لهذه الأسباب لن تشارك قوى “14 آذار” في طاولة الحوار

يجمع اللبنانيون، على ندرة ما يجمعون عليه، انه لا بد من الحوار في ما بينهم مهما طالت القطيعة وتعمّقت الهوة. لكن مواضيع الحوار وظروفه وتركيبته وسقفه وضماناته، نقاط خلاف تحتاج الى حوار بحد ذاتها.
ألمح رئيس الجمهورية ميشال سليمان في عشاء عمشيت الى نيته إجراء سلسلة مشاورات لـ«جس نبض» إمكان إحياء طاولة الحوار. لم يتأخر رئيس المجلس نبيه بري في ملاقاة دعوته ولو «على قارعة الطريق». اما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط فـ«وسطيتهما» ترفع شعار الحوار الدائم.
لكن الحوار، تماماً كرقصة «التانغو»، يحتاج الى اثنين. والداعون اليوم الى الحوار طرف واحد يرقص على إيقاعات مختلفة. الطرف الثاني المعني هو «14 آذار» بكل تلاوينها.
من المرات القليلة التي تتفق «قوى 14 آذار» على موقف موحد من قضية مطروحة. فبعد نقاشات مستفيضة حول جدوى المشاركة في الحوار او عدمها تقرر عدم المشاركة. اقترح البعض «وضع شروط مسبقة للحوار، وتحديد الاطر التي تناسبنا والموضوع الذي نريد مناقشته»، لكن هذا الاقتراح سقط.
تنهال الأسباب الموجبة. منها ما له علاقة بالتجارب السابقة، القديمة والحديثة نسبياً. ومنها ما يتصل بواقع الحال.
ففي الحوار تفترض «14 آذار» أن موضوعاً واحداً يجب ان يكون على جدول الأعمال هو سلاح «حزب الله». و«ان شعارنا منذ شباط الماضي هو لا للسلاح». ويستطرد احد المسؤولين قائلاً «لقد انهينا النقاش البيزنطي في هذا الموضوع. اليوم حان دور الدولة لتنفذ ما عليها وتجد الأطر الصالحة لإدخال سلاح «حزب الله» في القنوات الشرعية وتحت امرة القوى الامنية الشرعية».
في كلام أبعد من «السخرية السوداء» وأكثر واقعية سياسية، يسأل مسؤول في «14 آذار» عن السبب الذي قد يدفعنا الى المشاركة في حوار قرر الفريق الآخر سابقاً إنهاءه ووقفه وفق اجندته. لن نعطيهم افادة حسن سلوك يستخدمونها امام المجتمع الدولي ليظهروا أنهم فريق ديموقراطي يشرك المعارضة في حوار حول قضية خلافية بحجم السلاح غير الشرعي. فاذا كان رئيس الجمهورية يحتاج الى تعويض ما خسره في التشكيلة الحكومية، ورئيس الحكومة يبحث عما يعزز شرعية تمثيله ويريدان معاً فترة سماح وتقطيع وقت، فإننا لن نعطيهما ذلك من رصيدنا».
ويشير مسؤول في «تيار المستقبل» إلى أن «ما كان قابلاً للتفاوض قبل «الانقلاب الاسود» على الحكومة شيء وما بعده شيء آخر. كنا نقدم التنازلات في محاولة للملمة الاوضاع الداخلية والبحث عن مخارج. اليوم نحن في المعارضة. ونحن ضد السلاح غير الشرعي ولن نفاوض او نساوم في هذا الموضوع. ولن نعطي موافقتنا على اي اطار يشرعن هذا السلاح تحت اي عذر كان». يضيف «لماذا علينا معاودة المشاركة في طاولة الحوار؟ ماذا طُبق مما اتفق عليه اصلاً؟ حتى المحكمة التي يقرون انه تم الاتفاق عليها بدقائق، عادوا وانقلبوا ضدها. فكيف نثق بحوار وبمتحاورين ينقضون تعهداتهم ويختارون ما يناسبهم في الوقت الذي يناسبهم مستغلين ثقتنا ورغبتنا في ايجاد حلول لتقطيع المراحل. والأسوأ ان لا من يحاسب او يعترض بما يتناسب مع دور الحكم، او اقله مع دور الشاهد».
يعتبر مصدر قيادي في «حزب الكتائب» ان «اللبنانيين محكومون بالتوافق. والحوار اقصر الطرق واقلها كلفة. لكن الحوار وفق ما اصبح مطروحاً لا يقدم حلولا بل يزيد من العقد، حتى امكن القول انه احدها. فبعد ان حلت طاولة الحوار محل مجلس الوزراء وتم التوافق فيها على مجموعة نقاط نجد انها كانت هدراً للوقت والجهد. فلم ينفذ اي مما اتفق عليه لا بل قام «حزب الله» وحلفاؤه بالتراجع عن التزامهم بموضوع المحكمة. ولقد قدم الجميع استراتيجيتهم الدفاعية في حين ان المعنيّ الاساسي لم يفعل ويبدو أنه لم يكن معنياً بالإصغاء الجدي. بالتالي فإن عودة الحوار بالأسلوب والاطار الذي كان قائماً غير مجدٍ».
ومن بين اسباب عدم رغبة «14 آذار» المشاركة في طاولة الحوار العتيدة انها «لا ترغب في مناقضة نفسها», فلا يجوز ان نجلس ونتحاور على طاولة واحدة مع من لا نعترف لا بشرعية ولا احقية حملهم السلاح. ثم ان الثقة مفقودة بهذا الفريق وبتعهداته وحتى بنواياه. والمؤمن لا يُلدغ مرتين».
تغمز «قوى 14 آذار» من قناة رئيس الجمهورية. لا تريد التصويب عليه بالمباشر، لكنها تعتبر أنه «تهاون في حقوقه وحقوق فئة كبيرة من اللبنانيين. وبدا منحازاً، عن إرادة او تهيب، الى منطق القوة وغلبة فريق على آخر. قد يكون هذا اقصى ما هو قادر عليه، لكن المحطات الكبيرة تحتاج الى مواقف كبيرة ورجال على قدر المرحلة والمسؤولية. لا يمكن للرئيس الهروب الى الامام عبر اعادة احياء عظام الحوار وهي رميم. ولى زمن العجائب ولا بد من خطوات جريئة ولا تكفي النوايا الحسنة في هذا المجال».

 

السابق
سلاحان للحكومة: الحزب والكذب
التالي
زعيم ماروني جديد اسمه بشـارة الراعي