
وثيقة الأزهر مبادئ التقدم المصرية نحو الدولة العصرية