كاسيزي :المحكمة لحظة مصيرية للبنان والعدالة لاتتحقق من دون مساعدته

تسلمت السلطات اللبنانية المختصة اللوائح الإتهامية ومذكرات التوقيف المتعلقة باغتيال رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وإحدى وعشرين ضحية أخرى قتلت في انفجار ضخم في بيروت.
تشكل هذه المذكرات القضائية نقلة نوعية في إحضار المسؤولين عما حصل في الرابع عشر من شباط (فبراير) 2005. بينما ننتظر مثول أولئك المتهمون أمام المحكمة، بإمكاننا استغلال بعض الوقت للتأمل واستخلاص العبر فيما خص عمل المحكمة الخاصة بلبنان.
هذه فعلا لحظة مصيرية للبنانيين، لدولتهم وللعدالة الدولية. ما حصل ويحصل من أحداث في منطقة الشرق الأوسط يشير إلى أن الرغبة في تحصيل العدالة وإحقاق الحق وتكريس الكرامة الإنسانية هو مطلب عابر للبلدان والثقافات والقيم المختلفة. حصل في الماضي العديد من الإغتيالات والتصفيات السياسية وإرهاب الناس وقتلهم في لبنان، وبطرق همجية، وتوفي العديد من القادة السياسيين والمواطنين العاديين من دون أي محاسبة تذكر. الطريقة الوحيدة لوقف هذا النوع من القتل هو في التخاصم أمام القضاء.
بصفتي رئيس للمحكمة الخاصة بلبنان أقدر جيدا حقيقة أن التنازع القضائي يأخذ وقتا طويلا وهو موجع ويتطلب صبرا خاصة بالنسبة لضحايا الجرائم اللذين أطلب منهم المعذرة على الوقت الطويل الذي أخذته المحكمة وأنا أشكرهم جزيل الشكر على صبرهم وطول أناتهم.
العدالة هي بلا شك بطيئة لكن البطء هذا لا يرجع أبدا إلى رغبة الموظفين والقائمين عليها بأن يكونوا كذلك وإنما يعود، في الأساس، إلى التعقيدات الموضوعية، مثل الحاجة لأن تكون التحقيقات شاملة وعميقة ودقيقة وأن تتبع الآليات المحددة لضمان كفاءتها وصيرورة عملها بما لا يفسح المجال لأي شك في نزاهتها ومصداقيتها. العدالة أيضا منهجية وحركتها لا تهدأ كما شاهدنا في اعتقال "راتكو ملاديتش" بعد 15 سنة من إصدار مذكرة توقيف بحقه والبدء في المرحلة الثانية من محاكمة "الخمير الحمر".
تصميمنا العميق على جلاء حقيقة ما حصل نهار الرابع عشر من شباط (فبراير) 2004 لن يتأثرالبتة بالجو السياسي في لبنان والمنطقة، أو حتى العالم. نحن طبعا على علم بطبيعة تسييس الأشياء في لبنان، وفي أمكنة أخرى، وكيف أن العدالة عليها أن تعمل في أجواء سياسية ضاغطة في لبنان مما يجعلها مطية لإستهدافات سياسية لا تمت للواقع العدلي بصلة.
يدعي البعض أن سعينا لتحقيق العدالة يستهدف الإستقرار العام في لبنان. هذا خطأ، لأن الإستقرار الصحيح لا يمكن أن يتحقق من دون محاسبة مرتكبي تلك الإعتداءات الفظيعة والذي وحده يضمن السلام بين المتخاصمين من الطوائف والمذاهب المتعددة. ما يحمي إجراءات المحكمة الخاصة بلبنان ويضمن نزاهتها هو طابعها الدولي المنزه عن أي تدخل في الصراعات السياسة اللبنانية والذي يضمن ديمومية النظرة الطويلة الأمد للمحكمة بأن العدالة هي حاجة أساسية لضمان السلام والإستقرار.
كان لبنان–وهو أحد الأعضاء الفخورين والمؤسسين للأمم المتحدة– هو من طلب إنشاء محكمة خاصة بلبنان ذات طابع دولي لتحقيق هدفين أساسيين هما: أولا، تأمين استمرار مبدأ المحاسبة القضائية لأولئك الذين انحرفوا جدا عن المبادىء الإنسانية الحقة. ثانيا، للجزم أن الديموقراطية لا تستقيم دون العمل بالقوانين العامة للبلاد وإحقاق الحق وتأمين العدالة والمساواة والحرية للجميع.
أود هنا أن أذكر الدولة اللبنانية بإلتزاماتها الغير قابلة للإلتباس تجاه المحكمة الخاصة بلبنان. وبأن عليها أن تقوم باعتقال وجلب المطلوبين إلى المحكمة وحماية قضاة وموظفي ومحامي المحكمة. كما نطالب الدولة اللبنانية بالإلتزام بدفع المستحقات المالية المترتبة عليها لضمان استمرارية عمل المحكمة وإجراءاتها. العدالة لا تتحقق من دون المساعدة الفعلية من قبل الدولة المعنية.
لعمل الذي أمامنا يشكل تحدي لكل من المحكمة ولبنان خاصة أنها المرة الأولى التي يحصل فيها محاكمة لجريمة إرهابية. الإرهاب بحد ذاته يقود إلى عدم الإستقرار وعدم المساواة. العدالة الدولية هي الأداة الأمثل لمكافحة هذه الفوضى وإحقاق الحق وتعزيزالنظام العام.
تداعيات أحداث الأشهر الماضية في منطقة الشرق الأوسط أثبتت للعالم أجمع أن شعوبها تتوق إلى العدل والمساواة وحكم القانون وأنها تنظر إلى ما تقدم على أنها الأعمدة الأساسية التي يريدون بناء مجتمعاتهم عليها. يجب النظر إلى المحكمة على أنها فرصة ذهبية للبنان ولشعوب المنطقة لنهضة عدلية لا يجب عليهم أبدا تفويتها.
*أنطونيو كاسيزي هو رئيس المحكمة الخاصة بلبنان. قبلها كان رئيسا للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورئيس الهيئة الدولية للتحقيق بدارفور.
رسالة أنطونيو كاسيزي إلى نيويورك تايمز التي نشرت بتاريخ 12-7-2011

السابق
خامنئي يعلن الحرب على “مهدوية” نجاد
التالي
الجمهورية: مجلس الوزراء اليوم لـتعيينات الضرورة والمنطقة الخالصة وتقرير وليامز حول 1701 يلحظ قلقاً على المحكمة