مزارع لاسا

عندما يشارك احد قياديي "حزب الله" في اجتماع بكركي للبحث في مشكلة النزاع على ملكية الاراضي في بلدة لاسا في أعالي جبيل، ثم ينبري بعد ايام نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان ليحذر في خطبة الجمعة من "مؤامرة على البلدة" ويقول "يكفينا مشاكل من اسرائيل التي تحتل الارض وتنتهك السيادة"، يشعر المرء بأنه امام حالة تماثل حالة مزارع شبعا اللبنانية التي احتلتها اسرائيل في الحرب على سوريا عام 1967 وذهبت الى مصير مماثل لمرتفعات الجولان السورية. فهل هذا الشعور في محله؟ قد يكون في غير محله لو ان النزاع على ملكية الاراضي التي تمتد على تراب الوطن كاملا سلك طريقه الى الحل الطبيعي عبر المؤسسات المعنية من قضاء ومساحة وامن. لكن ان يتجه النزاع نحو ظهور مربع امني وسلطة امر واقع تعتقل الصحافيين وتمنع الطرف الرئيسي المعني بالملكية، اي البطريركية المارونية من الوصول الى المكان وخروج وزير الداخلية الجديد ابن المنطقة بتصريح غريب يدعو الى التعامل مع الوضع كما تعامل لبنان سابقا مع سلطة منظمة التحرير الفلسطينية، فهذا ما يثير الريبة ويرسم اكثر من علامة استفهام.
من حيث المبدأ، وحتى تماثل مرتفعات لاسا مرتفعات شبعا يقتضي ذلك ان يكون هناك "جيش الاحتلال الماروني" نظيراً لجيش الاحتلال الاسرائيلي الذي سيطر على مزارع شبعا. ثم يقتضي ان تكون مرتفعات لاسا خالية تماما من السكان، كما هو حال مرتفعات شبعا. وايضاً وايضاً يجب ان تكون هناك معضلة الحصول على اقرار من سوريا بأن مزارع لاسا لبنانية مثلما لا يزال المطلوب الحصول عليه من النظام السوري في شبعا لكي يجري ادخال الأمم المتحدة طرفاً في التحكيم ضد "جيش الاحتلال الماروني".
لا شيء من هذه الافتراضات موجود. لا بل ان منطقة جبيل التي عرفت سلما اهلياً نادر المثال عندما جرفت الحرب عام 1975 سائر المناطق ابقت لاسا وغير لاسا بأهلها حيث هم منذ زمن بعيد. فهل المطلوب خلق ذرائع في لاسا تلهي لبنان عن الذرائع القديمة في شبعا وغير شبعا؟
اخبرني صديق سوري قصة يعرفها الشعب السوري جيداً، وهي ان اجهزة النظام السوري عندما كانت تعتقل الافراد وتغيّب آثارهم تترك اهاليهم امام سلطات تقدم الجواب الآتي: لو كان الشخص الذي تسألون عنه موجوداً في هذا السجن او ذاك لكان اسمه مدرجاً في دفتر السجن. انظروا ان اسمه ليس موجوداً!
دفتر الدولة اللبنانية لم يكتب حتى الآن ان هناك دولة موازية. ولا عجب اذا أخرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد ايام الدفتر وقال للمجتمع الدولي ان اسماء المتهمين الأربعة المطلوب مثولهم امام المحكمة في لاهاي غير مقيّدة. وعليه ترفع المسؤولية عنه وعن حكومته!
الشعب السوري بدأ بتمزيق دفتر النظام المتسلط عليه، والعقبى للبنان يمزق دفتر التواطؤ.

السابق
الدين والحياة.. والمرأة
التالي
ماذا بعد تواصل الحريري – جنبلاط؟