فزاعة الفتنة من أجل المحكمة أم السلطة؟

قبل أكثر من سنة كان لبنان قاب قوسين من الفتنة. حذر «حزب الله» منها في مؤتمرات صحافية عدة عقدها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بدءاً من شهر حزيران (يونيو) 2010، منبهاً من ان القرار الاتهامي الذي كان يقال حينها إنه سيصدر بعد أشهر قليلة، سيتسبب بها وقال إن رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري «يعرف كيف يتصرف»، ما أدى الى التعجيل في عقد القمة السعودية – السورية في دمشق في 29 تموز (يوليو) عام 2010، ثم زيارة كل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد لبيروت في اليوم التالي، حيث عقدت القمة الثلاثية الشهيرة التي اتفق خلالها على ضمانة عربية لاستمرار الاستقرار في لبنان. وكان الرئيس السوري أبلغ العاهل السعودي قبل يوم من الزيارة لبيروت ان صدور القرار الاتهامي سيقود الى اضطرابات في لبنان وان قادة الحزب كانوا في زيارته قبل أيام وأبلغوه بقلقهم وأنهم قد يحتلون البلد وينتشرون في معظم المناطق.

وكان السيد نصرالله أشار في مؤتمراته الصحافية الى ان الحريري والقادة العرب قادرون على فعل شيء. وهذا «الشيء» كان في نظر دمشق والحزب هو أن تسعى الرياض لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الى وقف المحكمة أو إلغائها. وحين اكتشف الجميع أن هذا مطلب تعجيزي مستحيل، ونتيجة اتصالات عربية دولية، جرى التركيز على السعي لتأجيل القرار الاتهامي ريثما تُبذل جهود من أجل تسوية بين اللبنانيين تتجاوز هذا القرار إذا كان لا بد من أن يصدر يوماً ما وفيه اتهام لـ «حزب الله». ساهمت ضغوط الحزب حينها على رغم انه كان يردد دائماً أنه ليس خائفاً من القرار الاتهامي، بل من «فتنة» يحضَّر لها للبنان، في التأسيس لما سمّي لاحقاً، في خريف 2010، مفاوضات «س – س»، التي كان يفترض أن تقود الى مؤتمر مصارحة ومسامحة يعالج تداعيات المحكمة غير القابلة للإلغاء.

قبل أيام (في 2 ثم 5 تموز) قال السيد نصرالله أن لا فتنة بين اللبنانيين وتحديداً بين السنّة والشيعة. جاء ذلك بعد أيام من صدور القرار الاتهامي الذي ما زال نصه سرياً. وبالأمس قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «كم توقعت شخصيات ووسائل الإعلام أن يحصل أمر عظيم وخطير في لبنان بعد ان يصدر القرار الاتهامي. صدر القرار وذهب الى الانتربول. بالنسبة إلينا لم يحصل شيء. هي عبارة عن مناقشة إعلامية سياسية لا تؤثر على الأرض».

صدق إذاً ما كان يقوله الحريري على امتداد عام 2010 أن «لا فتنة في لبنان ونحن قادرون، السيد نصرالله والرئيس نبيه بري وأنا وغيرهم أن نحول دون الفتنة».

ما الذي تغيّر بين تموز العام الماضي والآن كي تتوقف الإيحاءات والتهديدات بالفتنة ويطمئن الحزب اللبنانيين الى ان لا مسّ بالاستقرار؟

المتغيّر الوحيد هو أن سعد الحريري لم يعد في السلطة. فهل أن وجوده فيها هو الذي كان سبب التلويح بالفتنة؟

واقع الأمر ان الحريري، حين كان في رئاسة الحكومة، لم يكن ممسكاً بزمام السلطة في شكل كامل بل كان شريكاً في سلطة «حزب الله»، الأقوى على الأرض من الدولة التي كان الحريري يرأس حكومتها. والحقيقة أن تسوية «س – س» كانت تشمل أيضاً إيجاد صيغة مقابل تجاوز المحكمة عبر المسامحة، تحد من سلطة «حزب الله» على الأرض لمصلحة شراكة مختلفة داخل مؤسسات السلطة. كان يؤمل من تلك التسوية إطلاق دينامية استعادة الدولة بعضاً من سلطاتها. وهنا كانت المشكلة بالنسبة الى الحزب، وليس القرار الاتهامي، فهو مطمئن الى أن فائض القوة لديه يسمح له بمواجهته وتجاوزه.

وتتيح المقارنة بين الخطاب السياسي الذي ساد خلال العام 2010 وخطاب اليوم الاستنتاج أن الحزب هو الذي أراد السلطة كاملة بدل التسوية على تقاسمها بينه وبين القوى الأخرى أو الحريري. فلا الظرف الإقليمي يسمح له بهذا التساهل ولا الوقت حان من أجل تسوية من هذا النوع، لا سيما أن إيران لم تكن طرفاً في «س – س».

استنتاج آخر تقود اليه هذه المقارنة هو أن «فزاعة» الفتنة كثيرة الاستخدام هذه الأيام، لمناسبة الثورات العربية وحين يتعلق الأمر بالتخلي عن السلطة أو مشاركة الآخرين فيها عبر الانتقال الى التعددية السياسية. وهي فزاعة تزول حين تستقر السلطة في يد من يلوّح بالفتنة.

السابق
“الخطيفة”… سرقة حلال
التالي
قيادة نتانياهو الكارثية