رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء في حكومته ليسوا من جنس الملائكة، وانخراطهم في العمل السياسي ليس من نمط التطوع في الجمعيات الخيرية. وهم مثل غيرهم من أهل الطبقة التي ينتمون اليها يجيدون لغة التعاطي بالمصالح والطموح. غير أن هذه الحكومة بالذات، وبالنظر الى ظروف ولادتها، ووجودها الدائم تحت المجهر، فإنها ترغب في العمل بأسلوب الملائكة والجمعيات الخيرية، والصالح العام، ولو على حساب مصالح مكوناتها الفئوية والفردية. وهي تصرفت حتى الآن من موقع رد الفعل على الهجمات الكاسحة التي تعرضت لها منذ التكليف بداية، وبعد التشكيل ونيل الثقة تالياً. وقد تعرضت هذه الحكومة باكراً الى المحاكمة على أساس النيات والاحتمالات، وليس على أساس ما تقوم به من الأفعال، بل وحتى قبل أن تتخذ أي قرار في أي موضوع كان. وكان رد فعلها هو التأكيد على نفي التهم المسبقة، وانها ستعمل دون كيدية ولا انتقام، وانها ستكون حكومة كل لبنان، وكل اللبنانيين…
هذا في الظاهر فقط. وواقع الحال أن المعارضة تملك أسلحة سياسية كثيرة لاستخدامها ضد الحكومة، ولكن الحكومة ليست عزلاء من الأسلحة السياسية، وعادة من يكون في السلطة تكون أدواته أمضى وأشد فعالية. واذا استمر الصراع في التصاعد بين الحكومة ومعارضيها دون ضوابط، فسنصل الى مرحلة الاشتباك ب السلاح الأبيض – بالمفهوم السياسي – والى أن يتحول المواطنون الى عشب في الغابة تحت قوائم الأفيال المتصارعة. وسيشمل الصراع كل الساحات وبالأخص في ساحتين: العدالة والمال. وعندما تهجم المعارضة بسلاح المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سترد قوى الأكثرية في الميدان نفسه بملف محاكمة شهود الزور. وعند اتهام الحكومة بالكيدية في التعيينات الادارية والأمنية فإنها سترد بفتح ملفات الفساد لكبار الموظفين ومن يقف وراءهم، وهكذا… وكلما كسبت المعارضة جولة في الكلام، ستكسب الحكومة جولات في الفعل واتخاذ القرارات…
هذه الحقائق يعرفها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ويعرف سوء انعكاساتها على الوطن والمواطنين. ودعوته الاستباقية الى الحوار الوطني ما هي الا محاولة لقطع الطريق على الأسوأ الذي يمكن أن نصل اليه، في ظروف إقليمية ودولية متغيرة وغير مستقرة الى أجل غير محدد. ولهذه الأسباب تحديداً تستحق دعوة الرئيس سليمان الى المساندة الفعالة سياسياً وشعبياً وعلى المستوى العام.
